أديبٌ أبهر الإغريق بطلاوة حديثه ولسانه ومؤلفاته، وصلت شهرته كل بقاع الأرض كفيلسوف ومفكر وروائي، أصوله السورية أثرت مخيلته وسبكت مقاله، فأصبح "بامليخوس" السوري الروائي والفيلسوف الكبير.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 6 كانون الثاني2020 التقت الباحث "أيهم حمدوش" ليحدثنا عن "يامبليخوس" السوري فقال: «"يامبليخوس "ويُعرف أيضاً بإسم "يامبليخوس الخلقدوني أو الخلقيسي" هو أديب إغريقي من أصل سوري عاش في ذروة العصر الإمبراطوري الروماني الذي شهد فيه الشرق الهلنستي ـ وخاصة "سورية"ـ نهضةً علميةً وفكرية وأدبية كبيرة، اشتهر بروايته الموسومة "حكايات بابلية"، ويعد من أقدم كتاب القصة الإغريقية ويحمل اسمه طابعاً عربياً خالصاً ـ على الرغم من شكله الإغريقي ـ وهو من الأسماء المعروفة في "سورية" في العصر الروماني، وهو من أعلام الأفلاطونية المحدثة، ويرد بكثرة في نقوش صفوية وعربية، لا يعرف كثير عن حياة هذا الأديب إلا ما أورده في ثنايا روايته الشهيرة.

جمع "يامبليخوس" في فلسفته بين أفكار "أفلاطون وفيثاغورث" أما أفكاره الباطنية والسحرية فاستمدها من منبته السوري وحضارة "الرافدين" وللأسف تعليقاته حول "أرسطو" و"أفلاطون" قد اختفت كما أنه ألف كتاباً حول العقائد المصرية الباطنية

ولد "يامبليخوس" نحو عام 125م وكتب روايته بعد عام 165، قام بتربيته مثقف بابلي كان في وطنه من الكَتَبة الملكيين وأُسر على ما يبدو في حروب الإمبراطور "ترايان" ضد" الفرثيين في "بلاد الرافدين" عام 116ـ117م، وتلقى عنه لغة بابل وثقافتها وحكاياتها. كانت لغته الأم الآرامية من دون شك، لكنه تعلم اللغة الإغريقية وأجادها حتى صار أستاذاً في البلاغة، ويبدو أنه عاش قسطاً من حياته يعمل كاتباً في بلاط الملك "سوأيموس" الذي نصبه الرومان على عرش "أرمينيا" عام 164».

أيهم حمدوش

يقدم "يامبليخوس" نفسه في روايته على أنه ساحر بابلي بثقافة هلينية، وعن روايته يقول "الحمدوش": «لم يبق من رواية "يامْبليخوس" المفقودة "حكايات بابلية" إلا ملخص من القرن التاسع، أورده العالم البيزنطي "فوتيوس" ت(820ـ893) في مجموعته المسماة "المكتبة" التي عرَّف فيها بمئات الأدباء والمؤلفات التي ضاع كثير منها، وكذلك بعض الاستشهادات والشذرات التي جاءت في قاموس "سويداس" من القرن العاشر أمثلة على الأسلوب الأدبي الرفيع. وقد اختلفت المصادر القديمة حول حجم الرواية، فهي تتألف حسب "فوتيوس" من 16 كتاباً، في حين وصلت في قاموس "سويداس" إلى 35 أو 39 كتاباً، وبذلك فهي من أضخم القصص القديمة المعروفة.

تدور أحداث الرواية حول مغامرات الزوج البابلي "رودانِس" وحبيبته "سينونيس" وأقدارهما، وفرارهما من الملك المستبد "غرموس"، الذي أغرم "بسينونيس" وبدأ يلاحقها ويطاردها بوساطة وزيره الشخصي "داماس" وأتباعه الآخرين، وتتشابك الأحداث بسبب غيرة "سينونيس" الشديدة من ابنة فلاح جميلة ـ التجأ العروسان في فرارهما إلى بيت أبيها ـ إلى حد أنها همت بقتلها، وتدفع بها غيرتها الجامحة إلى قبول الزواج من ملك سوري شاب، وذلك انتقاماً من زوجها "رودانس" لتقبيله ابنة الفلاح. ويقع "رودانس" في يد الملك "غرموس" الذي أمر بصلبه ثم ما لبث أن سرَّحه ليسترجع عروسه من منافسهما الملك السوري. ويلتقي "رودانس" في إحدى الجزر الفراتية كاهن الآلهة "أفروديت" "عشتار" وزوجته وتحصل ملابسات كثيرة بسبب شبهه بابنيهما التوءم: "الفرات ودجلة" وشبه "سينونيس" بابنتهما "ميسوبو تامبا" ويتخلل الأحداث محاولات الزوجين الانتحار بطرق مختلفة، كما تذخر الرواية بالمبالغات والمشاهد الوحشية البربرية من عمليات صلب وتعذيب وإعدام وأكل لحوم البشر».

أما عن أبطال روايته فيقول "الحمدوش": «اختار "يامْبليخوس" لأبطال روايته أسماء شرقية أعطاها طابعاً إغريقياً (رودانس= وردان، سينونس= سنونو، غرموس= العنيف)، ووضع أحداثها في الزمن الغابر وفي بابل التي كانت تمثل رمز العراقة والغرابة، ليزيد من درجة الإعجاب والتشويق. وتحتوي الرواية على كل الموضوعات والعناصر الفنية المألوفة في الأدب القصصي الإغريقي للعصر الإمبراطوري الروماني (التطهير والخلاص، الصلات بالعالم الآخر، مغامرات الجحيم، الموت الظاهري، النوم في القبور، التمويه والاشتباه). أما أسلوبها ولغتها فتنسجم مع القواعد البلاغية المتمثلة في الخطب الرنانة وأناقة الأسلوب والتوجه إلى الجمهور العريض، وقد مدح "فوتيوس" أسلوب الرواية وطريقة عرض الأحداث، كما أنّ قاموس "سويداس" الشهير يستشهد بفقرات منها للدلالة على بلاغتها وأسلوبها الرفيع، وقد كان لنشر الترجمة اللاتينية لملخص "فوتيوس" عن هذه الرواية في مطلع القرن السابع عشر تأثيرٌ واضحٌ في أدب "الباروك" والخيال الرومنسي في الأدب الأوروبي».

أما عن "يامبليخوس" الفيلسوف فيقول الباحث والإعلامي "سائد الخالد": «جمع "يامبليخوس" في فلسفته بين أفكار "أفلاطون وفيثاغورث" أما أفكاره الباطنية والسحرية فاستمدها من منبته السوري وحضارة "الرافدين" وللأسف تعليقاته حول "أرسطو" و"أفلاطون" قد اختفت كما أنه ألف كتاباً حول العقائد المصرية الباطنية».