عاد الموسيقيُّ "شيركو دقوري" إلى الوطن من "السويد" قبل ثماني سنوات، حاملاً معه درجة (ماستر) في التأليف الموسيقيّ ليكتبَ أعمالاً بقالبٍ عالميّ ونكهةٍ شرقيّة، وهو الوحيدُ في الجزيرة السوريّة الذي نالَ هذه الإجازةَ ويكتب هكذا موسيقا.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت "شيركو دقوري" بتاريخ 10 تشرين الأول 2019 في المعهد العالي للموسيقا بـ"دمشق" وحدثنا قائلاً: «بدأت بتعلم العزف على آلة البزق عندما كنت في العاشرة من عمري وذلك على يد خالي الفنان "فريدون ابراهيم"، بعدها تعلمت بنفسي العزف على آلة الغيتار عن طريق بعض الكتب التي جلبتها من "السويد"، ثمّ أكملت دراسة الغيتار عند الدكتور "محمد عزيز ظاظا" في "القامشلي"، طيلة الوقت كنت أحاول توسيع اطلاعي عبر دراسة الأعمال الموسيقية والنوتات والاطلاع على موسيقا من كلّ الثقافات، بدأت بدراسة التأليف الموسيقي في الأكاديمية الملكية في "السويد - استوكهولم"، عام 2009 وتخرجت بدرجة ماستر عام 2015. درست التأليف هناك على يد "بار ليندغرين وكارين رينكفيست"».

أغلب معزوفاته تتميز بطابع العزف المزدوج، تعرفت عليه عن قرب ولمست فيه صفات الفنان الحقيقي من أناقة وكرم وتواضع ورقيّ

أقام "دقوري" منذ فترة وجيزة ورشة عمل لطلاب قسم النظريات في المعهد العالي للموسيقا بـ"دمشق"، حول هذه الورشة يقول: «كانت الفكرة وراء إقامة ورشة العمل إعطاء الطلاب أساساً نظرياً في التأليف الموسيقي ومساعدتهم على رؤية العمل الموسيقي وعناصره من وجهة نظر المؤلف، هذا مهم للطالب أياً كان مجاله لكي يصل إلى فهمٍ أعمق وأشمل للأعمال الموسيقية، تفاعل الطلاب إيجابياً مع الورشة وقد أسعدني هذا، ومن هنا أشكر عميد المعهد العالي الأستاذ "عدنان فتح الله" والكادر التدريسي على تعاونهم وتسهيلهم لإقامة هذه الورشة».

شيركو دقوري في البدايات

يستخدم "دقوري" الأساليب والتقنيات الغربية في التأليف الموسيقي، للوصول إلى ما يسعى إليه، وتحقيق هدفه من خلال كتاباته، ويقول متابعاً: «هدفي الأول من التأليف الموسيقي هو التعبير عن ذاتي بصدق والوصول إلى أعماق روح الإنسان وإغنائها عبر الموسيقا، فالموسيقا تعتمد على النغمات والإيقاعات للتأثير على الحالة النفسية للمستمع، وهذا التأثير يصبح أغنى وأقوى كلما استكشف المؤلفون إمكانات الموسيقا أكثر، ويبدو لي أنه لا نهاية لقدرة الموسيقا على التجدد. وأسعى أيضاً من خلال تأليفي الموسيقي إلى تحقيق توازنٍ بين تراثنا الشرقي والأساليب والتقنيات الغربية في التأليف، هدفي هنا هو إغناء الموسيقا الشرقية عبر استخدام التقنيات الغربية مثل الهارموني والكاونتربوينت والتوزيع المتقن والمنوّع والهياكل الموسعة مع الاحتفاظ بجوهر موسيقانا.

ألفت حتى الآن العديد من الأعمال لفرق متنوعة مثل الأوركسترا السمفونية وفرق الحجرة والرباعي الوتري وفرقة الوتريات والبيانو والغيتار والعود والبزق، وأحاول في بعض هذه الأعمال تطوير هارموني شرقي يعتمد على أرباع الدرجات، وهذا أمرٌ معقد وبحاجة إلى الكثير من المحاولات والتجارب».

