حرفة الضغط على النحاس قد لا تنتمي إلى "الحسكة"، إلا أن لهذه الحرفة ما يميزها في المحافظة بحيث اطلت عليها ثقافة المنطقة.

موقع eHasakeh زار محل "أرابيسك" والتقى السيد "شذوان أحمد اللجي" ليحدثنا عن هذه الحرفة فقال: «تعتبر هذه الحرفة من الحرف الوافدة على المحافظة، وأغلب الظن أنها جاءت من "تركيا" على زمن العثمانيين، كنت وإخوتي نمتهن بيع الخزفيات في محلنا لفترة من الزمن، جاءت هذه الحرفة من مدينة "حلب" من شخص يدعى "الخانجي"، استقدمها إلينا شخص يدعى "نجيب سراج الدين" وهو من أصل حلبي، بدأ العمل في محلنا بمفرده في الفترة الأولى، ومع المراقبة لطبيعة العمل بدأنا نساعده في بعض الأمور، كنا ثلاثة شباب في المحل وكنا نتناوب على مساعدته في بعض جزئيات الحرفة، أتقنا جميعنا العمل وتوسعنا فيه، لكن بعد فترة من العمل سافر إخوتي إلى الإمارات العربية ليعملوا في مجال غير هذه الحرفة وبقيت وحدي، عملنا مع "سراج الدين" لمدة ست سنوات ثم عاد لمحافظته ليتابع العمل فيها، وبقيت أنا أمتهنها كهواية من جهة ومن جهةٍ أخرى لتدر عليَّ دخلاً إضافياً».

أنا و"اللجي" الوحيدان اللذان نمتهن هذه الحرفة، كان في السابق التعاون بيننا مزدهراً، لكن اليوم انحسر الطلب على هذه الحرفة لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي، بالعموم يتمتع محل "أرابيسك" بسمعة جيدة في هذا المجال، ولهم العديد من الأعمال المنتشرة في المحافظة وخارجها، وأنا كعضو نقابة الفنون الجميلة أسعى دائماً من خلال الطرح أن ألفت الأنظار لهذه الحرفة كي لا تنقرض، اليوم تُدرَّس مادة الضغط على النحاس في معهد الرسم، لكن بشكلٍ مبسط أتمنى أن تحظى هذه الحرفة باهتمام أكبر للحفاظ عليها

يتابع "اللجي": «في الحقيقة هي حرفة لا تحتاج الجهد ولا العضلات بل أكثر ما تحتاجه هو الفن والإتقان في العمل، ولا يتطلب العمل في الضغط على النحاس أدوات كثيرة، بل يقتصر العمل على مخرز لتحديد حواف الرسومات من خلال الضغط وآلة ذات رأس مدور لتنفير الكتابة أو الرسم، لكن من الضروري أن تكون الآلات المستخدمة غير حادة لأننا نتعامل مع رقاقة من النحاس، لا تتجاوز سماكتها 1.5 ديزييم، كان عملنا في السابق أوسع مما هو عليه اليوم، لقد أنتجنا العديد من الأعمال الكبيرة مثل إله النبيذ وقمنا بتطعيم بعض المنازل بالنحاس، إضافةً إلى عدد كبير من اللوحات التاريخية ذات الخلفية الدينية كالعشاء الأخير للسيد المسيح، كما قمنا بعمل نموذج باب الكعبة المشرَّفة بحجمه الحقيقي تقريباً، أيضاً لنا أعمال قمنا بمزج أبواب الخشب بالنحاس المعتق من خلال إدخال النحاس بشكل جمالي، كان من ضمن ما نفذنا أبواب مبنى محافظة "الحسكة" الأمر الذي أضفى عليه نوع من القدم التاريخي».

