أجمع عليه الباحثون وكبار السن والعارفون؛ أنه من أشجع الفرسان وأكرم الرجال، فقد ذاعت شهرته حتى عرفه القاصي والداني، قبل أن تميل به الحال ويلم به المرض.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 كانون الثاني 2015، الشاعر "إسماعيل الحصن" الذي تحدث عن "عبد الله الفاضل" شيخ عشيرة "الحسنة"، ويقول: «من الشخصيات المعروفة في الوسط الاجتماعي في المنطقة، إذ إنه لهذا الحين تذكر الخصال الحميدة له، على الرغم من أن وقت اشتهار هذا الفارس كان بعيداً عنا، لكن من صفات العرب أنهم لا ينسون الشخصيات التي تحمل مثل هذه الصفات، فشعره وإن ضاع منه الكثير ما زال متداولاً، ويقال إن كل بيت من الشعر افتتح بـ"هلي"؛ هو له، وأذكر أنه تم صناعة مسلسل بدوي كامل عن شخصيته، وقد حمل فيها البطل اسم "ساري"، وهذا إنما يدل على أن هذه الشخصية موجودة وغير مُختلقة، لكن يجدر القول إن كل ما قيل عنه نقل بالمشافهة، أي إن أحداً لم يدون عن حياته أو وفاته شيئاً».

من الشخصيات المعروفة في الوسط الاجتماعي في المنطقة، إذ إنه لهذا الحين تذكر الخصال الحميدة له، على الرغم من أن وقت اشتهار هذا الفارس كان بعيداً عنا، لكن من صفات العرب أنهم لا ينسون الشخصيات التي تحمل مثل هذه الصفات، فشعره وإن ضاع منه الكثير ما زال متداولاً، ويقال إن كل بيت من الشعر افتتح بـ"هلي"؛ هو له، وأذكر أنه تم صناعة مسلسل بدوي كامل عن شخصيته، وقد حمل فيها البطل اسم "ساري"، وهذا إنما يدل على أن هذه الشخصية موجودة وغير مُختلقة، لكن يجدر القول إن كل ما قيل عنه نقل بالمشافهة، أي إن أحداً لم يدون عن حياته أو وفاته شيئاً

أما الباحث "أحمد الشوحان" في كتابه "ديوان العتابا" جاء فيه: «لا يعرف أحد بالتحديد متى ولد "عبد الله الفاضل" ولا متى توفي، لكن المعمرين من أهالي "دير الزور" يقولون إنه كان منذ حوالي 200 سنة، ويقال إنه ولد في منطقة "العلا" بين "تدمر" من الشرق و"حمص وحماة" من الغرب، وهذه المنطقة تقطنها عشيرة "الحسنة" العنزية، نسبةً إلى قبيلة "عنزة" البدوية الكبيرة، كان والده "فاضل" يجمع صفات الكمال التي يمتاز بها البدوي، لكن صيته لم يبلغ ما بلغه صيت ولده، وربما كان "فاضل" جده واشتهر به "عبد الله"، الذي يعدّ من خيار عشيرته فهو شيخها وابن شيخها وكان رجلاً كريماً مضيافاً، وذكر أنه كان يحفر خندقاً لإطعام الضيوف، وكان شاعراً فريداً في وصف أهله وقبيلته».

إسماعيل الحصن

يضيف: «ويبدو أن شاعريته لم تكن تدوَّن لأنهم لم يكونوا يقرؤون أو يكتبون، لذلك ضاع الكثير من شعره ولم يبق منه إلا النزر اليسير؛ بسبب موت من كانوا يتناقلونه ويطربون به المجالس، وأصبح "الفاضل" فيما بعد قمة الشعراء المعتبين، وقد سار الكثيرون من الشعراء على أثره لذا أصبح من الصعب فصل شعره عما هو دخيل، وكان يحمي الذمار ويكرم الضيوف والغرباء إذا قدموا إليه بحاجة أو من دونها ولا يرد سائلاً قط، تلك الصفات النبيلة رآها الدارسون والباحثون فوق صفات البدو؛ لأنهم لم يخالطوهم أو يعاشروهم فقالوا إنها مصنوعة، ورأى "عبد القادر عياش" أن جميع ما نسب إلى "عبد الله" هو من صنع الشعراء حتى إنه ذهب إلى أن قصته مختلقة بالكامل».

يتابع: «كان "عبد الله" في زهرة شبابه وقت حط مرض الجدري رحاله في المنطقة، فمات وتشوه كثيرون من الناس ونجا الباقون، وقد انتشرت عادة بين البدو أن يغادروا المنطقة التي تصاب، وأصيب شيخهم بالمرض وانتشر في سائر جسمه، وبقيت عيناه سليمتين ثم فاحت منه رائحة نتنة فضاق به أهله ذرعاً، فاجتمع وجهاء القبيلة وقرروا مغادرة "العلا" وترك شيخهم، كما ذكر أن ولده وإحدى زوجاته قد ماتا بالمرض، ثم بدؤوا يقتلعون الخيام إيذاناً بالرحيل، ونحروا جزوراً أمام خيمته وتركوا فيها شيئاً من الماء والطعام، وربطوا أمامها كلبه "شير" ليأكل من اللحم ويحمي صاحبه من الوحوش الضارية، ولم يبقَ سواه في المضارب فأخذ يتذكر أيام مجده ويتطلّع إلى كلبه، فأنشد يقول:

"هَلَك شالوا علامك حول يا شير... وخلولك عظام الجزر يا شير

يلو تبچي بـــكل الدمع يا شير... هلك شالوا على حمص وحماة".

