بين الوطن والاغتراب تركن الذاكرة إلى إحدى المحطات لتروي لنا مسيرة اغتراب علمية واجتماعية عاشها المغترب بعيداً عن الوطن، يتصفح من خلال ذكرياته أيام الصبا والشباب.

«سورية البلد الأجمل والأروع، ومخزن ذكريات الطفولة والشباب، يزداد الشوق إليها يوماً بعد يوم، وهي مصدر الإلهام والفخر لأي مغترب يعيش خارج وطنه، لأن الوطن يسكننا من الوريد إلى الوريد، ويعشش في ذاكرتنا وكياننا، لأنه الروح التي نحيا بها والنفس الذي نستنشقه».

لا يدهشني ما وصل إليه الدكتور "إيليا" من نجاحات لأنه منذ أن كان في المرحلة الثانوية ونحن نلمس فيه الطموح والرغبة في التفوق على ذاته، وقد كان من الطلاب المميزين باجتهادهم وذكائهم

الكلام للمغترب الدكتور "إيليا شمعون إيليا" ابن "المالكية" في حديثه لموقع eSyria أثناء زيارته لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة في "المالكية" الذي يضيف: «بعد أن نلت الشهادة الثانوية درست الطب في جامعة "حلب" في عام 1980، وبعد تخرجي وأدائي خدمة العلم، وبهدف استكمال تحصيلي العلمي سافرت إلى "فرنسا" عام 1990، وتخصصت جراحة عامة من جامعة "ستراسبورغ"، ومن بعدها سافرت في عام 1993 إلى "الولايات المتحدة الأمريكية" لاستكمال تخصصي الطبي، وتقدمت لامتحان تعديل شهادة الطب بداية في معهد "Kaplan" في "نيوجرسي"، ومن ثم خضعت لأربعة امتحانات في ECFMG" وهي المؤسسة المسؤولة عن تعديل شهادات الطب للقادمين من خارج "أميركا"».

مع والده في المالكية

ويتابع "إيليا" حديثه: «ليس بالسهولة بمكان أن تتابع تخصصك الطبي في "الولايات المتحدة الأمريكية" لأنك بحاجة بداية لرسائل توصية من أطباء معتمدين ذوي خبرة، ولكي احصل على هذه الرسائل قمت بالتطوع بالعمل في مشفى "سان جوزيف" في "نيوجرسي" لمدة سنة بشكل مجاني لاكتسب الخبرة، وعلى أثرها حصلت على رسائل التوصية، والتي تم بموجبها السماح لي التسجيل لدراسة اختصاص داخلية، ومن ثم تقدمت بطلب لإجراء مقابلة القبول التي واجهت صعوبات كبيرة فيها، لكوني قادم من دولة يعتبرونها نامية وليس لديهم الثقة بخريجيها، ففي البداية إهمال طلبي، وحينما اتصلت للسؤال عن السبب تم تحديد موعد جديد لي، وكان التعامل معي على أساس أنني سأفشل في هذه المقابلة التي تعتمد على اللغة والمعلومات الطبية، حيث تم طرح أسئلة كثيرة علي وقمت بالإجابة عنها بشكل جيد، ونلت تقييماً مقداره 9.5 /10 بعد أن قمت بالتحضير الجاد لها، واذكر أنني في نهايتها قلت للمسؤول عن المقابلة لا تنظر لطلبي بل أنظر إلى معلوماتي».

وعن المرحلة التالية يضيف "إيليا": «تم قبولي في مستشفى "MERCY CATHOLIC MEDICAL CENTER" حيث درست لمدة سنة اختصاص داخلية، ومن ثم قررت التخصص كطبيب مخدر في "THOMAS JEFFERSON UNIVERSITY HOSPITAL" لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم اختصصت كمخدر لعمليات زراعة القلب والكبد، إضافة لدراستي تقنية الأمواج فوق الصوتية، وهي دراسة القلب ومشاكله عن طريق البلعوم، حيث شاركت كطبيب مخدر فيما يقارب الثلاثين عملية زرع قلب ومئة عملية زرع كبد حتى الآن، ومن ثم بدأت التدريس في العام 2001 لطلاب الطب والمختصين في التخدير في "THOMAS JEFFERSON UNIVERSITY HOSPITAL"».

