اسم فيه الكثير من الخصال الطيبة، تحفظه الصفحات وتدوّنه ذاكرة من عاش معه، فتناقلت تلك السيرة المثالية أجيال وأجيال ليبقى حتى الآن على ألسنة أهل المنطقة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 13 كانون الثاني 2014؛ التقت السيّد "حسين الحميّد" الذي تحدث عن صفحة من صفحات أحد رجال الجزيرة السورية، وشيخ من شيوخ عشيرة الجوّالة وهو المرحوم "دهيّم الحميّد"، فقال: «أنا قريب من سيرته جداً، فقد وجدت بعضاً منها، وأعيش مع بعضها الآخر بشكل يومي؛ لأنه جدي، وأبناء المنطقة كلهم وخاصة من عاصر جيله يسردون عنه، فهو من مواليد البادية السورية لعام 1900، وكان من الأتقياء ومن المحبين للخير والسلام والمحبة ونثر الوئام، وكان شيخ عشيرة الجوّالة، فأخذ عن والده جميع تلك الخصال، والمشيخة أيضاً، وكانت ربعته ملتقى لكل ألوان المنطقة بشكل يومي؛ حيث العشرات يتوافدون إليه لمطلب أو دخالة أو لصلح، والعديد من الزيارات كانت بهدف الجلوس معه والتمتع بسيرته ومشواره الرائع في الحياة، وقدّم لنا أحلى علاقة اجتماعية بين عائلتنا وإحدى أسر الطائفة السريانيّة في "القامشلي"».

سيرته نقية ومشرفة، لديه الكثير والكثير من الخصال الطيبة، كان من الزعماء الذين لا يتناولون الطعام إلا في البرية مع رعاة الغنم، وهذه مشهودة له ويحكى عنها حتّى اليوم، ولم يكن يسمح بإنزال الطعام إلا مع حضورهم، وكثيرة هي المرّات التي توجه إليه العمال يشتكون من رجال لم يدفعوا لهم أجرة العمل، فكان يقدم لهم الطعام ويدفع لهم كامل حقوقهم المالية، وبعض العمال تحدثوا عن ذلك وهم في "تركيا" لأنهم كانوا عمّالاً من الأتراك، ودفع مرات كثيرة من كامل وقته وراحته وأمواله لينشد صلحاً ما

ويتابع: «من أشهر القصص عنه: أنه وجد في البرية طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها بضعة أيّام، فأخذها إلى منزله وقام بتربيتها التربية المتميّزة وأطلق عليها اسم "مريم" وأعلنها شقيقة له أمام الجميع، وظلت في منزله لمدة 17 عاماً، إلى أن جاءت عائلة من "القامشلي" وقدموا كل ما يبرهن أنها ابنتهم، وبدموع الفرح والحزن ودعها جدي وأفراد أسرته وتعاهدوا لتبقى "مريم" شقيقة له، وحتّى اليوم تجمعنا زيارات وعلاقات اجتماعية أخوية بناها جدي وحافظنا عليها. وهناك قصة أخرى: فقد كان هناك شاب يدعى "علي" جاء عند المرحوم ليكون راعياً وبالفعل ظلّ حتّى اليوم كأحد أفراد الأسرة، وليس كراعٍ، بعد أن طلب من المرحوم أن يبقى معنا، وبذلك استطاع المرحوم "دهيم" بناء علاقة طيبة مع عائلة "علي" الكردية؛ حيث حسن المعاشرة والمعاملة».

السيد صالح المحمود

وتابع: «كان عاشقاً لتربية الأنعام ويهوى الأرض والزراعة، وركوب الخيل والصيد، وكان حريصاً جداً على الرعاة الذين يعملون عنده، ومنذ شبابه كان مرافقاً لوالده لنشر الوئام والصلح بين المتنازعين، وأي خلاف بين عشيرة الجوّالة كان أوّل المبادرين للصلح فيها، والجميع كانوا يحترمون جاهه وقدره، وبعد أن ينجز الصلح يقوم بذبح "الذبايح" في ربعته.

وحتّى خارج حدود قريته وعشيرته كان مواظباً على السعي إلى إعادة المتخاصمين إلى جو المحبة والسلام، ولم يبخل في التعاون بين باقي رؤساء العشائر في سبيل نشر رسالته الخيّرة، والأهم أنه كان على رأس شباب قريته عندما توجهوا إلى قرية "بياندور" التي تبعد عن "القامشلي" 12كم، لطرد ومحاربة الكتيبة الفرنسية زمن الاحتلال، وبقي ثلاثة أيام بلياليها في حصار للقرية والكتيبة متحدياً الجوع والعطش وأجواء الطقس، وبعد معركة دونها التاريخ كان الانتصار حليفهم بعد تعاون مع مجموعة من عشائر المنطقة، وبتنسيق كامل من وجهائها، ومن ثم كان قرار جدي مع الشباب الذين معه للتوجه نحو بلدة "القحطانية" للالتقاء بقائد الكتيبة الفرنسي والعناصر الذين معه القادمين من منطقة "المالكية"، وبالفعل نفذت الخطة بنجاح وكانت رصاصة جدي مع الرصاصات التي مزقت جسد "روغان" الظالم ومن معه».

السيد "صالح المحمود" أحد وجهاء عشيرة العبّاسيين تحدث عن المرحوم "دهيّم" قائلاً: «سيرته نقية ومشرفة، لديه الكثير والكثير من الخصال الطيبة، كان من الزعماء الذين لا يتناولون الطعام إلا في البرية مع رعاة الغنم، وهذه مشهودة له ويحكى عنها حتّى اليوم، ولم يكن يسمح بإنزال الطعام إلا مع حضورهم، وكثيرة هي المرّات التي توجه إليه العمال يشتكون من رجال لم يدفعوا لهم أجرة العمل، فكان يقدم لهم الطعام ويدفع لهم كامل حقوقهم المالية، وبعض العمال تحدثوا عن ذلك وهم في "تركيا" لأنهم كانوا عمّالاً من الأتراك، ودفع مرات كثيرة من كامل وقته وراحته وأمواله لينشد صلحاً ما».