ثم مر به جماعة من عابري السبيل من "الصْلَبْةَ"، وهم من بقايا الصليبيين الذين اختلطوا بالبدو فاستعربوا، فنزلت عجوز إلى الخيمة وأشفقت على الرجل المريض، وطلبت من أهلها أن تبقى عنده حتى يشفى من مرضه أو يموت، فكانت تسهر على راحته دون أن تعرف من هو، ولا هو أخبرها عن حقيقته، حتى لا ينال من عشيرته بالطعن، فكتب الله له الشفاء ومنح العجوز كل ما تركوه أهله، وقرر ألا يتوجه إلى مضارب أهله، وكان وقتها قد ذاع صيت رجل كردي بالكرم يدعى "تيمور باشا" زعيم عشيرة "الملّي" التي تجمع قبائل عربية وكردية في آنٍ معاً، وكان يقيم في قرية "ويران شهر"؛ غربي مدينة "رأس العين" في "الحسكة"، التي كانت تتبع آنذاك لمحافظة "دير الزور"، وأخبره أنه خبير بصنع القهوة وأنه سيخدم الضيوف، وكان "تيمور" يظن أن خادمه الجديد كبقية خدمة لا يتميز عنهم إلا بالخبرة، وكان الشعراء يتوافدون إلى مضافته بكثرة ويمدحونه، إلا أنه كشف ماهية خادمه بعد أن سمعه يقول شعراً تطرب له الآذان، فأيقظ ضيفه الشاعر "واوي العجل الخابوري"، الذي شك بدوره أن يكون هذا الرجل خادماً، فألح عليه لمعرفة من هو فاعترف بأنه شيخ عشيرة "الحسنة"، ولم يصدقه "تيمور" فكبله بالسلاسل وأرسل فارسين للتحقق منه، ولما عرف صدقه اعتذر منه وعرض عليه العطايا فرفض».

ويوضح "الشوحان" أن عودته قيل عنها روايتان؛ تقول الأولى: «إنه طلب من "تيمور باشا" أن يفتتح له محلاً تجارياً في "حماة" ففعل، وراح يبيع فيه حوائج البدو، ولأن الفراسة سمة البدو لم يقتنع كل من ابتاع منه شيئاً أنه مجرد بائع، ووفد إليه عدد من رجال "الحسنة" فعرفوه لكنه أنكر، فوصل الخبر إلى أهله فاقترح أحد أذكياء القبيلة أن يمر الرجال والشيوخ والنساء من أمامه، ويركب الفرسان الخيل ويتبارزون بالسيف، فإذا كان هو فإنه سيحن إلى ماضيه، ويعود مع القبيلة، وفعلاً تم تنفيذ الفكرة ومر الفرسان والأطفال والشيوخ، وتحركت مشاعره لكنه لم ينهض، ومَّرت زوجته "ثرية" صاحبة الضفائر من أمام محله وهي تركب الهودج فقال فيها:

"هلا بثري والدنيا مسچ بيـــــه.. عطر يا ريحة خدودچ مسچ بيه

عجاج الظعن* عنبر والمسچ بيه.. أخير من الگرايا** الموخما".

ثم مرت زوجته الثانية "ليلى" وهي تخفي وجهها بالنقاب، فأراد أن يقوم ثم تذكر جفاء أهله، فأنشد يقول:

"عجب ليلى مخفيا الوجنة بس العين.. وصف مالچ مع الجازي بس العين

أنا مـــن هواهــــــا مطعون واعين.. ولا لگمـان*** واصف لـــــــي دوا".

ومع هذا كله لم يقم إليهم "عبد الله" فأرادوا أن يستثيروا حميته، فصرخ الناس جميعاً أن حريقاً شب في قبيلته، وهنا قام إلى فرسه وامتطاها لكنه اكتشف أنها حيلة، فأراد أن يرجع فلم يسمحوا له وأخذوه إلى القبيلة».

أما الرواية الثانية فتقول: «إن "عبد الله" طلب من "تيمور باشا" أن يذهب إلى أهله، فأرسل معه خيمة وخادماً وخادمة وكثير من الإبل، فجاء ونزل بالقرب من قبيلته، فذهب الناس يسألون عن النازل؛ فقال لهم الخادم إنه شاعر، لم يصدقوا ما قاله فدعوه إلى مضافة الشيخ، فلما ذهب طلبوا منه أن يسمعهم شعراً، فراح يتفاخر بنفسه قائلاً:

"ملاح البيض ما جابن عگبنا.. وجنوب الخيل چلت من عگبنا

لفاك البين يـــا فاضل عگبنا.. عجب تنخوننا وحنـــــــا غياب".

فعرفه أهله لكنهم لم يصرحوا إلى أن جاءت أخته، فعرفته من ملامحه وكانت تحفظ له بيتين من الشعر؛ يرثي بهما ولده وزوجته اللذين ماتا بالجدري، فطلبت من أحد الشعراء أن يقولهما لأخيها، فلما سمعهما أجهش بالبكاء فعرفه الجميع، واعتذروا عما ما بدر منهم تجاهه، فراح ينحر من إبله كما راحوا يتسابقون بنحر الإبل، فرحاً بعودة فارسهم وشيخ عشيرتهم».

  • الظعن: وهو المنازل وما تحتويها يوم الرحيل.
  • ** الگرايا: مفردها چرية -لفظة باللهجة العامية- وهي القرية.

    *** لگمان: هو نبي الله لقمان الحكيم.