عبر ما يزيد على ربع قرن من الزمن مثّلت بلاد الاغتراب مساحة لرؤاه الإبداعية الثقافية والفنية، بعد عبوره المسافات بحثاً عن أبجدية جديدة للإبداع، هو المغترب التشكيلي الأديب "صبري يوسف".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت عبر الشبكة العنكبوتية مع الأديب التشكيلي المغترب السوري "صبري يوسف" بالسويد "ستوكهولم"، بتاريخ 12 آذار2016، وعن مسيرة حياته تحدث بالقول: «"المالكية" (ديريك) مسقط رأسي ببيئتها الفلاحية وبراريها الرَّحبة كوّنت خزاناً للكثير من معالم إبداعاتي الأدبيّة والفنِّية، فبعد حصولي على شهاداتي الدراسية عملت في سلك التعليم لمدة ثلاثة عشر عاماً عبرت بعدها البحار بحثاً عن أبجديات جديدة للإبداع في مجالات الفن والأدب».

"المالكية" (ديريك) مسقط رأسي ببيئتها الفلاحية وبراريها الرَّحبة كوّنت خزاناً للكثير من معالم إبداعاتي الأدبيّة والفنِّية، فبعد حصولي على شهاداتي الدراسية عملت في سلك التعليم لمدة ثلاثة عشر عاماً عبرت بعدها البحار بحثاً عن أبجديات جديدة للإبداع في مجالات الفن والأدب

عن بداياته الفنية يقول: «كان الرّسم إحدى وسائل التَّعبير عن طموحاتي الإبداعيّة، فعبر اللون أترجم تدفُّقات مشاعري وتطلُّعاتي، بداياتي الفنِّيّة جاءت متأخّرة عام 2004 وقبلها كنت مهتمَّاً بالتَّخطيطات والرَّسم بأقلام التَّلوين والحبر الصيني، وشغوفاً بالخطِّ العربي، أرسمُ أعمالي بالسِّكِّين والفرشاة النَّاعمة بأسلوبٍ شاعري فطري طفولي حُلمي تخيُّلي، ولم أتوقّف عند مدرسة فنِّية معيَّنة بقدر ما توقَّفت عند مشاعري العفويّة المتدفِّقة كحنين العشَّاق إلى أعماق تجلِّيات الرُّوح، حيث تتداخل عدّة أساليب في اللَّوحة الواحدة، وأغلب الأحيان تتدفّق الألوان بشكل عفوي وتتطور وتتناغم خلال عمليات الرَّسم ضمن إيقاع لوني فيه من الموسيقا والرّقص والفرح والحنين إلى عوالم الطُّفولة والشَّباب والحياة بكلِّ رحابها، مستخدماً الرَّمز والتَّجريد وأشكالاً من وحي الخيال والواقع، حيث تبدو لوحاتي كأنّها قصائد شعريّة تمَّت كتابتها بالألوان، ولهذا تبدو اللَّوحة كأنَّها الجزء المتمّم للقصيدة، فالشِّعر والرَّسم برأيي وجهان لعشقٍ واحد هو الإبداع، قدّمت خمسة معارض فرديّة والعديد من المعارض الجماعيّة في "ستوكهولم"، مركزاً على الفرح والحبِّ والسَّلام فيها».

إحدى لوحاته الفنية

ولم يتوقف نشاطه على الجانب الفني، بل استهوته الكتابة الأدبية، وعنها قال: «بدأت الكتابة قبل اغترابي، لكن تجربتي الأولى كانت غير مركونة على أسسٍ حرفيّة، منحتني تجربتي في الاغتراب على مدى ربع قرن الحرِّيّة والكثير من الصَّفاء والتَّأمُّل والإبداع، فالشعر عندي أعمق من أن أعرفه، وأرى أنَّ أيّ لغة غير قادرة على احتضان فضاءاته لما فيه من تدفُّقات شاهقة في البوح تعجز لغات الكون عن ترجمتها، كتبت الشِّعر العمودي والتَّفعيلة منذ المرحلة الثانوية، وسرعان ما هجرت الشِّعر الموزون واستهوتني فضاءات قصيدة النثر لأنها تحقِّق تدفُّقاتي الشِّعريّة التي تنساب كحبات المطر، كما كتبت القصص الساخرة التي حملت روح الطرافة وكانت اجتماعية إنسانيّة مستوحاة من فضاءات الطُّفولة والذَّاكرة البعيدة، دمجت الواقع بالخيال فأتت معبّقة بألق الحياة، أصدرتُ أربع مجموعات قصصيّة، منها: "احتراق حافّات الرُّوح، ترتيلة الرّحيل"، شاركت بعدد من الأمسيات القصصية، ونشرت قصصي بالصّحافة والمجلّات الورقيّة وعبر الشبكة العنكبوتيّة، كما أصدرت ثلاثة أعمالٍ روائيّة استوحيت فضاءاتها من عوالم الطُّفولة وتجربتي بالتَّدريس وتجاربي الحياتيّة بالوطن الأم؛ مركّزاً على انسيابيّة جموح الخيال، وهي: "تجلِّيات في رحاب الذّات، قهقهات متأصِّلة في الذَّاكرة، وإلقاء القبض على حاسر الرّأس"».

