يعد حيّ "البشيرية" من أقدم الأحياء في مدينة "القامشلي"، وانفراده بالتميز من خلال بيوته الطينية ذات الطابقين، التي تنثر قصصاً وحكايات عمرها مئات السنين.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 8 كانون الأوّل 2015، وقفت عند تلك القصص والحكايات، من خلال رجالات تحفظ ذاكرتهم ذلك، وكانت البداية مع أحد أكبر رجالات مدينة "القامشلي" "أنيس حنا مديوايه"، وعن تلك الأبنية يقول: «كان الطابق الأول مخصصاً للاستقبال، وكان يسمى "الإيوان" أو "الربعة"، وهي "المضافة" بالمعنى العام، فالضيف الذي كان يحضر إلى المدينة، حتى لو كان من القرية، يتوجه إلى الحي وإلى منزل أحد معارفه من ذلك الحي، وإلى الطابق الأرضي أو الأول تحديداً، ويحظى بدلة القهوة في غرفة الاستقبال، وضمن الطابق نفسه كانت هناك غرفة لتجهيز الطعام للضيوف، فالطابق الأرضي كان مخصصاً للأكل والشرب والنوم بالنسبة للضيوف، والطابق الثاني لأهل الدار، ولأن الحي كان شبيهاً وقريباً من حياة الريف، فكان كل منزل تقريباً يملك عدداً من الأنعام والطيور، وقسم من الطابق الأرضي كان خاصاً لتلك الأنعام، من خلال غرف مجهزة بطريقة معيّنة، وبهذه الطريقة والشاكلة من البناء كان الضيف ينال كامل الراحة في المنزل الذي استقبله».

يشهد التاريخ أن هذه البيوت كانت سبباً لبناء علاقات اجتماعية كثيرة، عمرها بعمر مدينة "القامشلي"، إضافة إلى أنها كانت بمنزلة الفندق المجاني للضيوف والزوّار، حتّى لمن يجهل معرفة صاحب المنزل، فالعودة إلى القرية مهما كانت قريبة كانت شاقة، لأن الدابة كانت وسيلة النقل حينها

ويضيف: «يشهد التاريخ أن هذه البيوت كانت سبباً لبناء علاقات اجتماعية كثيرة، عمرها بعمر مدينة "القامشلي"، إضافة إلى أنها كانت بمنزلة الفندق المجاني للضيوف والزوّار، حتّى لمن يجهل معرفة صاحب المنزل، فالعودة إلى القرية مهما كانت قريبة كانت شاقة، لأن الدابة كانت وسيلة النقل حينها».

بيوت قائمة حتى اليوم بهذه الشاكلة

وكان للحاج "حسين محمود عبد الله" حديث عن تلك الدور التراثيّة، فهو ممن عاشوا بين أحضانها، ولأكثر من مرّة، وعن تلك التجربة يقول: «بيوت مبنية من "اللبن"، وهذا النوع من أساس البناء قائم حتى تاريخنا في الريف، وقبل عشرات السنين، كانت لنا زيارة مع أخي ووالدي إلى المدينة بحكم العلاج، وتطلب منّا البقاء فيها لأكثر من يومين، وكانت تجمعنا علاقة اجتماعيّة مع أحد أبناء "حي البشيرية"، فكان الاجتماع بمنزله مع وجود عدد من الأشخاص الآخرين، وكل شخص من منطقة معيّنة، والأهم أن الطابق الأرضي يضم غرفاً كثيرة، والغرفة كبيرة جداً، وتستوعب عدداً كبيراً من الأشخاص سواء عند النوم أو الطعام، وحتّى يومنا هذا نسير بالحي المذكور، لإعادة شريط الذكريات».

ويبقى لمدوّني التاريخ وباحثيه، وقفات عند تلك العناوين، وهو ما بيّنه الباحث التاريخي "جوزيف آنطي" الذي أشار إلى أنه وقف مطولاً عند الحي المذكور، لأهميته وعراقته، ومما قال عنه: «هو ثاني حيّ أسس في مدينة "القامشلي" بعد حيّ "قدوربك" وولادته كانت ضمن زمن العشرينيات، والتميّز الذي حصده هذا الحي، طريقة بناء وتأسيس منازله لا مثيل لها على مستوى الجزيرة السورية، فالمنازل مبنية من الطين وبطابقين، وفكرة هذه البيوت، جاءت من مناطق الجبل التي قدم منها عشرات الأسر في الحقبة التي ذكرناها، لكن مع مرور الوقت وبسبب تقدم الحضارة والحياة وتحديداً في المدن، تغيّر شكل ودور الحي بنسبة كبيرة، وتأقلمت مع الحياة المدنية، وحوّلت دورها إلى بيوت من الإسمنت، ومع ذلك حافظت الكثير من الأسر على نوعية وأساس تلك البيوت، وعدّت ذلك جزءاً من الحضارة والتراث، وما رصدناه من منازل شاهد على ذلك، أمّا بخصوص الطابقين، وتوجه الأهالي لذلك، فكانت الضرورة تفرض عليهم ذلك، ولكل طابق مهمّة وواجب، فأحد الطوابق مخصص لاستقبال الضيوف وتقديم واجب الضيافة، وحسن الاستقبال».

أنيس مديوايه