شذوان يحمل لوحة فيها اسم المحل

وعن طريقة العمل يقول "اللجي": «لا يعتبر النحاس الذي نتعامل معه مرناً بدرجةٍ كافية لذلك يجب التعامل معه بحذر، كما يجب أن يكون الحس الفني حاضراً خصوصاً في مرحلة التعتيق، اليوم أكثر الأمور التي نعمل بها هي اللوحات الاسمية التي توضع على المكاتب، وما زلنا نتعامل مع الخط العربي الذي يُكتب باليد، من باب المحافظة على التقليد في الحرفة مع العلم أن التعامل مع الحاسوب أصبح أيسر بكثير، فنقوم بطبع الاسم المراد كتابته على ورق "كلك"، ثم نقوم بتثبيت الكتابة على قطعة النحاس بشكلٍ مقلوب، بعدها نقوم بالتمرير على أطراف الكتابة مع الضغط على الورقة، ولأن النحاس رقيق يأخذ الشكل المطلوب إنزاله عليه، في هذه المرحلة تكون رقاقة النحاس موضوعة على قطعة من البلاستيك الطري، لتغور الكتابة بالعمق المطلوب الأمر الذي يجعل الكتابة تظهر بالشكل النافر على وجه النحاس، القسم الثاني هو الزخارف الهندسية أو أشكال النباتات، هذه الأخيرة تقوم بملئها بمعجون الحديد لتحافظ على نفورها الزائد، في المرحلة الثانية نقوم بالضغط على وجه النحاس بمحاذاة الكتابة لتحديد الاسم أو الرسمة بشكلٍ أدق، ثم نُلصق النحاس على قطعة من خشب /MDF/، ونتأكد من جودة اللصق من خلال الضغط على اللوحة بقطعة ملساء».

يتابع "اللجي": «بعد أن تنتهي اللوحة ويجف اللاصق نبدأ بعملية تعتيق اللوحة لتأخذ الشكل النهائي، في البداية نقوم بطلاء اللوحة بمادة الزرنيخ فيأخذ النحاس اللون الأسود، ثم نترك القطعة لتجف وتحتاج القطعة في الصيف إلى ثلاث ساعات، لكن في الشتاء تتطلب وقتاً أطول، ثم نقوم بتلميع الكتابة بمادة تدعى "براسو"، وتبدأ عملية إزالة الأكسدة بحسب الرغبة والحاجة لإظهار الكتابة عند تعرضها للإنارة، في المرحلة الأخيرة نقوم بطلاء اللوحة بمواد عازلة حتى لا يتفاعل النحاس مع الجو والرطوبة، وتستخدم لهذه الغاية مادتا "اللكر، والبوليتان"، وبعد أن تجف تصبح اللوحة جاهزة ليستلمها صاحبها».

جانب من الأعمال الأخرى إلى جانب الضغط على النحاس

السيد "إبراهيم حنا إبراهيم" نجار موبيليا قال: «أتعامل مع "اللجي منذ فترة من الزمن حيث يتقاطع عملي وعمله في بعض المراحل، أنا أقوم بطلاء اللوحات الكبيرة بجهاز "الكمبرسور" في حال تجاوز حجمها 75 سم، وقد تعاونا في العديد من الأعمال الكبيرة، يتميز الضغط على النحاس بجمالية فائقة لذلك أقوم بإدخاله في غرف النوم التي أصنعها، أيضاً يدخل النحاس في بعض الأبواب التي توضع كمدخل للمنزل، فأقوم بإنجاز عملي حتى مرحلة إدخال النحاس وعندها يأتي دور الحرفي في تطعيم الخشب، هذه الحرفة هي جميلة جداً لكن للأسف أخذ الطلب عليها بالتناقص في السنوات الماضية، لكنها لغاية اليوم مرغوب بها ولها زبونها الخاص، تعتبر حرفة الضغط على النحاس وصناعة المنجور الخشبي متكاملين في العديد من الجوانب لهذا يكمن التقارب بينهما».

الفنان "عبود قومي" قال: «أنا و"اللجي" الوحيدان اللذان نمتهن هذه الحرفة، كان في السابق التعاون بيننا مزدهراً، لكن اليوم انحسر الطلب على هذه الحرفة لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي، بالعموم يتمتع محل "أرابيسك" بسمعة جيدة في هذا المجال، ولهم العديد من الأعمال المنتشرة في المحافظة وخارجها، وأنا كعضو نقابة الفنون الجميلة أسعى دائماً من خلال الطرح أن ألفت الأنظار لهذه الحرفة كي لا تنقرض، اليوم تُدرَّس مادة الضغط على النحاس في معهد الرسم، لكن بشكلٍ مبسط أتمنى أن تحظى هذه الحرفة باهتمام أكبر للحفاظ عليها».

بعض لوحات الجدار المشغولة بالتوليب

بقي أن نذكر أن للحرفي "شذوان" العديد من المقتنيات داخل وخارج المحافظ، أيضاً خارج القطر وتحديداً في منطقة الخليج العربي، كما قام بعض المغتربين بأخذ العديد من اللوحات للدول الغربية، كما انه يتعامل مع بعض الفنانين من منطقة "الحسكة" في إنتاج بعض لوحات الرسم والخط العربي المشغولة بطريقة الكتابة بمادة "التوليب".