وكان لاهتمامه بالجانب الإعلامي دور في حياته، حيث أسس "مجلّة السَّلام" الدَّوليّة عام 2013، وهي مجلّة أدبيّة فكريّة ثقافيّة فنِّيّة سنويّة مستقلّة ينشر فيها مئات الكتَّاب والشّعراء والأدباء والمفكَّرين والفنَّانين من دول العالم لترويج ثقافة السَّلام والوئام بين البشر، كما كان له نشاطه الإعلامي كمدير لبرنامج (بطاقات ثقافيّة) بالفضائيّة السّريانيّة "soreo-tv" القسم العربي، وقدَّم 24 برنامجاً حوارياً مع مبدعين، وتابع نشر كتاباته بالصَّحافة الورقية والإلكترونيّة، وصفحته الخاصة عبر الشبكة العنكبوتية، كما أسس داراً للنشر اهتمت بنشر الكتب الأدبية له ولبعض أصدقائه، ولم يكن هدفها ربحياً، كما لم يرد من خلال ذلك طرح نفسه كناشر بل كمبدع، مؤكداً أن الغرب ينتظر منّا الآن وعبر رؤانا المستقبلية تقديم ما هو حضاري وتنويري وإنساني بمجال الإبداع والثّقافة، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه على مدى ربع قرن من الزَّمن في بلاد الاغتراب.

غلاف أحد إصداراته الأدبية

وعن علاقته مع الوطن، وكيف يمكن للمغترب أن يكون صورة عن بلاده يضيف: «الإنسان جزء لا يتجزّأ من الوطن لأنّه تكوّن من ذراته، الوطن هو ذاتنا المعشّشة في كياننا منذ أن تبرعمنا على وجه الدُّنيا، ويمكن لأي مغترب أن يكون صورة عن بلاده من خلال تقديمه أرقى ما لديه من رؤية إبداعيّة ثقافيّة فنِّيّة حضاريّة تنويريّة في بلاد الاغتراب، وقد قدّمت الكثير في دنيا الغرب على مدى مشوار اغترابي من خلال نشر رؤاي التَّنويريّة الّتي تصبُّ في رحاب السَّلام والوئام مع البشر عبر مجلّة "السَّلام"، وعبر سلسلة كتبي من الشعر والقصة والرِّواية والفنون والحوارات الَّتي أجريها».

عنه قالت الأديبة الدكتورة "أسماء غريب": «صاحب رسالة مهمة، وهي إشاعة السلام ليس عبر الحرف الكتابيّ أو اللونيّ، وإنّما عبر الفعل والحَركة أيضاً، ومَنْ يقرأ بعينِ التأمُّل كتاباتِه ولوحاتِه ومن يطّلعُ على مختلف أنشطته يكتشفُ ذلك، يرى في الاهتمام بتشذيب النفس وتهذيبها وتثقيفِها وتحسينِ سلوكياتها عبر دفعها إلى اكتشاف براري المحبة والجمال والوئام نوعاً من أنواع الخلاص من الشقاء الأبدي؛ فالموسيقا الراقية بالنسبةِ لهُ مثلاً هي غذاء الروح الأسمى، يهتمُّ أيضاً بتجاربِ المُبدعين الآخرين منَ الفنّانين التشكيليّين؛ وهذا يعني إدراكه العميق لما للّونِ والرّسْم من أهمية في تربية النفس على مبادئ السلام والرقي بها إلى مصاف أهل الحظوة والحبور».

الدكتورة أسماء غريب

وأضاف الأديب والناقد "غريب ملا زلال": «أديب بامتياز لم يترك حقلاً لم يزرع فيه، ويحصد بنجاح، هو مؤسسة كاملة بل ورشة عمل ثقافية لا تهدأ، في أعماقه أجنحة تحلق مع حماماته نحو السلام الذي يكاد يكون مشروعه الأغنى، هو إنسان أولاً، وأديب ثانياً، وفنان ثالثاً؛ وهذا يجعلنا نتفاءل بأي مشروع يخطه قلمه أو ريشته، له تجربته الموسيقية فهو عازف ماهر؛ وهذا ما يجعل جلّ أعماله الأدبية والفنية والموسيقية حالة متجانسة بل ملتحمة كالروح».

يذكر أن المغترب السوري "صبري يوسف" من مواليد "المالكية" 1956، خريج قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية شعبة علم الاجتماع 1986.