يعزف الألم بريشة تلطخ اللوحات، فتتشكل شخوصا تنطق ألوان العذاب، ليس سوداوياً ولكنه يركض خلف النور حثيثاً، رسم الواقع ببراءته حتى كادت اللوحة تنطق، ولكن هرب منه الواقع الجميل فتكسرت الريشة وهي تعبر عن حالها...

الفنان "فرهاد خليل" مواليد 1970م التقاه موقع eHasakeh بين جدران مرسمه الذي علَّق عليه ألوان العذاب: «الفن هو مزيج الروح فقد نفخ في الجسد من العالم السرمدي، فالفن هو غاية اعتمده الإنسان منذ القدم، عندما كان خطوطاً تعبيرية له علاقة بتطور البشرية، فمن خلاله عرف التاريخ وعرفت سمات الإنسان القديم وأشكاله، وقد تطور الفن في النهاية إلى حالة جمالية، وقد أصبح الإنسان يرسم الجسد وتفاصيله فانقلبت الخطوط القاسية إلى خطوط جمالية توحي بالبهجة والفرح، ومؤخراً أصبح للفن علاقة وثيقة بالفلسفة حيث بدأ بدراسة الإنسان ومجاراته في حياته اليومية».

كبار الفنانين في العالم لم يصلوا إلى ذاتهم لولا أن وافاهم الأجل

يقول "فرهاد" عن بداياته: «أنا ابن بيئة ريفية تركت أثرها العميق في داخلي، فالجبل البازلتي الذي يشرف على قريتي في قعر الوادي، ومنظر البيوت الطينية التي كنت أشاهدها من سفحه، كونت لدي حالة من الجمال النفسي، وعند دخولي إلى المدرسة الابتدائية ورؤيتي لرسوم كتاب العلوم، كنت أحس أنني في قريتي فالحيوانات والطيور في الكتب ليست غريبةً عني، إلا أنني وقتها لم أدرك أن لدي موهبة، لذلك بقيت في قمقمي حتى المرحلة الإعدادية، حتى اكتشفني مدرس الرسم فقد أحببت الرسم من خلاله، فهذا الرجل خلق حالة روحية بيني وبين الفن وأنا أكن له امتناناً عظيماً».

الفنان فرهاد خليل

*** الانطلاقة!!!

تحكي مرارة الواقع

يقول عنها "خليل": «لم تكن هناك انطلاقة بمعناها الحرفي، فأنا لم أنقطع يوماً عن الرسم، فلغاية التسعينيات وأنا أرسم بالرصاص والفحم والحبر الصيني، وفي نهاية التسعينيات دخلت الألوان عالمي للمرة الأولى، ولكن ومع دخول الألوان لم تكن لي وقتها شخصية مستقلة، فكنت مجرد رسام متخبط أرسم كل ما يقع عليه بصري».

يضيف "فرهاد": «أما التحول الأبرز في حياتي إذا صحّ التعبير فكان عند سفري إلى دمشق، إذ أنني ذهبت باحثاً عن ذاتي، بدأت وقتها بالاستشراق لغناه الكبير بالألوان، فلم يبخل علي الاستشراق فقد علمني كيف أرسم الوجوه والطبيعة والأماكن، ومن زوايا مختلفة فكان بمثابة الباب الذي دخلت منه إلى الواقعية».

شخص معذب

*** الواقعية ولكن...

يقول "خليل": «بدأت في الواقعية عام 2000م، فرسمت الواقع بزخم كبير ووصلت نوعاً ما إلى الإتقان في رسم الوجه البشري و التشريح، وفي فترة معينة أحسست أنه لم يعد بإمكاني أن أصور الواقع بشكله الواقعي، هنا تطرقت لحالة تعبيرية بسبب رؤيتي للواقع المشوه وعجزي عن تجسيده بالواقعية».

يضيف: «بدأت أرسم الوجه البشري يشكل مشوه غاية في البشاعة، وهذا لا يعني أن الوجه هو البشع، ولكن كنت أحاول جاهداً تصوير الألم والعوز والمرض المختبئ خلف التجاعيد، وهذا كله لنني أصبحت أرى الإنسان فارغ ومجوف، وقد فقد الكثير من الأشياء كالمحبة والسعادة اللتان يحيا بهما الإنسان».

*** معارضٌ مشتركة...

يقول "فرهاد": «لم أفتتح أي معرض فردي لهذا التاريخ، ربما السبب الحقيقي هو المادة ولكني أقمت العديد من المعارض المشتركة أذكر منها:

1- معرض مشترك في "الحسكة" عام 2000م.

2- معرض مشترك في بيروت عام 2002م.

3- معرض مشترك في سويسرا في مدينة بيرن عام 2004م.

4- معرض مشترك في "الحسكة" عام 2007م.

5- معرض مشترك في "القامشلي" عام 2009م.

6- معرض مشترك في "الحسكة" عام 2009م.

