شاعرة "جزيرية" عاشت مقيدة بمحدودية دورة المرأة في مباراة الرجال، برزت في الشعر فتمكنت من تخليد ذكراها ببضعة أبيات وصلت رغم التوثيق الضعيف، فكانت رمزاً للتمرد على النهج المحافظ.

مدونة وطن "eSyria" بحثت في الذاكرة الجمعية لمثقفي محافظة "الحسكة" لتسلط الضوء على الشاعرة "الفارعة الشيبانية" التي شربت من مياه نهر "الخابور"، والتقت الباحث والأديب "صالح العلي" بتاريخ 8 تموز 2014 ليتحدث عنها ويقول: «قد لا تقاس شاعرية شاعرٍ ما بالكم التراكمي الذي يتركه خلفه، وهذا ما نعتقده في حياة "الفارعة" الأدبية، إذ لم تخلف هذه الشاعرة إرثاً شعرياً ضخماً، إلا أن ما تم توارثه عنها يلفت الانتباه للاعتقاد بأن أكثر شعرها قد ذرته رياح النسيان وسفته عواصف الإهمال لأسباب كثيرة، أهمها بعدها عن مركز الحضارة وتسليط الأضواء على الأدباء الذكور فقط، كما أنها لم تكن هجّاءة ولا مدّاحة ولا حتى من مرتادي بلاط الملوك، وربما ساهم العرف القبلي في إبعادها عن دائرة الضوء، وهذا الأمر يمكن أن يستدل عليه المتابع من موقف "يزيد بن مزيد الشيباني"، حين ضرب فرسها بالرمح وقال لها: "اغربي فقد فضحت العشيرة"، الأمر الذي يقودنا إلى أن عرف العشيرة لم يكن يسمح آنذاك بظهور شاعرة مقاتلة مثل "الفارعة"».

أما أهم الأسباب التي ساهمت في اندثار شعرها؛ هو قيام أخيها "الوليد بن طريف" على الخليفة "هارون الرشيد"، ما أثار حفيظة المؤرخين في ذلك الزمان فامتنعوا عن تدوين شعرها الذي رثت به "الوليد"، كما انصب جام غضبهم عليها، وبالتالي أُهملت أشعار "الفارعة" جملةً وتفصيلاً، إلا أن جودة نظمها وبلاغة شعرها وجزالة مفرداتها، ساهمت في نقل بعضٍ من أشعارها إلى يومنا هذا، وعلى رأسها القصيدة التي رثت بها "الوليد"

ويتابع: «أما أهم الأسباب التي ساهمت في اندثار شعرها؛ هو قيام أخيها "الوليد بن طريف" على الخليفة "هارون الرشيد"، ما أثار حفيظة المؤرخين في ذلك الزمان فامتنعوا عن تدوين شعرها الذي رثت به "الوليد"، كما انصب جام غضبهم عليها، وبالتالي أُهملت أشعار "الفارعة" جملةً وتفصيلاً، إلا أن جودة نظمها وبلاغة شعرها وجزالة مفرداتها، ساهمت في نقل بعضٍ من أشعارها إلى يومنا هذا، وعلى رأسها القصيدة التي رثت بها "الوليد"».

صالح العلي

ويضيف: «"الفارعة" هي بنت طريف بن الصلت الشيباني"، وقيل هي "فاطمة" وقيل "ليلى"، وكانت تجيد الشعر وتسلك سبيل "الخنساء" في مراثيها لأخيها، وقد رثت "الفارعة" أخاها "الوليد" بقصيدةٍ أجادت فيها وهي قليلة الوجود، ولا يوجد في مجاميع كتب الأدب إلا نتف منها، حتى إن "أبا علي الغالي" في أماليه لم يذكر سوى أربعة أبيات، مشيراً إلى أن أخاها "الوليد بن طريف" كان رأس الخوارج ويقيم في "نصيبين" و"الخابور"، ويحكى أن "الوليد" خرج على خلافة "الرشيد"، فأرسل إليه جيشاً كبيراً فلقيه "الوليد" فظهر عليه فقتله، وكان ذلك عام 199 للهجرة، ولمّا سمعت "الفارعة" بمصرع أخيها لبست عدة الحرب، وحملت على جيش "يزيد بن مزيد"، لكنه ضرب فرسها بالرمح وقال لها: "اغربي فقد فضحت العشيرة"، فاستحيت وانصرفت وأنشدت:

