السنوات البعيدة التي عاشتها المحطة القديمة بمدينة "القامشلي" كانت حافلة بحركة الناس والتنقل الداخلي والخارجي، وتعدّ أهم محطة في المنطقة، واليوم باتت منتجعاً للرحلات والذكريات الجميلة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 26 أيلول 2017، زارت المحطة القديمة في "القامشلي" وفتحت صفحة ولادتها وجميع التفاصيل المتعلقة بها، من خلال حديث أحد كبار السن في المنطقة، والمؤرخ لتاريخها "أنيس حنا مديوايه"، الذي قال: «أنشأت المحطة عام 1910، حافظت على تميزها وأهميتها لسنوات طويلة، بل صنفت كأفضل محطة على مستوى المحافظة برمتها، فقد كانت نقطة العبور إلى دولتي "العراق" تحديداً إلى "بغداد"، وإلى "تركيا" من خلال المرور بعدة مناطق. وكان القطار ينقل مختلف البضائع من وإلى البلد، وخصصت عربات للشحن وأخرى لنقل المسافرين، وكان هناك نوعان من الرحلات للمسافرين: رحلة بالعربات العادية، والأخرى عن طريق "الأوتومتريس"؛ أي القطار السريع، وهو عبارة عن عربة واحدة فقط، مهمتها الوصول إلى مدينة "حلب" بسرعة. الزمن لم يكن يستغرق أكثر من ثلاث ساعات، أمّا القطار العادي، فزمن وصوله يحتاج إلى ثماني أو عشر ساعات، حسب التدقيق والتفتيش في بعض النقاط، وجميع الرحلات مهما يكن نوعها ومهمتها كانت تدخل الأراضي التركية، ثم تعود إلى الأراضي السورية إن أرادت الوصول إلى مدينة "حلب"».

سافرت كثيراً عبرها إلى مدينة "حلب"، كانت الوسيلة الوحيدة الآمنة للنقل في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، حيث إن السيارات عبر الطريق البري كانت تخطئ مسارها لأن الطريق لم يكن معبداً، وقد ضاع المسافرون فيها مرات كثيرة، هذا إلى جانب المتعة والهدوء في رحلات القطار، والتعرف إلى أشخاص كثر من "العراق" و"تركيا" ومختلف المدن السورية، فعبر المحطة القديمة، عبر آلاف الناس إلى تلك البقاع التي ذكرت، وربما إلى بلدان أخرى. كانت صفحة جميلة وحدثاً مهماً من تاريخ مدينتنا. أمّا نهاية تلك الرحلات، فقد كانت مع بداية الستينات، وأهالي المدينة والمنطقة يعدّونها فسحة جميلة لقضاء أوقات من الراحة والاستجمام حولها وبجانبها، خاصة أن الطبيعة التي حولها خضراء وجميلة جداً

ويضيف عن تفاصيل أخرى لتلك المحطة: «سافرت كثيراً عبرها إلى مدينة "حلب"، كانت الوسيلة الوحيدة الآمنة للنقل في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، حيث إن السيارات عبر الطريق البري كانت تخطئ مسارها لأن الطريق لم يكن معبداً، وقد ضاع المسافرون فيها مرات كثيرة، هذا إلى جانب المتعة والهدوء في رحلات القطار، والتعرف إلى أشخاص كثر من "العراق" و"تركيا" ومختلف المدن السورية، فعبر المحطة القديمة، عبر آلاف الناس إلى تلك البقاع التي ذكرت، وربما إلى بلدان أخرى. كانت صفحة جميلة وحدثاً مهماً من تاريخ مدينتنا. أمّا نهاية تلك الرحلات، فقد كانت مع بداية الستينات، وأهالي المدينة والمنطقة يعدّونها فسحة جميلة لقضاء أوقات من الراحة والاستجمام حولها وبجانبها، خاصة أن الطبيعة التي حولها خضراء وجميلة جداً».

الكاتب ملكون ملكون

أمّا الكاتب "ملكون ملكون"، فحدثنا عن تلك المحطة، وقال: «على أطراف مدينتي الجميلة، كانت المسافة مثقلة بالغبار تحملنا في سيارات لنبلغ الموعد غير المستقر لرحلة "الأوتومتريس"؛ وهي عربة لا تحمل مواصفات القطار الطويل بعرباته المتعددة، بل كانت عربة واحدة طويلة حمراء اللون، تسميتها غريبة، وصفيرها غريب، لكننا كنا نركبها بكثير من الفضول والدهشة والاستغراب. عندما كنا نَمُرُّ صغاراً في الأراضي التركية حيث "القطار الأحمر" يجتازها ليصل بنا إلى "حلب"، كان النوم يجافي عيوننا، التي تتعلق بالشبابيك حيث العسكري التركي متجهم الملامح، يرمقنا بنظرات جامدة، والبيوت يعلوها القرميد الأحمر في شكل جديد للبيوت لم نألفه من قبل، وحيث محطات القطار في المتسع التركي بحجارتها السوداء وجرسها اليدوي وصفير حارس المحطة وقبعته الزرقاء. كل ذلك كان يشدنا للنظر والتمعن، مع أنَّه لم يكن يسمح لنا بالنزول في المحطات للاستراحة أو إشباع فضولنا وإرواء دهشتنا، إلا أننا كنا نستمتع كثيراً في هذه الرحلة العجيبة، وعلى حدود سكتها كان الأطفال ينتظرون فيما سبق القطار البخاري الذي كان يجر خلفه العربات المتنوعة وقاطرات السفر للقادمين من "الهند" و"العراق" وغيرهما، لأنه قطار الشرق السريع، فكان الهنود ينزلون في أرض المحطة ليطحنوا الفلفل الحار الأحمر ويأكلونه بالخبز، هذه المحطة كانت صلة "القامشلي" بالتاريخ والجغرافية، فأصبحت خارج الخدمة، وأصبحنا نتلذذ بذكرياتها فقط».

حال المحطة القديمة اليوم