قطعة نحاسيّة صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، تنقلت بين القرى المتناثرة في مناطق "الجزيرة السورية"، حملت الكثير من القصص والذكريات التي احتفظ بها كبار السنّ، ويرددها الشباب في أمسياتهم؛ "الميزان المتجوّل" الذي لم يتبقَّ منه سوى عدد محدد في البيوت التي تهتم بالتراث.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 25 آب 2017، التقت أحد كبار السن من ريف "اليعربية" "محمد عبد السالم العلي"، الذي تحدث عن ذكرياته مع الميزان المتجول، فقال: «قبل ستين عاماً وأكثر، كان رجلاً في الخمسين من عمره، يأتي باستمرار إلى قريتنا والقرى المجاورة، ويحمل كيساً في يده، ضمن الكيس يكون الميزان، وفي كيس آخر المواد التي قام بشرائها من المناطق الأخرى، الجولة لم تكن للبيع والشراء فقط، فذلك الرجل المتجوّل ارتبطنا معه بعلاقات اجتماعية انتقلت إلى أسرته وأهله ضمن قريتنا وجميع القرى التي تحيط بنا، وأكثر من ذلك، فقد كان ينام في منازلنا، ويتناول الطعام والشراب معنا، وكأنه فرد من أفراد الأسرة، إضافة إلى أداء مهمته الرئيسة في شراء ما يمكن شراؤه، وحصراً تكون القطعة مناسبة للميزان؛ أي لا تكون ثقيلة أو كبيرة الحجم، فقد كانت معه أوزان معيّنة، ولا تزن إلا ما يناسب حجم الميزان المتجوّل، وأكثر من مرّة بعت بعض الخرز الذي كنت أملكه، لم تكن تتجاوز سعر الواحدة أكثر من ليرتين سوريتين».

مع بداية الثلاثينات تمّ استخدام هذا الميزان في القرى، كان هناك عدد من الأشخاص يقومون بحمله والذهاب إلى القرى القريبة والبعيدة من أجل شراء قطع ومواد معيّنة، مثل: "أسنان الذهب، الخرز، إكسسوارات، مسابح صغيرة"، وأكثر شيء كان يتم شراؤه أسنان الذهب، فغرام الذهب لم يكن يتجاوز 250 ليرة سورية حينئذٍ، والرجل الذي امتهن هذه المهنة كان يتجه إلى عدة قرى في جولة واحدة، ينام هناك ويغيب عن منزله لأيام طويلة، وبعد عودته يتجه إلى الأماكن الخاصة بتلك القطع التي اشتراها ليبيع ما قام بشرائه، كانت هناك قطع ثمينة، كبعض أنواع الخرز؛ يحافظ عليها، ولا يقوم ببيعها

بدوره "إدمون صليبا" أحد الأشخاص الذين تعاملوا مع الميزان كثيراً، وأكثر خبرةً بتفاصيل عمله، تحدّث عنه بالقول: «مع بداية الثلاثينات تمّ استخدام هذا الميزان في القرى، كان هناك عدد من الأشخاص يقومون بحمله والذهاب إلى القرى القريبة والبعيدة من أجل شراء قطع ومواد معيّنة، مثل: "أسنان الذهب، الخرز، إكسسوارات، مسابح صغيرة"، وأكثر شيء كان يتم شراؤه أسنان الذهب، فغرام الذهب لم يكن يتجاوز 250 ليرة سورية حينئذٍ، والرجل الذي امتهن هذه المهنة كان يتجه إلى عدة قرى في جولة واحدة، ينام هناك ويغيب عن منزله لأيام طويلة، وبعد عودته يتجه إلى الأماكن الخاصة بتلك القطع التي اشتراها ليبيع ما قام بشرائه، كانت هناك قطع ثمينة، كبعض أنواع الخرز؛ يحافظ عليها، ولا يقوم ببيعها».

بعض أوزان الميزان

ويتابع الحديث عن تفاصيل أخرى عن الميزان: «كان الميزان يصنع في مدينة "حلب"، ويصل إلى مدينتنا، وهناك أنواع أخرى كانت تأتي من "مصر"، وجميعها من النحاس، كانت لها أوزان صغيرة جداً مصنوعة من الكروم الأصلي، تعطي وزناً عالمياً دقيقاً للغاية، وأوزانها كالتالي: نصف غرام، 2 غرام، 5 غرامات، 10 غرامات، 20 غراماً، وهناك وزن سنتيمتر أيضاً. وقد حافظ على أداء واجباته لأكثر من 30 عاماً، وانتهت جولاته في الريف بعد صناعة ميزان العقرب، مع نهاية عام 1955، لكن لابدّ من الإشارة إلى أن الميزان الذي أملكه تم الحصول عليه في الأربعينات، وهو الوحيد الآن في مدينة "القامشلي"، لكن حتّى اليوم أحتاج إليه وأقوم باستخدامه من أجل وزن بعض الأشياء الخاصة، ولا يمكن لأي ميزان آخر تعويضه، خاصة عند البحث عن الدقة العالية في الوزن».

إدمون صليبا