"أبو الفقير" كما يلقّبه الناس؛ لإنسانيته وسخاء كفّه. كان يلعب باحتراف الكبار على الرغم من عدم وجود هذا المسمى على زمانه، أخلص لفريقه "الجزيرة"، وكرة القدم التي جعل من بيوت لاعبيها بيته الثاني، ووظّف خبرته وعلاقاته في المغترب لخدمة وطنه.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 2 تشرين الأول 2017، التقت الكابتن "سيمون زارو" صخرة دفاع نادي "الجزيرة" والمغترب في "السويد"، ليحدثنا عن تجربته في الملاعب السورية والاغتراب، فقال: «ولدت في "الحسكة" عام 1958، ولمست أول مرة الكرة في أزقتها وشوارعها. أما بداياتي مع كرة القدم، فكانت ضمن الأحياء الشعبية في فريق "القائد"، ثم اكتشفني المدرّب القدير "سمير فاعور"، وقدمني إلى نادي "الجزيرة"، حيث لعبت مباشرة في فئة الشباب. بدأ عشقي للنادي منذ ذلك الحين، وترفّعت إلى فئة الرجال.

هو مثلي الأعلى إنسانياً ورياضياً، إنسان محب جامع للناس على مختلف مشاربهم، وهو أفضل قلب دفاع لعب في النادي من وجهة نظري، و(أبو الفقير) بتعامله وطيبته ونخوته

بعد ذلك التحقت بالخدمة الإلزامية، ولعبت في فريق "الدفاع الجوي"، وكنت أحضر كل مباراة لنادي "الجزيرة"، فألعب معه، وأعود في اليوم التالي إلى الخدمة؛ لأن القانون كان يسمح بذلك، وعند الانتهاء من الخدمة الإلزامية، عدت وتابعت اللعب مع الفريق، فعشت أفراحه وأتراحه، صعوده وهبوطه، وكلها أيام جميلة لا تنسى. لم يكن الاحتراف قد بدأ، لكننا كنا نلعب بروح الانتماء إلى مكوّن يجمعنا نحن أبناء "الجزيرة"، حيث نشبه "سورية" الكبيرة باختلاف مكوناتنا وثقافاتنا، إلا أننا على قلب واحد، والمحبة تجمعنا دائماً، وأذكر أننا في بعض الأحيان ندفع من جيوبنا لتسيير أمور النادي، ولا سيما أثناء الإصابات، لم نيأس أو نتأفف من الضعف المادي وعدم الاهتمام، بل كنا نقدّر الأوضاع، ونلعب من أجل المتعة وتحسين مستوى اللعبة».

أيام الزمن الجميل

ويضيف عن علاقته التي خلقتها الكرة بالقول: «كنت صديقاً لكل لاعبي "سورية" من أقصاها إلى أدناها، فأين يممت شطر وجهي في أرجاء وطني، ثمة أهل وأحباب وأصدقاء، فكرة القدم السورية هي في النهاية عائلة واحدة لا تنقطع مهما كانت المنافسة، والرياضة السورية حتى لو دخلها الاحتراف، تعتمد مبدأ الأسرة في المحبة والتعاون».

أما عن غربته الطويلة، وما تركه هناك من انطباع، فيضيف: «"سورية" و"الحسكة" ونادي "الجزيرة" جنتي التي أكلت التفاحة منها وتركتها أواخر عام 1988، حيث غادرت إلى "السويد" لتحسين الوضع، فعملت بجدّ، ولعبت في أندية أوروبية بمختلف الدرجات، ثم اتجهت إلى التدريب مساعداً للمدرب السوري الجزراوي القدير "جان عبدو" في أكاديمية تدريب كرة القدم في مدينة "سودرتاليا " في "السويد"، إضافة إلى عملي الخاص. تسعة وعشرون عاماً لم تغبْ "سورية" عن خاطري لحظة واحدة، وأكثر ما كان يقض مضجعي الأزمة فيها، فقد كان الحزن يعتريني، والخوف على كل جزء منها، حيث حرصت على التواصل مع كل الأحبة فيها، وكل يوم كنا نجتمع في "السويد" لبحث ما نستطيع تقديمه لوطننا الجريح، واستطعنا أن نكوّن "لجنة الدفاع عن سورية"، ولي الفخر بأن ابنتي المتحدث الرسمي فيها، واستطعنا من خلال اللجنة توضيح الموقف السوري والمؤامرة التي تتعرض لها، وذلك في كل المحافل، حتى إننا استطعنا إلقاء كلمة عما يحصل في "سورية" بمجلس النواب السويدي وشرح كل ما يجري».

حميد عمر إبراهيم

وأضاف: «لم أستطع البقاء أكثر، وعندما سنحت لي الفرصة عدت إلى "الحسكة" محبوبتي التي كنت خائفاً عليها، وجدتها تغيرت قليلاً بفعل الأزمة، لكن أناسها كما هم؛ فالطيبة والمحبة لم تتغيرا، واستقبلوني بحرارة. كنت أريد أن أزور كل بيوت "الحسكة" كي أشكرهم على حسن الاستقبال، وها أنا أعود إلى "السويد" وقلبي يعتصر ألماً على الفراق مرة أخرى، لكن ما يعزيني هو الأمل بالعودة كل عام».

يقول عنه صديقه "مناضل خليل يونس" اللاعب في نادي "الجزيرة"، الذي رافقه طوال مشواره الرياضي: «"سيمون زارو" ابن بلد أصيل، وله أيادٍ بيضاء في النادي والمجتمع الجزراوي، عاشق للرياضة ونادي "الجزيرة" و"سورية" على الصعيد الرياضي، وهو قلب دفاع صلب كان يلقب بصخرة الدفاع، لا أذكر أنه غاب عن أي مباراة إلا بسبب الإصابة. أما على الصعيد الإنساني، فحدّث ولا حرج، من تبرعات للنادي ومساعدة الرياضيين المصابين، ودعم المدارس الرياضية؛ فهو مهووس بحب النادي و"الحسكة"».

أما "حميد عمر إبراهيم" اللاعب السابق في نادي "الجزيرة"، وصديق الكابتن "سيمون زارو"، فيقول: «هو مثلي الأعلى إنسانياً ورياضياً، إنسان محب جامع للناس على مختلف مشاربهم، وهو أفضل قلب دفاع لعب في النادي من وجهة نظري، و(أبو الفقير) بتعامله وطيبته ونخوته».