7- معرض مشترك في "حلب" عام 2009م

وكان ولا يزال المعرض الأول الذي أقمته في "الحسكة" هو الأحب على قلبي، كان إحساسي وقتها لا يوصف، حيث التقت لأول مرة مع جمهور يشاهد أعمالي الخمسة، وكانت الأعمال هي عبارة عن ألوان متمازجة حاولت من خلالها إظهار قدرتي على التعامل مع الألوان وحث المشاهد للتواصل معها».

*** دمار تخلفه الألوان...

يقول "خليل": «تتميز لوحاتي بشخوص مشوهة لأنني صريح مع ذاتي، فأنا لا أجد بصيصاً من الأمل لأضعه بين الدمار، كنت أتمنى لو أن شيءً ينقلني من السوداوية حتى أرى العالم كما يراه الآخرين، ، فأنا لست سوداوياً كما يراني الكثيرين وسيتغير رسمي إذا تغير الواقع، فأنا ما فتئت أبحث عن السعادة ولكن لم أجدها، ربما إذا غيرت مدينتي ستتغير لوحاتي ولكن ليس كثيراً، فمن الممكن أن تتغير الألوان أما الأشخاص فلا، قد تكون أجمل قليلاً لأن النزاعات التي أحملها في داخلي هي التي تسيطر على اللوحة».

*** الفن في "الحسكة" واقعٌ واقِعْ؟!

«لا تخلوا "الحسكة" من الفنانين المبدعين، ومنهم أسماءٌ كبيرة استطاعوا أن يحققوا فناً جميلاً يحسب لهم، ولكن لا يزال الكثيرين مغمورين الذين أستطيع وصفهم بالرائعين، إلا أن الظروف كانت ولا تزال أقوى منهم، والحقيقة أن هناك تجارب جميلة امتهن أصحابها الفن الواقعي أو التعبيري أو التجريدي عن دراية ودراسة، وأنا كشخص أعتز بهم وأحاول دائماً أن أتواصل معهم، ودائماً كنا نسعى لورشاتٍ فنيةٍ ضخمة ندعو عليها الفنانين من كل البقاع، حتى نقول لهم أننا نملك مقومات الفن الجميل ولكن للأسف، لم يتحقق منها أي شيء وأنا أعزو هذا الإحباط الذي ألم بنا إلى عدم وجود نقابة للفنانين، ولكي أكون منصفاً فالنقابة موجودة ولكن هذا الوجود وعدمه سواء».

*** هل وجدت ذاتك ؟...

«لهذا التاريخ لم أجدها ولكني أبحث عنها بكل ما أوتيت من قوة، وبتصوري يبقى الإنسان باحثاً عن ذاته حتى نهاية الحياة، وأعرف أنني لن أجدها فاستحالة أن يجد أحد ذاته بمفردها، فهي لا تأتي إلا ومعها نهاية الأجل».

ويختم "فرهاد": «كبار الفنانين في العالم لم يصلوا إلى ذاتهم لولا أن وافاهم الأجل».

الفنان "حسن صبيح" يقول واصفاً "فرهاد": «هو صديق الطفولة ولا زال، وهو من أقوى الفنانين الواقعيين الذين عرفتهم، انتقل إلى الفن التجريدي فأضحت واقعيته الجديدة تجريد لوني غير مسبوق».

يضيف "صبيح": «"فرهاد" فنان يرسم أحاسيسه بصدق وينقل إلى لوحاته ما يشعر به وما يعانيه، لم يهرب كما الكثيرين إلى التعبيرية، ولكنه تجاوز الواقعية بأشواط مديدة ووظفها في خدمة التعبيرية، حتى أصبحت لوحاته المعذبة عرساً من الألوان».

𪡃«أنا شخصياً أشتاق إلى لوحاته الواقعية ولكنني في الوقت عينه أستمتع جداً بتجريده اللوني، فشفافية ألوانه تعكس حالة لا توصف من اللعب على المتناقضات، فهو قادرٌ بشكل ملفت على جمع حالات الفرح والحزن في إطار واحد، وهذا الأمر يستحيل تصويره في لوحة واقعية، أتمنى أن تسلط الأضواء عليه حتى يأخذ حقه كفنان مشبع بالأحاسيس».

"عيسى النهار" يصف "فرهاد" قائلاً: «يتميز بصدق مشاعره التي تنعكس جماليتها على أعماله الفنية المنطلقة م أرضية واقعية، لذا نلاحظ في شخوصه ميل للحالة النفسية التي ترافق الواقع المعاش، فهو فنان يعتمد على مدى تأثير الموجات اللونية على المتلقي، هو فنان خرج من الواقعية بقوة متجهاً على الفن التعبيري الذي وجد نفسه فيه، بعد أن ضاقت واقعيته ذرعاً يإيصال الواقع المشوه الذي نعايشه هذه الأيام، لقد وصل "فرهاد" إلى معالجة الحالة النفسية بفنه أكثر من معالجته للشكل، أنا معجب بفنه إلى حد كبير وأتمنى له الكثير من العطاء».