يعدّه الكثيرون إمام عصره في الطب والفلسفة والعلوم الطبيعية، شخصية سورية وموسوعة في الأدب والعلوم والترجمة والممارسة العلمية والعملية في حقول الطب والصيدلة والكيمياء، نشأ في عصر الخليفة "عمر بن عبد العزيز"، واشتهر بتقديم "أرسطو" إلى العالم.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 آذار 2016، التقت الباحث التاريخي "صلوح اليوسف"؛ الذي تحدث عن مكان وولادة "سرجيس الرأس عيني" وأهم ما أنجز بالقول: «ولد في مدينة "رأس العين" الواقعة على ضفاف "نهر الخابور" في الشمال الشرقي من "سورية"، وعاش في الفترة ما بين القرنين الخامس والسادس الميلادي، والقرون الثلاثة التي تلت غيابه تلفحت بما أنجزه في حقول الكتابة الأدبية والترجمة والطب، تلقى تعليمه الأساسي في موطنه "رأس العين"، ثم سافر إلى "الإسكندرية" عاصمة العلوم في ذلك الوقت برحلة اطلاعية، تلقى فيها علوم الطب والفلسفة على يد أشهر العلماء آنذاك "يوحنا فيلونوس". وهو أول من ساهم في نقل الثقافة من اليونانية إلى السريانية لدى السريان الغربيين، وقد تبحّر باللسانين ودرس الفلسفتين "الأرسطاطالية" و"الأفلاطونية" الجديدة في "الإسكندرية"، كما أصبح قسيساً سريانياً أرثوذكسياً في مسقط رأسه، وتقلب في المذهب الديني، وقد وصفه المؤرخ "زكريا المدللي" الذي عاصره بأنه رجل بليغ فصيح واسع الاطلاع والتبحر، وقد عيّن رئيساً للأطباء في مدينته آنذاك».

كان "سرجيس" طبيباً في زمن "عمر بن عبد العزيز"، وترجم له كتاب "أهرن القس في الطب"، وله تصانيف منها كتاب "قوى الأطعمة منافعها ومضارها"، وكتاب "قوى العقاقير ومضارها"

ويضيف: «شهد الفضاء التأليفي الواسع لدى الفيلسوف "سرجيس الرأس عيني" عظيم موهبته وتنوع اهتمامه، فهو تلميذ نجيب للفيلسوف "أرسطو"، كما جذبته تعاليم "ديونيسسيوس الأريوفاغي" في مسألة وحدة الوجود، يملك عقلاً فلسفياً شمولياً، وفي الوقت نفسه كان طبيباً لامعاً وكاتباً موهوباً ومترجماً أميناً وعالماً بالفلك والكيمياء، تأثر بالعالم الطبيب "جالينوس"، وترجم جلّ أعماله، كما ترجم العديد من مؤلفات "أرسطو"، وإن أصبح "أرسطو" مقروءاً ومعروفاً لدى "السريان" و"العرب"، فالفضل الكبير يعود إلى "سرجيس الرأس عيني"، فقد برع في الترجمة والأمانة العلمية كانت واضحة لديه، وذلك باعتراف من عاصره من علماء ومترجمين وأطباء وتلاميذ. والجدير بالذكر، أن أكثر الكتب المترجمة من اليونانية إلى العربية، لم تترجم من اليونانية مباشرة، بل من اللغة السريانية التي كان "سرجيس" له باع طويل فيها، أما تراجمه في الطب فقد ترجم كتباً طبية تتعلق بكافة الأمراض، وأهمها: "العظام"، و"العضلات"، و"الأعصاب"، والكثير من الكتب الأخرى التي تتعلق بالمعالجة والأمراض الداخلية والحمى والعيون والأدوية، وغيرها».

نوري العباس

وعن مؤلفاته يقول: «كان لمؤلفاته دور كبير في تحديد مصير الكتابات السريانية، كما كانت مؤلفاته موادّ دراسية مقررة في المدارس العالية مثل: "أكاديمية أثينا"، و"أكاديمية الإسكندرية"، و"أكاديمية أنطاكية"، و"أكاديمية القسطنطينية"، ومن أهمها مقالات أصلية في المنطق بسبعة أجزاء، ومقالة دينية في السلب والإيجاب، وفي أسباب الخليقة وفقاً لتعليم الرسل، وفي الأجناس والأنواع والأفراد بحسب مبادئ "أرسطو"، وكتاب "في غاية أرسطاطاليس بأسرها"، كما نقل من اليونانية إلى السريانية "إيساغوجي برفيريوس الصوري"، و"مقولات أرسطو وكون العالم"، ومقالته "في النفس خمسة فصول"، وبعض مؤلفات "جالينوس"، وكتاب "ديونيسيوس الأريوباغي"».

كما يؤكد الدكتور "نوري مصطفى العباس" المؤرخ والباحث التاريخي أن "سرجيس الرأس عيني" ورد ذكره في كتاب "أحمد أمين" الشهير "فجر الإسلام"؛ وذلك على لسان "القفطي المصري"، وقال: «كان "سرجيس" طبيباً في زمن "عمر بن عبد العزيز"، وترجم له كتاب "أهرن القس في الطب"، وله تصانيف منها كتاب "قوى الأطعمة منافعها ومضارها"، وكتاب "قوى العقاقير ومضارها"».

كتاب ثقافة السريان في القرون الوسطى

من جانبها الكاتبة الروسية "نينا بيغو ليفسكايا" مؤلفة كتاب "ثقافة السريان في القرون الوسطى"؛ الذي ترجمه الدكتور "خلف الجراد"، تقول: «كان "سرجيس الرأس عيني" أحد رواد عصره الذين جمعوا في شخصياتهم تعددية وشمولية المعارف والأساس العلمي النظري المتين مع النشاط العلمي الفعال في مجتمعهم، فكان طبيباً ماهراً وفي الوقت نفسه كاتباً مستقل الآراء والتأليف، وهو من أول مترجمي "أرسطو" و"جالينوس"، ولهذا فقد حظي بشهرة واسعة ومكانة مرموقة لمدة طويلة في العلوم الوسيطة في منطقة الشرق الأدنى».

صلوح اليوسف