مع اولاده في الولايات المتحدة

وعن مشاركاته الطبية سواء بالأبحاث أو المؤتمرات الطبية يضيف "إيليا": «قمت بنشر بعض الأبحاث الطبية في مجال التخدير في أكبر المجلات الطبية الأميركية، كما دعيت إلى كثير من المؤتمرات الطبية بصفة محاضر أو مشارك خارج وداخل الولايات المتحدة الأميركية في "البرازيل، كندا وايطاليا" على سبيل المثال لا الحصر، وهنا يحضرني جملة من المواقف حينما يعلم المشاركون أنني سوري فيفاجؤون نظراً للنظرة السيئة التي رسمها الإعلام الغربي عن الإنسان السوري في فترة من الفترات، والحقيقة إنني أسعى كلما شاركت في نشاط ما إلى أن أقدم نفسي بالصفة التي اعتز بها سوري، لأن سورية هي صاحبة الفضل الأكبر علي بما وصلت إليه، وهي مصدر الاعتزاز والفخر».

وعن الفرق بين نمط الحياة بين سورية و"الولايات المتحدة الأمريكية" يتحدث "إيليا": «"الولايات المتحدة" مزيج فريد من شعوب الأرض، وقد عانيت في بداية استقراري فيها من جملة من الصعوبات لتخطي دوامة الحياة الأمريكية المتسارعة، أبرزها الأفكار المسبقة والنظرة الخاطئة التي يحملها الكثير من الأمريكان عن الإنسان القادم من الشرق الأوسط عامة وسورية خاصة، ما خلق حواجز في البداية بيني وبين محيطي، ولكنني استطعت تخطيها والانصهار معهم بسرعة عن طريق التفرغ لتحصيلي العلمي وإتقان اللغة الوسيلة الأهم للدخول لأي مجتمع، واستطعت فيما بعد إقناعهم بجدارتي واستحقاقي لما أنا فيه، وحينها تغيرت النظرة إلى نظرة إعجاب وتقدير كبير، كما عانيت بعد زواجي من عدم وجود وقت فراغ كاف لأسرتي، لأن الدراسة كانت تأخذ كل وقتي، ومن ثم العمل الذي استحوذ على اغلب أوقاتي لكوني مقيم في "نيوجرسي" وأعمل في "فيلادلفيا" على بعد 20 كم من منزلي، حيث ابدأ العمل من الساعة السابعة حتى الرابعة ظهراً، ويتم استدعائي في كثير من الأوقات بشكل إسعافي في حال حصول عمليات زرع قلب أو كبد، ومع ذلك حاولت قدر الإمكان أن أكون مع أولادي في مدرستهم أو في الملعب حيث يمارسون أنشطتهم أو في رحلاتهم ومناسباتهم، لأنني أقدس القيم العائلية، وأرغب أن أنقل لأولادي روح الشرق السامية».

في شوارع المالكية

ويضيف "إيليا" بإعجاب خاتماً حديثه: «سورية تغيرت كثيراً منذ آخر زيارة لي منذ ما يقارب ثلاث سنوات بدءاً من المطار والاستقبال الودود من قبل المسؤولين، مروراً بالتعامل الحضاري لرجال الأمن، ولا أخفيك أنني دهشت لحالة الأمن والاستقرار التي يعيشها الناس، وقد أسعدتني حالة التطور الموجودة في "المالكية" خاصة، حيث قمت بزيارة المشفى الوطني، وهو بناء حضاري ونموذجي يحتوي أجهزة طبية عالية التطور ويقدم خدمات كبيرة لم ألمسها في المشافي الخاصة التي قمت بزيارتها في سورية، وهو يدل على مدى اهتمام الدولة السورية في توفير أفضل الخدمات الطبية لمواطنيها، وقد حملت من قبل هذه الصور المشرقة إلى "الولايات المتحدة" وأهلها، وسأحمل معي مزيداً من الصور الحضارية لهذا البلد المحب الآمن لأشجع جيراني على زيارته، والتمتع بجماله وما يحويه من أماكن غاية في الجمال والروعة، ولاسيما المواقع الأثرية الفريدة فيه».

المهندس "كبرئيل عامو" زميل دراسته يقول عنه: «لا يدهشني ما وصل إليه الدكتور "إيليا" من نجاحات لأنه منذ أن كان في المرحلة الثانوية ونحن نلمس فيه الطموح والرغبة في التفوق على ذاته، وقد كان من الطلاب المميزين باجتهادهم وذكائهم».

أما "جاك إيليا" فيقول عنه: «الدكتور "إيليا" من الأشخاص الذين يقدرون قيم العائلة لأنه رغم سفره واستقراره في الولايات المتحدة الأمريكية لم ينقطع عن التواصل مع أهله وأصدقائه، وهو مازال يحمل تلك السمات المميزة للإنسان الشرقي من ود ومحبة وانتماء للوطن».

بقي أن نذكر أن الدكتور "إيليا شمعون إيليا" هو من مواليد "المالكية" ومتزوج من طبيبة تخدير بولندية له ثلاث بنات هن "جوانا 11عاما، ايميلي 6 سنوات، فيفيان 1.5 سنة" وولد واحد هو "جورج" 14 عاما.