لم يكن هاجس الهجرة خارج الوطن وليد اللحظة، أو بسبب الأزمة التي تعصف بالوطن، بل هو حلم يراود أهل "الحسكة" منذ زمن طويل، وقلما تجد بيتاً إلا ودّع مهاجراً أو مغترباً، إلا أن حالات الهجرة الجماعية في المدة الأخيرة أصبحت حالة خطرة تمس الأرض والبشر.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 أيار 2016 التقت "صالح الحويجة" المتخصص بعلم الاجتماع؛ الذي تحدث عن أسباب سفر أهالي "الحسكة"، وهجرة بعضهم النهائية، فقال: «تعني الهجرة تغيير الناس لمكان إقامتهم، وانتقالهم من المكان الأصلي إلى مكان جديد، حيث يكون هذا الانتقال إما للاستقرار المؤقت أو الاستقرار الدائم في البقعة الجديدة. وتتنوع الأسباب التي تدفع الناس إلى الهجرة من مواطنهم الأصلية إلى بقاع العالم الأخرى، ومنها التعليم، فالمهاجر قد لا يجد الفرصة التعليمية التي تناسب رغبته؛ وهو ما يدفعه إلى السفر خارج الوطن لزيادة تحصيله العلمي. وكذلك تحسين الأوضاع الاقتصادية، فالفقر والحاجة والطموح المادي أيضاً يدفع الإنسان إلى ترك الوطن والذهاب إلى بلد آخر للعمل وكسب الرزق. وهذه الهجرة تكون لها بعض السلبيات على المهاجر والبلد الذي تركه، فالهجرة تكتسب عادة الصفة الدائمة؛ وهو ما يقلل نسبة الشباب في البلد الذي تركه، فتقل الأيدي العاملة ويقل الإنتاج، وهناك سبب آخر للهجرة كالكوارث الطبيعية والأسباب السياسية والحروب، وهي هجرة خطرة لأن أعداد المهاجرين تكون ضخمة وفوق قدرة البلد المستضيف».

يجب العمل على الحد من الهجرة من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية للمحافظة، والقيام بحملات توعية تناقش مخاطر الهجرة، وتحسين الواقع الخدمي فيها، فمجتمع "الحسكة" غنيّ وفيه نسيج اجتماعي متميز يجب الحفاظ عليه

ويعدد "الحويجة" الآثار السلبية التي يتركها الفرد في حال الهجرة على بلده، وعلى المكان الذي استقر به قائلاً: «للهجرة آثار سلبية بالأفراد، فيصعب عليهم العيش والتأقلم في البلد الجديد، فتكون اللغة صعبة عليهم، وكذلك التأقلم مع العادات والتقاليد الجديدة عليهم في بلد لا يعرفون عنه شيئاً، ويعاملون معاملة غير عادلة في السكن والعمل، وقد لا يجد الكثيرون إلا الأعمال الصعبة والأجور المنخفضة. أما آثارها بالوطن الأم، فهي خطرة؛ فهجرة العقول تؤدي إلى تردي العلوم والصناعة والتأخر في التطور، غير آثارها العميقة بالأرض الزراعية».

رجاء عويد

ويضيف "الحويجة" بالنسبة إلى الآثار العامة بمحافظة "الحسكة" بالقول: «يجب العمل على الحد من الهجرة من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية للمحافظة، والقيام بحملات توعية تناقش مخاطر الهجرة، وتحسين الواقع الخدمي فيها، فمجتمع "الحسكة" غنيّ وفيه نسيج اجتماعي متميز يجب الحفاظ عليه».

ربة المنزل "رجاء عويد" التي هاجر أبناؤها مؤخراً، تقول: «هاجر أبنائي وأطفالهم خارج القطر بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية، ولا توجد أمّ في العالم تتمنى أن يبتعد أبناؤها عنها، لكنه قرارهم في النهاية بعد أن باتت الأوضاع صعبة للغاية، ولا أملك سوى الانتظار، ولا أمل لي سوى تحسن الأوضاع كي يعود أبنائي. ومن ناحية أخرى، كنا نتوقع أن تتحسن أحوالنا الاقتصادية عندما يهاجر الأولاد، ففوجئنا بالواقع الجديد، لقد تردت أحوالنا وأحوال أبنائي في الغربة؛ فهم لم يجدوا العمل المناسب إلى الآن، وتكاليف الهجرة أثقلت كاهلنا، ولم نعد قادرين على الاستمرار كما يجب».

صالح الحويجة

وقد تواصلنا مع الشاب "مثنى محمد الدرويش" المقيم في "ألمانيا"، فتحدث عن هجرته، وما وجده في غربته بالقول: «كنت طالباً في الجامعة، قسم الآثار، وبسبب الأوضاع التي تعرضت لها مدينتي "الحسكة" سنحت لي فرصة الهجرة، ووصلت منذ سنة إلى هنا، شعور الوحدة أرهقني وقض مضجعي، كنت أتوقع حياة أفضل، لكن منذ قدومي وأنا أعيش في مخيم خارج المدينة، ولم أحصل حتى الآن على الإقامة؛ لذا أنا ملزم بالبقاء في المخيم، بدأت أحبط وتسرب اليأس إلى أغلب المهاجرين الذين يقطنون معي، وشعورنا بأننا أشخاص غير مقبولين لدى فئة معينة من الشعب الألماني، وقد بدأت أندم وأفكر بالرجوع، فلا يوجد أجمل من العيش في وطني، وأنتظر بفارغ الصبر انتهاء الأزمة والعودة إلى ربوعه».

المهاجرة منذ زمن طويل إلى "أستراليا" "رانيا الهيبة" قالت: «للغربة مرارة بمذاقٍ فريد لا يشعر بها ويحسها إلا من يعيشها. ووجودك بعيداً عن الوطن يقضي على حقيقة انتمائك، ويجعلك غير قادرٍ على التمتع بهذا الإحساس الجميل، ومهما طال بك الزمن لا يمكنك التغلغل في المجتمع الجديد الذي أنت فيه لاختلافاتٍ كثيرة بينك وبين أهله، فلا تكون قادراً على التواصل مع انتمائك إلى موطنك الأصلي بحكم بعدك عن تطوراته ومستجداته، وتكتشف من حيث لا تدري أن أهلك وناسك قد كبروا بعيداً عن عينيك ومداركك، وأن أفكارهم ومبادئهم قد تكونت بما يتناسب مع تغيرات مجتمعهم وأنت بعيد عنه وعنهم، وهنا تحدث الهوة، يضاف إلى ذلك الحصار الاقتصادي الخانق الذي يعيشه أمثالنا في هذه المجتمعات التي ننتقل إليها، حيث إننا آخر الحاصلين على أي فرص عمل ومن دون أي مبررات منطقية، وتغدو لاهثاً باستمرار وراء أي بارقة أمل تجعلك تشعر بأنك شخص منتج لا مستهلك فقط، مع ما ينتج جراء ذلك من شعورٍ بالذل والعجز وعدم القدرة الذي يسيطر على كافة نواحي الحياة الأخرى. ومختصر الموضوع أنني كمن صعد إلى منتصف السلّم ولم يعد بمقدوري المتابعة أو التراجع، وبقيت عالقةً هنا حيث أنا في المنتصف».