"تبلِّ نهاكى رسم قبر كأنه... على حبل فوق الجبال منيفِ

مكان سكن الفارعة

تضمن مجداً عدلمياً وسؤدداً... وهمّة مقدام ورأي حصيفِ

فيا شجر "الخابور" مالك مورقاً... كأنك لم تحزن على ابن طريفِ

فتىً لا يحب الزاد إلا من التقى... ولا المال إلا من قنا وسيوفِ

ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم... وكل رقيق الشفرتين حليفِ

كأنك لم تشهد هناك ولم تقم... مقاماً على الأعداء غير خفيفِ

ولم تستسلم يوماً لِوْرد كريهة... من السرد في خضراء ذات رفيف

ولم تسعَ يوم الحرب والحرب لاقح... وسمر القنا ينكزنها بأنوفِ

حليف الندى ما عاش يرضى به الندى... فإن مات لا يرضى الندى بحليفِ

فقدناك فقدان الشباب وليتنا... فديناك من ساداتنا بألوفِ

وما زال حتى أزهق الموت نفسه... شجىً لعدوٍّ أو نجا لضعيفِ

ألا يا لقومي للحِمام وللبلى... وللأرض همت بعده برجوفِ

ألا يا لقومي للنوائب والردى... ودهرٍ ملحٍّ بالكرام عفيفِ

وللبدر بين الكواكب إذ هوى... وللشمس لمّا أرفعت بكسوفِ

ولليث كل الليث إذ يحملونه... إلى حفرة ملحودة وسقيفِ

ألا قاتل الله الحشا حيث أضمرت... فتىً كان للمعروف غير عيوفِ

فإن يكُ أرداه يزيد بن مزيد... فربَّ زحوفٍ لفّها بزحوفِ

عليه سلام الله وقفاً فإنني... أرى الموت وقاعاً بكلِ شريفِ".

ومن رثاء الشاعرة بأخيها:

"ذكرت الوليد وأيامه... إذ الأرض من شخصه بلقعُ

فأقبلت أطلبه في السماء... كما ينبغي أنفسه الأجدع

أضاعك قومك فليطلبوا... إفادة مثل الذي ضيَّعوا

لو أن السيوف التي حدَّها... يصيب يصيبك تعلم ما تصنعُ

نبت عنك إذ جعلتك هيبةً... وخوفاً لصولك لا تقطع".

ولها أيضاً:

يا بني وائل لقد فجعتكم... من يزيد سيوفه بالوليد

لو سيوفٌ سوى سيوف يزيد... قاتله لاقت خلاف السعود

وائل بعضها يقتل بعضاً... لا يفلَّ الحديدَ غير الحديد".

بدوره معاون مدير الثقافة "عبد الرحمن السيد" في "الحسكة" يقول: «"الفارعة" شاعرة حققت ذاتها وحضورها من خلال ما قالته، فهي لا تقل شأناً عن الشاعرات العربيات الأصيلات، لكن الظروف التي كانت تعيشها منعتها من الانتشار إلى الحد الذي تستحقه، وهي في الواقع من الأسماء الكبيرة التي وضعت بصمتها من خلال النزر اليسير من القصائد التي وصلت ليومنا هذا، إلا أن أهم ما أريد أن أقوله هو أن أبناء المحافظة من غير المثقفين وربما عدد من المثقفين لم يسمعوا باسم هذه الشاعرة، ولولا تسمية إحدى المدارس الإعدادية باسمها لما عرفها الأغلبية، وهذا كله مرده إلى ضعف التوثيق والتدوين».