لم يكن بقاؤها في الأسواق ومنافستها لما هو حديث عبثاً، فقد استطاعت هذه الحرفة أن تؤمن ما عجزت عنه المصانع الحديثة، خصوصاً أنها على تماس مباشرٍ ويومي مع المستهلك.

مدونة وطن "eSyria" زرات سوق "التنك" بتاريخ 5 آذار 2015، والتقت الحرفي "سليمان حسن سطام" صاحب محل لتصنيع الأدوات المنزلية فقال: «تتميز صناعة "التنك" برخص القيمة النقدية للأداة المصنعة، إضافة إلى عدم وجود ما نصنعه في الأسواق التجارية، فالمعامل الكبيرة تصنع الأدوات وفق مقاييس منتظمة ومعروفة، إلا أن الحاجة المنزلية تذهب إلى أكثر من ذلك، وهذا ما نقوم بتوفيره وصناعته، علاوة على ذلك تمتاز صناعتنا بالديمومة والقوة والمتانة، لذلك نقوم بمسحٍ بدائيٍ لحاجة أهل الريف وجزءٍ من حاجة أهل المدينة، ونعمل على تلبية طلباتهم والتفنن فيها، فمن كثير من الصناعات التي كنا نعمل عليها لم يبق لنا اليوم؛ إلا عدد قليل من الأدوات التي لا يمكن للمصانع الكبيرة صناعتها، خصوصاً أن الطلب عليها ليس كبيراً، إضافةً إلى كونها حاجات موسمية، فمثلاً في فصل الربيع ينشط الطلب على "قاضانات" السمنة العربية والحليب، ففي السابق كانت ربة المنزل تقوم بدبغ الجلد والعمل عليه لأسابيع ليكون مستوعباً لما تنتجه، أما اليوم فقد تمكنا من توفير وعاء محكم لكنه سهل الفتح والإغلاق، لتحفظ به المرأة الريفية ما تنتجه من السمن، كذلك قمنا بتصنيع "خضاضة" الحليب، وتشكيلها بما يقارب "الشكوة"*، ليتم من خلالها فرز الحليب واستخراج الزبدة، إضافةً إلى بعض أنواع "القاضانات" لتسخين المياه بواسطة الكهرباء أو النار، وذلك وفق ما يخدم حاجة أهل القرى، وهذه الأمور تعد حكراً علينا لأنها تصنع وفق الطلب وبما يتناسب مع الحاجة الفعلية».

أنه كان يعمل في نفس الحرفة منذ 30 عاماً، لكن ورشته كانت في "حلب"، وقد قدم إلى "الحسكة" منذ عامين وتابع عمله فيها، إلا أنه تمكن من إدخال بعض الصناعات إلى ما عرفه السوق في السابق، فقد تمكن من صناعة فرن لخبز الصاج، كما أدخل صناعة الستانلس "الكروم" إلى السوق، مشيراً إلى أن العمل ليس كما يجب لكنه أفضل من الجلوس في المنزل، وهو يحاول أن يعمل ليتميز عن جواره ويختص بصناعاتٍ محددة

يتابع: «في فصل الصيف نقوم بتصنيع خزانات المياه بسعاتٍ صغيرة، وذلك لأننا نستخدم "الصاج" في الصناعة؛ الذي لا تزيد سماكته على 6 "دوزيم"؛ حيث نتمكن من قصه يدوياً، لأننا في هذه الحرفة لا نمتلك إلا بعض الآلات الخفيفة، وتعتمد حرفتنا أيضاً على آلة للف الصاج ومقص خاص وقطعة من الحديد لثني الأطراف، لهذا لا يوجد لدينا إلا الأوعية الدائرية، فنحن نعمل بحرفةٍ تحتاج إلى العضلات والنفس الطويل، ونتماشى مع المواسم لتأمين أرزاقنا، ويمكن أن نقوم في حالات توقف العمل؛ بصناعة عينات من كل ما نعرضه لنبيعه حين الطلب».

عملية التلحيم

من جهته قال "سليمان محمد العبيد": «تركت الدراسة لأنني أرغب في كسب قوتي في هذا الوقت، ولا يمكن أن أنتظر لسنوات عديدة دون دخل، فقررت أن أعمل هنا لأكسب المال وأتعلم الحرفة، فهي حرفة بسيطة لا تحتاج إلى وقت طويل لتعلمها، كما أنني أحب هذا النوع من العمل، فأنا أقوم بأخذ المقاسات وقص القطع وتسليمها لمعلمي، وبعد مرور كل فترة زمنية يعلمني جزءاً من الحرفة، وفي حال أتقنتها سأتابع فيها، وسأجعلها مصدر عيشي الأول، أما الآن فأحاول أن أتعلم كل تفاصيلها لأكون مبدعاً فيها لاحقاً».

أما الحرفي "محمد حباب" فبين: «أنه كان يعمل في نفس الحرفة منذ 30 عاماً، لكن ورشته كانت في "حلب"، وقد قدم إلى "الحسكة" منذ عامين وتابع عمله فيها، إلا أنه تمكن من إدخال بعض الصناعات إلى ما عرفه السوق في السابق، فقد تمكن من صناعة فرن لخبز الصاج، كما أدخل صناعة الستانلس "الكروم" إلى السوق، مشيراً إلى أن العمل ليس كما يجب لكنه أفضل من الجلوس في المنزل، وهو يحاول أن يعمل ليتميز عن جواره ويختص بصناعاتٍ محددة».

محمد حباب

بدوره قال أحد مواطني "الحسكة" "عبد الجبار محمد": «هذا السوق يؤمن أدواتٍ لا يمكن أن نراها في أماكن أخرى، فأنا أحتاج إلى خزان ماء بسعة 1.5 برميل، وهذا المقاس غير متوافر في الأسواق، وهنا يتم تأمين طلباتنا وحتى في حال عدم توافرها، يتم الاتفاق مع الحرفي وتسليمها في موعدٍ محدد، وهو سوق عريق وقديم لم يطله أي تغيير سوى ارتفاع الأسعار، لكنه إلى غاية هذا اليوم يحافظ على نفسه ويتسلم المهنة حرفي بعد آخر، ويعرفه جميع الناس في المحافظة».

  • "الشكوة": جلد الماعز؛ حيث تتم معالجته على عدة مراحل ودبغه وتجفيفه ليستخدم في حفظ السمن.
  • عبد الجبار محمد