كثيرة هي أبواب التسلية عند أطفال الرعيل الأول، فبعدهم عن وسائل الترفيه لم يمنعهم البتة من اختراع طرائق للتسلية، ولو كان عماد المكونات لا يتعدى بضعة أحجار.

مدونة وطن "eSyria" رجعت مع بعض الشباب الذين عاصروا هذه اللعبة وأمضوا معها أوقاتاً سعيدة، والتقت بتاريخ 9 شباط 2015، "أحمد سلمان الوكاع" من قرية "أم حجيرة الفوقانية"، فقال: «في القرية وأثناء طفولتنا لم تكن لدينا خيارات كثيرة للعب، فالعمل اليومي هو الواقع الذي يعيشه الأطفال، فقد كنت ورفاقي نخرج من الصباح الباكر لنرعى الأغنام، لكن طول اليوم وحاجتنا كأطفال إلى اللعب بشيءٍ ما؛ كانت تلح علينا لنكسر الرتابة اليومية التي نعيشها، فكنا نتفق أنا وأصدقائي لنخرج بالأغنام إلى مكانٍ معين، حيث نكون قريبين من بعضنا، وبعد مضي القليل من الوقت؛ وبالتحديد عندما يستقر انتشار قطعان الأغنام، نتجمع في مكانٍ واحد يمكّننا من الإشراف على الأغنام، ونبدأ جمع الأحجار، ولأننا نلعب في منطقة زراعية لم يكن يتوافر الحجر، فكنا نستبدله بحجارة من طين، ويطلق عليها اسم عامي هو "الفسل"، بعدها ننقسم إلى فريقين متساويين، يضم كل فريق بالحد الأدنى ثلاثة لاعبين، ويمكن أن يزداد العدد بازدياد المجموع العام».

نحن نلعب الكثير من الألعاب أمام منازلنا، ولعبة "السبع حجرات" تعلمناها من الأكبر منا في السن، وهي لعبة بسيطة ومسلية تعتمد على الجري والخفة؛ في محاولة للإفلات من الإصابة بالكرة والخروج من اللعبة، وأغلب الأحيان يتجمع أكثر أبناء الحارة للعب معنا، لكننا استبدلنا كرة الأقمشة بكرة القدم لأنها موجودة معنا دائماً، ولم يعد هناك حاجة إلى صناعة كرة من الثياب القديمة والبالية

يتابع: «نقوم بوضع الأحجار السبعة فوق بعضها بعضاً، ويقف الفريق الأول أمام الأحجار المرتبة، في حين يقف الفريق الثاني خلفها، ويقف شخص من الفريق الثاني أمام الحجارة كحارس، ويقوم شخص من الفريق الثاني بضرب الكرة على الحجارة، وهذه الكرة تكون مصنوعة من الجوارب القديمة، التي يتم حشوها بقطع من الملابس الرثة والبالية والأكياس وما شابه ذلك، وفي حال أصاب الرامي الهدف وسقطت الأحجار، يقوم الحارس بالتقاط الكرة وضرب الفريق الأول، فكل من تصيبه الكرة يخرج من اللعبة، أما إذا لم يصب أحد يقوم الفريق الواقف خلف الحجارة بالجري بالسرعة القصوى؛ لإعادة الكرة إلى الحارس، وفي هذه الأثناء يقوم أعضاء الفريق الأول بإعادة بناء الحجارة، وما أن تصل الكرة إلى الحارس يهرب أفراد الفريق لكيلا يصابوا بالكرة ويخرجوا من المنافسة، وفي حال عدم تمكنهم من بناء الحجارة وإصابة جميع الفريق، يخرجون ليقفوا خلف الحجارة، بينما يأخذ الفريق الثاني مكانهم».

أحمد سلمان الوكاع

يضيف: «على قدر بساطة هذه اللعبة كانت لذتها كبيرة جداً، لدرجة أننا نحنّ إليها حتى هذا الوقت، وقد كنا نصل إلى درجة من الاندماج تؤدي إلى اختلاط الأغنام بعضها مع بعض، حتى إننا لم نكن نلقي بالاً إلى أغنامنا منذ الصباح؛ وحتى نعود إلى منازلنا، فهذه اللعبة لم تكن تتطلب إلا رشاقة اللاعب، لأننا في أغلب الأحيان كنا نلعب حفاةً ولا يستر أجسادنا سوى ثوب واحد، وفي بعض الأحيان كنا نرجع إلى القرية لنعيد اللعبة، خصوصاً إذا كان أحد الفريقين قد فاز عدة مراتٍ أكثر من الآخر، أما اليوم فلم نعد نرى هذه اللعبة إلا بالحد الأدنى، ويرجع السبب إلى كثرة الخيارات المتاحة للأطفال، لذا ينبغي على الكبار أن يعلموها لأطفالهم إضافةً إلى ألعابٍ أخرى، من باب الحفاظ على التراث القديم للمنطقة».

من جهته قال "حيدر الحايك": «نحن نلعب الكثير من الألعاب أمام منازلنا، ولعبة "السبع حجرات" تعلمناها من الأكبر منا في السن، وهي لعبة بسيطة ومسلية تعتمد على الجري والخفة؛ في محاولة للإفلات من الإصابة بالكرة والخروج من اللعبة، وأغلب الأحيان يتجمع أكثر أبناء الحارة للعب معنا، لكننا استبدلنا كرة الأقمشة بكرة القدم لأنها موجودة معنا دائماً، ولم يعد هناك حاجة إلى صناعة كرة من الثياب القديمة والبالية».

رمي الكرة

وعنها يقول الباحث في مجال الموروث الشعبي "عايش حسين الكليب": «تعد هذه اللعبة من الموروث الشعبي القديم للمنطقة، حيث لا يمكن تحديد عمرها الزمني، فقد وجدنا الأجيال التي سبقتنا تلعبها كثيراً، وأكثر وقت يلعب فيه شباب القرية؛ قبل غروب الشمس بعد عودة الجميع من العمل، فهي مع بساطتها من حيث التكوين والقواعد، إلا أنها تضفي على حياة اللاعبين البسيطة فرحاً غامراً، ومن اللافت أنها ما زالت تُلعب حتى يومنا هذا، وهذا مؤشر جيد على توارث العادات والتقاليد مع إدخال بعض التعديلات البسيطة إليها، لأن أغلب تراث المنطقة ينقل بالمشافهة وليس بالتدوين».

اصطياد الفريق الخصم