على مسارح السويد

درس فناننا إلى جانب الموسيقا تاريخ الفكر والترجمة أيضاً، وعن علاقة هذه الفروع بمشروعه الموسيقي، أجاب: «دراستي لتاريخ الفكر عن طريق المراسلة في جامعة "اميو" السويدية هي جزءٌ من اهتمامي العام بالمطالعة والثقافة، وهي تتضمن اطلاعاً على تطور الآداب والفنون عبر التاريخ، فمن المهم أن ندرك أن اطلاعاً واسعاً على مختلف الفنون والآداب يساعد الموسيقيين والرسامين والأدباء على فهم مجالهم بشكلٍ أعمق، فمثلاً ترجمتي لقصائد من الشعر العالمي إلى اللغة الكردية تساعدني على فهم المدارس الأدبية بشكلٍ أفضل، كما أن قالب وتنظيم القصيدة يعطياني أحياناً أفكاراً جديدة حول تنظيم المادة الموسيقية».

يرى "شيركو دقوري" بأن موسيقانا وموسيقا المنطقة تمر بمنعطف يهدد هويتها ويقترح حلولاً حيث يقول: «برأيي أن الموسيقا السورية والشرقية بشكلٍ عام تمران بمنعطفٍ مصيري سيحدد مستقبلها، التأثير الغربي على موسيقانا بدأ منذ عقود، لكنه وصل الآن إلى حدٍّ صار يهدد هوية هذه الموسيقا، فاستخدام الإيقاعات والآلات الغربية صار أكثر انتشاراً في الموسيقا الدارجة من استخدام قريناتها الشرقية، وقد قلَّ استخدام المقامات التي تحتوي على أرباع درجات إلى حدٍّ كبير في الأعمال المؤلَّفة حديثاً، من ناحية أخرى لا يبدو لي إلى الآن أنّ هناك نموذجاً قوياً لموسيقا شرقية جادة ومعاصرة ناجحة ومنتشرة إلى درجةٍ مقبولة، هناك بعض المحاولات، لكنها متفرقة إلى الآن، هل سيتلاشى تراثنا الذي تعود جذوره إلى آلاف السنين ويصبح نسخة معدلة قليلاً من الموسيقا الغربية؟ ليس هناك جواب على هذا السؤال الآن، لكنني أعتقد أن أفضل طريقة للحفاظ على التراث هي التأليف اعتماداً عليه لكن مع التجديد بحيث تواكب الموسيقا الشرقية المعاصرة روح العصر والتطلعات السيكولوجية للإنسان في وقتنا الحالي».

عبد الستار العلي

"عبدالستار العلي" موسيقي وعازف عود، قال: «من السهل جداً أن تتحدث عن عازف كعازف، ولكن أن تتحدث عن عازف وكاتب وشاعر ومترجم ومؤلف موسيقي، من الصعب أن تعطيه حقه وتصنفه بشكل جيد، رغم أن الموسيقي "شيركو دقوري" ليس بحاجة إلى شهادة أو توصيف له طالما له مؤلفات ومعزوفات تتولى هذا الأمر، فمقطوعته التي عنوانها "الحب" تختصر كل المعاني السامية لهذا الشعور ورغم أنها لا تتجاوز الخمس دقائق ولكنها تضعك في عالم لا بدّ أن تتخيل عاشقين تعود قصتهما إلى عمق التاريخ، ومن ناحية العزف على آلة الغيتار حيث يعزف بإتقان للمؤلفين الكلاسيكيين العالميين، واللافت للانتباه هو اللعب ببارات الغيتار الغربية ليسمعنا من خلالها نغمات ومقامات شرقية وبنكهة موسيقا الجزيرة السورية كمعزوفته "حب البيات"».

وأضاف: «أغلب معزوفاته تتميز بطابع العزف المزدوج، تعرفت عليه عن قرب ولمست فيه صفات الفنان الحقيقي من أناقة وكرم وتواضع ورقيّ».

يشار إلى أنّ "شيركو دقوري" من مواليد "عامودة - الحسكة" عام 1984 درس التأليف الموسيقي في الكلية الملكية للموسيقا في "السويد - استوكهولم"، حيث درس مادة التأليف ومادة التوزيع الاوركسترالي والهارموني والكاونتربوينت على يد أشهر أساتذة الموسيقا، ألّف أكثر من عشرين مقطوعة للآلات منفردة، والأوركسترا السيمفونية ولفرق رباعي الوتري وفرق الحجرة والموسيقا الإلكترونية، عمل مع فرق عديدة في "السويد" وخارجها مثل فرقة "KammarensembleN " لموسيقا الحجرة وفرقة مهرجان "MATA" في "نيويورك" وفرقة "Vitae Musica" الوترية وفرقة "استوكهولم" السمفونية لآلات النفخ وفرقة "Neo Norrbotten" لموسيقا الحجرة، شارك في الكثير من ورشات العمل والحفلات والمنتديات الموسيقية مع مؤلفين وموسيقيين وباحثين من "السويد" ومن دول أخرى عديدة.