اشتهر بفصاحة اللسان وعذوبة البيان، فإذا سُئِل أبان وأتى بالمعاني الحسان، عالمٌ ومهندسٌ ملأ الآفاق بفكره المنفتح، هو "أبو القاسم الأنطاكي" الذي ترك خلفه عدداً كبيراً من المؤلفات الباقية حتى اللحظة، ينهل منها العالم أجمع.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 17 كانون الثاني 2020 التقت الباحث "بشير حمو" والمختص بالتراث والشأن التاريخي ليحدثنا عن "أبو قاسم الانطاكي" فقال: «هو "أبو القاسم علي بن أحمد الأنطاكي"، الملقب بـ"المجتبى"، رياضي ومهندس، ومن أعلام مهندسي القرن الرابع للهجرة، ولد في "أنطاكية" وانتقل إلى "بغداد"، فاستوطنها حتى وفاته حوالي 376 هـ، وكان من أصحاب "عضد الدولة البويهي" والمقدمين عنه، وكان على نبوغه في الهندسة والعدد مشاركاً في علوم الأوائل.

حقق "عضد الدولة" إنجازات عظيمة نهضت بالدولة، وعلّت من شأنها، وبلغت الحضارة في عصره أوجها، وبالتالي كان يبحث عن النوابغ في كل شيء، ووجد ضالته على الصعيد العلمي عند "أبو القاسم الأنطاكي"، فقرّبه منه وأعطاه ما يريد، وأمّن له المناخ العلمي المناسب لما وجد عنده من نبوع ورفعة في علوم الهندسة والرياضيات

نبوغه الهندسي والعلمي لفت الانتباه إليه، وجعله قبلة للطلاب والمريدين ينهلون من علمه الغزير، فقد كان "المجتبى" ذا مكانةٍ وشأنٍ عظيمين عند علماء عصره، وقد أحبّه الأمراء والحكّام لسمو أخلاقه ورفعة علمه، واستطاع من خلال فهمه بالهندسة حلَّ أكبر القضايا الهندسية معتمداً على نبوغه بالعلوم الأخرى، وبعلم الرياضيات خاصة».

إسراء مطر

أما عن معنى لقبه "المجتبى" يقول "الحمو": «في قاموس المعاني تعني كلمة المجتبى: المصطفى، أو المختار، أما عن صفات "المجتبى" بشكل عام فهي الحكيم والرزين المسالم، والمحب للقراءة ويعدّ الكتاب صديقه، هادئ الأعصاب وليّن الطباع، لبق في الحديث، وبلا شك تلك صفات "أبو القاسم الأنطاكي" لذلك استحق اللقب بجدارة، إضافة إلى أنّه العالم في الحساب والرياضيات.

يوجد عند "الأنطاكي" عدةُ تفسيرات في أصول علم الرياضيات وفي علم الحساب خاصة، ومنها كتاب "تفسير الأرثماطيقي"، وله مؤلف في الحساب الهندي بعنوان "التخت الكبير بالحساب الهندي"، كما قام بشرح كتاب "إقليدس" في الرياضيات.

بشير حمو

وقد اهتم اهتماماً خاصاً بالحساب العملي، ولا سيّما الحساب الهوائي، وألّف فيه كتاب "الحساب بلا تخت بل باليد"، وهو كتاب يبحث في نوع من أنواع الحساب الهوائي ألا هو العقود.

إضافة إلى كتاب عام في علم الحساب وأنواعه وأصوله وقواعده بعنوان "الحساب"، كما ألّف كتاباً عن الموازين لدورها في تحقيق صحة العمليات الحسابية، بعنوان" الموازين العددية"، وقد تمّ ذكر أخبار "الأنطاكي" عند المؤرخ الكبير "القفطي"، وصاحب الفهرست "ابن النديم"».

وعن علاقته بـ"عضد الدولة البويهي" يقول "حمو": «حقق "عضد الدولة" إنجازات عظيمة نهضت بالدولة، وعلّت من شأنها، وبلغت الحضارة في عصره أوجها، وبالتالي كان يبحث عن النوابغ في كل شيء، ووجد ضالته على الصعيد العلمي عند "أبو القاسم الأنطاكي"، فقرّبه منه وأعطاه ما يريد، وأمّن له المناخ العلمي المناسب لما وجد عنده من نبوع ورفعة في علوم الهندسة والرياضيات».

أما عن أهم مؤلفاته فتابع "حمو" القول: «إضافة إلى "التخت الكبير في الحساب الهندي"، هناك كتاب "تفسير الأرثماطيقي"، و"شرح إقليدس"، وكتاب "في المكعبات"، و"الموازين العددية"، و"استخراج التراجم"، و"الحساب على التخت بلا محو"، وكذلك كتاب "الحساب".

والحقيقة أنه لم تذكر كتب التاريخ عن حياته الخاصة شيئاً، وكل ما وصل عنه أنه توفي في "بغداد"، ودفن فيها عام 376 للهجرة».

"إسراء مطر" خريجة كلية الآداب قسم التاريخ، والمهتمة بالتاريخ السوري، تقول عنه: «يعتبر "الأنطاكي" عالماً كبيراً في علوم الهندسة والرياضيات، ولا تزال كتبه مراجع للجامعات في كل دول العالم ولا سيّما في الحساب والرياضيات وكتابه الموازين العددية الذي تتأكد من خلاله من دقة الحساب وصحة الجواب. وهو مفخرة للعرب عامةً والسوريين خاصةً، وأبحاثه الباقية تتحدث عن عظمته وما قدمه للبشرية من علوم معقدة لا يغوص فيها إلا العباقرة».