تقودك نبرات صوته الخافت إلى الزمن الجميل من أقصر الطرق، لأنه إذا تكلم أسمع وإذا صمت أبدع وإذا رسم أشبع، كيف لا وقد عاش الفن وما يزال بكل تفاصيله اللونية حتى توحد مع الريشة وأدمن المرسم.

الفنان "حسن حمدان العساف" طاف مع مدونة وطن "eSyria" في ذكريات الفن العتيقة فانطلق من تاريخ 12 كانون الأول 2014، راجعاً إلى بداياته اللونية وقال: «كانت البداية مع وحل بئر القرية التي شاركتني الحاسة الفنية، فقد صنعت من طينها أشكالاً متنوعة رصفتها تحت أشعة الشمس، ثم ما لبثت أن طورت الحالة الفنية لدي فانتقلت إلى الرسم على الصخور، كانت ريشتي حينها حشائش الخرنوب، بعدها انتقلت إلى المدينة للدراسة والتحقت بمدرسة الراهبات عام 1956، كانت هذه المدرسة تولي اهتماماً كبيراً للفن والموسيقا، بدأنا وقتها مع قطع المعجون وهنا لاحظت المعلمة إبداعي في هذا المجال، فأخذت نتاجي إلى الإدارة ثم دعتني المديرة إليها، ولما وصلت شاهدت كومةً من الطين فطلبت مني صناعة بورتريه للسيدة العذراء، لذا بذلت كل جهدي؛ وفي النهاية بدت علامات الارتياح على كادر الإدارة، وفي الصف الثالث كانت المدرسة تقدم لي كل ما أحتاجه، وبعد أن أنجز أعمالي كانت المدرسات يقتنين اللوحات؛ لأن المعارض لم تكن معروفة في ذلك التاريخ».

في المرحلة الإعدادية التحقت بمدرسة الموحدة الخاصة تحت إشراف الأب "أفرام شهرستان"، هذا الرجل كان يعشق الفن ويوليه اهتماماً خاصاً، وقد أقام لي أول معرض شاركني فيه زميلي "محمد إبراهيم"، تم اقتناء أعمال المعرض بالكامل من قبل "الأب" وتوزيعه على المعلمات، بعدها استدعاني وقال لي: سأعقد معك صفقة سرية، أريد أن تجلب القسط المدرسي من والدك وتعطيني إياه، ثم أعطيك وصلاً بالاستلام وأرد إليك المبلغ، شريطة أن تشتري به جميع مستلزمات الرسم، ثم أعطاني المبلغ وقد أضاف إليه مبلغاً من المال وأهداني مجموعة من الكتب؛ المترجمة من الإيطالية التي تتحدث عن كبار الفنانين في عصر النهضة

يتابع: «في المرحلة الإعدادية التحقت بمدرسة الموحدة الخاصة تحت إشراف الأب "أفرام شهرستان"، هذا الرجل كان يعشق الفن ويوليه اهتماماً خاصاً، وقد أقام لي أول معرض شاركني فيه زميلي "محمد إبراهيم"، تم اقتناء أعمال المعرض بالكامل من قبل "الأب" وتوزيعه على المعلمات، بعدها استدعاني وقال لي: سأعقد معك صفقة سرية، أريد أن تجلب القسط المدرسي من والدك وتعطيني إياه، ثم أعطيك وصلاً بالاستلام وأرد إليك المبلغ، شريطة أن تشتري به جميع مستلزمات الرسم، ثم أعطاني المبلغ وقد أضاف إليه مبلغاً من المال وأهداني مجموعة من الكتب؛ المترجمة من الإيطالية التي تتحدث عن كبار الفنانين في عصر النهضة».

ملحمة تاريخية

«في المرحلة الثانوية تعرفت "عمر حمدي، وصبري روفائيل، وبشار العيسى"، تعلمت من هذه المجموعة الكثير حيث رحنا نتبادل الخبرات، وتطور أسلوبي حتى وصلت إلى مرحلة إنشاء اللوحة بالكامل، بعدها التقيت الفنان "فهد كبيسي" وكان خريج كلية الفنون الجميلة في "إسبانيا"، هنا انتقلنا إلى مرحلة جديدة من الفن الأكاديمي؛ من حيث التكوين والتشريح وتركيب اللون، بعد هذه الفترة وتحديداً عام 1968 تم إحداث منظمتي الشبيبة واتحاد الطلبة، حيث كان هناك اهتمام كبير بالفن منهما، وبرزت ظاهرة المعارض الجماعية التي أصبحت فيما بعد تقليداً سنوياً، في عام 1970 التحقت بالجيش واستمرت خدمتي لست سنوات، أصبت أثناء حرب تشرين التحريرية، وحصلت بعدها على وسام الشجاعة وثناء القائد العام للجيش والقوات المسلحة، بعدها تم إيفادي إلى "أوروبا"، خلال هذه المدة التقيت كبار الفنانين في "بودابست"، وتعلمت منهم الكثير خصوصاً أنهم متأثرين بالواقعية الروسية، ثم رجعت إلى الوطن والتحقت بالمركز الثقافي العربي في "الحسكة" لإقامة الأنشطة الفنية الفردية منها والجماعية».

