بين موسيقي ومطبل.. وبين فصيح ومتفاصح تتهشم قدسية اللغة العربية، تلك التي كانت بالأمس الأغزر جمالاً بالمعاني بين قريناتها. واقع وقف فريق منه متفرجاً تحت وطأة ما يسمى بالحداثة اللغوية وهناك من سل قلمه من غمده ليثأر للغته.

الدكتور "أحمد الدريس" مدير "ثقافة الحسكة" وعضو لجنة تمكين اللغة بالمحافظة كان أحد الثائرين لقدسية اللغة، الذي التقاه موقع eHasakeh ليحدثنا بدوره عن الواجب الملقى على عاتق المثقفين في حماية اللغة العربية الفصحى: «إن احتفاء الأديب بلغته يدخل في باب الالتزام القومي والحفاظ على الهوية، ويندرج في إطار الإخلاص لأصول الكلام، وأصالة البيان، واحترام الموروث لكونه حبلا من مسد يربط الأديب إلى سدرة الصواب ويشده إلى صخرة الوفاء لخصوصية لغته التي تعني إخلاصه لخصوصية الآباء والأجداد ثقافة وحضارة وقيما».

إن احتفاء الأديب بلغته يدخل في باب الالتزام القومي والحفاظ على الهوية، ويندرج في إطار الإخلاص لأصول الكلام، وأصالة البيان، واحترام الموروث لكونه حبلا من مسد يربط الأديب إلى سدرة الصواب ويشده إلى صخرة الوفاء لخصوصية لغته التي تعني إخلاصه لخصوصية الآباء والأجداد ثقافة وحضارة وقيما

ثم تابع "الدريس" بالقول: «ومن الأسف أن ينظر بعض الأدباء إلى اللغة على أنها شيء هين قابل للاستباحة فلا يحترم ألفاظها ولا تراكيبها، وإنما تراه يعمل معول الهدم والتخريب، فإذا اللغة على يديه كائن مهشم ضعيف لفظا وجملة ودلالة، وكأنما أخذ على نفسه عهدا أن يقطع ذلك الجهد الجماعي الذي اتصل عبر التاريخ سعيا وراء توحيد العربية وتنقيتها وإفراغها في قالب محكم رصين حتى يصل المتحدثون بها إلى الغاية ونبل المقصد.

لغتنا الأجمل

ومن أغرب غرائب زماننا هذا أن الخواء قد امتد إلى كثير من جوانب حياتنا حتى مسّ الأدب، فإذا نحن أمام طائفة من عمال القلم الذين يتنطحون للكتابة في فنون القول المختلفة ويستأجرون النقّاد والمقرّضين لتلميع إبداعاتهم التي لا نقع فيها على ما يفيد العقل أو ينعش الشعور، ويزيدون في الطنبور نغما حين يصبّون تفاهاتهم الأدبية في قوالب لغوية مهلهلة النسج رديئة الحبك محّرفة الدلالة.

ولا أحسب أني اكتشفت قارة جديدة حين أقول إن عودة إلى ما يكتب في صحفنا ودورياتنا وما يوضع بين دفتين تحت مسمى عمل أدبي إبداعي سترينا مدى الهبوط في المضمون وحجم الانحطاط والجهل بأصول اللغة وهذا ما يدعونا إلى أن نتساءل أيعقل أن يعوّم هذا أو ذاك نفسه أديبا على أمواج الإبداع وهو لا يجيد السباحة في بحر اللغة ولا يحسن التفريق في أقل الأحوال بين المبني والمعرب ولا يعرف أنواع الإعراب وحركاته وحروفه ولا يميز بين البدل والتوكيد.

الدكتور الدريس في أحد اجتماعات لجنة التمكين

وكثيرا ما يشط في السقوط إلى حد استخدام كلمات لا يعرف معانيها فيستخدمها في غير ما وضعت له، فإذا ما وقع في الخطل والخلل والخطأ أجابك أن هذا هو الأدب الحداثي الذي يتطلب تحطيم اللغة السائدة وخلخلة بناها ودلالاتها مستعيرا ثوبا على غير قياس جسده مع إصرار على لبسه حتى لو بدا به مسخا مشوها. إن الذين يحطمون لغتهم القومية تحت عنوان الحداثة إنما يفعلون ذلك لعجزهم عن بلوغ أعماق هذه اللغة وانسحابهم إلى الميدان السهل ميدان الخطأ والانحطاط، فإذا بالأدب الذي ينتجونه أدب عربيّ الحروف لا عربيّ البناء والدلالة، والكلام الذي يقولونه مجرد ركام من حطام ألفاظ متداخلة بصورة غير منضبطة ما يجعلك تصرخ: أي أدب هذا الذي يسمونه أدبا عربياً جديداً والعربية فيه غريبة الوجه والنحو والبيان؟».

ثم نوه الدكتور "الدريس" بأمر مهم بالقول: «إن استعجال بعض صغار الكتّاب الجهلة من أجل بلوغ القمم في مرحلة الحبو، هو الذي يدفع بالمغامرين منهم إلى ركوب الخطأ والدفاع عنه على أنه من "صرعات" الأدب الجريء المتمرد على المألوف.. وليت شعري لو أدرك هؤلاء أنهم يتمردون على أنفسهم حين ينسفون لغتهم القومية ويضيعون هويتهم الخاصة حين يعتدون على قدسيتها. أجل، كثيرة هي الكتب التي تقذفها أفواه المطابع وكثيرة هي الإبداعات التي تسوِّد صحفنا، ولكن ما أقل تلك الإبداعات المخلصة للغة العربية، وهي إبداعات تعب أصحابها وأنفقوا من العمر زمنا في محراب لغتهم ليقولوا كلاما مؤثراً فاعلاً».

ثم ختم الدكتور "أحمد الدريس" حديثه متسائلاً: «هل فكر المستعجلون أن يتعلموا لغتهم قبل أن يغامروا في مراكب الإبداع المثقوبة، وهل حاول هؤلاء الاعتراف مرة واحدة أنهم يغلفون جهلهم بلغتهم بالمصطلحات القائمة التي لا يمكن لها أن تخفي حقيقتهم التي لا يعلنونها. فهل أصبح الجهل باللغة العربية وحشو النتاجات الرديئة بالأخطاء فضيلة أيها الهاربون من ذاتكم إلى جحيم الكذب بذريعة التميز الإبداعي؟ أسئلة نعرف إجاباتها كما يعرف إجاباتها أولئك المستكبرون بالجهل "الخفي المعلن" ممن يعلمون أن اللغة وعاء الأدب ولكنهم لا يريدون إلا وعاء وسخا مهشما لإبداع يشبه أي شيء عدا الإبداع الحقيقي».

من الجدير بالذكر أن الدكتور "أحمد الدريس" ولد في البادية عام 1957. وهو- أمين سر فرع اتحاد الكتاب العرب بالحسكة. عضو جمعية الشعر. مدير "ثقافة الحسكة" وعضو لجنة تمكين اللغة بالمحافظة.