«في هذه الفترة تعاقب على المركز الثقافي عدد من المديرين، مثل: "مازن صباغ، ومحمد سالم الخلوف" وقد قدما للفن الكثير، إلا أن المرحلة الأبرز كانت في عهد الأستاذ "أحمد الحسين"، الذي ركز كل وقته لجمع الفنانين وإثراء الحالة الثقافية، ولأول مرة قام المركز الثقافي بتقديم كل ما يلزم للفنان، علاوة على ذلك تم إقامة معرض للتقاليد الشعبية تم جمع المعروضات من بيوت المحافظة، لذا كان الإقبال على المعرض منقطع النظير، بعدها أقيمت عدة رحلات للفنانين حول المحافظة برعاية المركز الثقافي، للوقوف على أدق التفاصيل فيها وتوثيقها فنياً، ومن أهم القضايا التي انتفع بها الفنان كانت أيضاً في عهد الأستاذ "أحمد الحسين"، وقتها بدأ محافظ "الحسكة" والمركز الثقافي اقتناء عملين من كل معرض، وكان الريع يعود للفنان وهو ما أعطانا دفعاً مادياً ومعنوياً، ويمكن أن أصف تلك الفترة بالذهبية خصوصاً في الفترة الممتدة بين الثمانينيات ومنتصف التسعينيات».

لوحة للخيول العربية

يختم: «في مطلع التسعينيات غادرت للعمل في المملكة العربية السعودية، لكن أعمالي بالمجمل أصبحت على شكل رسائل حب موجهة للوطن، كما انتقلت للعمل على توثيق تاريخ الأمة، فبدأت من البورتريه ووصلت إلى رسم الملاحم، وقد أمضيت ثلاثين عاماً في الغربة تنقلت خلالها بين الأمصار، والتقيت عدداً كبيراً من الفنانين الذين اكتسبت منهم وأضفت إليهم، وقد أضافت لي تلك المرحلة غنى كبيراً على صعيد الموروث الشعبي والأطياف اللونية التي توحي بها الصحراء، وتم تكريمي أكثر من 30 مرة، لكنني لم أشعر بما شعرت به بعد عودتي وتكريمي من قبل وطني، هذا التكريم الذي حرك في داخلي مشاعر جياشة، في النهاية يمكنني القول إنني رسمت الكثير ووثقت الكثير، لكنني أطمح أن أرسم سلسلة كاملة للفتوحات الإسلامية، فالفنان هو حالة متلاطمة من المشاعر؛ لذا لا يمكن له معرفة البداية ولا هو قادر على تحديد النهاية».

من جهته قال "أحمد الحسين" مدير المركز الثقافي في "الحسكة" سابقاً: «في حياة كل إنسان ثمة أشخاص لا يمكن أن تتحدث عنهم بنوعٍ من الحيادية، ومنهم الفنان "حسن حمدان" الذي عرفته منذ مدة طويلة جمعتنا وقتها قواسم مشتركة وتطلعات ثقافية واجتماعية، ورغبة جارفة في تقديم شيء للمحافظة، خصوصاً أن المحافظة كانت وقتها تنهض وتقدم نفسها كشابة تريد أن تتقدم على مختلف الصعد، وقد تمكنا من تحقيق الكثير، لأن الفنان "العساف" يمتلك سمات وخصائص تتعدى الناحية الفنية، هذا الرجل لم يكن يوماً مشروعاً لنفسه، بل على العكس كان مشروعاً للجميع، فقد لمست فيه غيرية خاصة تجعله كما يقال "قريباً عند الفزع بعيداً عند الطمع"، لأنه نذر نفسه لكل ما هو عام إلى جانب حسه الإنساني الطاغي، خصوصاً ميله لمد يد العون للآخر، وهذا حقيقي لأنه شخص مسكون بحب الآخرين، وهمه الأكبر هو أن يرى حالات الإبداع عند الجميع وهذه الحالة لا تجدها منتشرة عند الجميع، لذا يمكن القول إننا أمام أهم الشخصيات المعروفة، والدليل أنه حوّل بيته إلى متحف لكل الفنانين، وهذا يعكس الحميمية والدفء بينه وبين الآخرين».

من مرسم الفنان

يضيف: «ومن المهم أن أتطرق إلى ملامح منزله الذي يجمع ما تلذ به الأعين من الموروث الشعبي، الأمر الذي يعطي بعداً انتمائياً أصيلاً عند الفنان؛ يتأتى ذلك من خلال الحرص على توثيق اللحظة التراثية والشعبية، لذا نحن أمام رصيد ومخزون فني وثقافي واجتماعي، أما الحديث عن التجربة الفنية للفنان، فيمكن وصفها بظاهرة الغنى الفكري والفني والثقافي، إذ تجسدت في الانطلاق من هنا إلى المحافظات الأخرى، حاملة موروثاً شعبياً قل نظيره، لذا يجدر وصف الفنان بأنه حالة متفردة وعلم من أعلام الثقافة في "الحسكة" وحتى أبعد من ذلك، هذا من خلال الحياة الطويلة التي عايشت فيها الفنان، ومن خلال الأثر الطيب الذي تركه والبصمة الفنية التي لن تمحوها السنون».