يشبه المؤرخون والآثاريون مدينة "نصيبين" بالنجمة التي سطعت في التاريخ، حيث ذاع صيتها على مرّ الزمن كبركان ثائر، إلا أنه خمد بكثير من الحزن.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 8 نيسان 2017، التقت "أيهم إسماعيل حمدوش" المحاضر في كلية الآثار، ليحدثنا عن تاريخ المدينة، فقال: «"نصيبين" مدينة تاريخية في الجزيرة الفراتية العليا، وتعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهي على الأرجح مدينة آرامية تحمل اسم "نصيبينا"، وتعدّ مركزاً تجارياً لمرور القوافل من بلاد "آشور وفارس" إلى البحر المتوسط، وترجع تسميتها إلى اللغة السريانية، وتعني بالعربية "النصبات" أو الغرسات المنصوبة؛ لأن "نصيبين" مغروسة على ضفاف نهر "جقجق".

فتح العرب "نصيبين" عام 18 هجري، 693 ميلادي على يد "عياض بن غنم" و"حبيب بن سلمى الفهري"، وبعد وفاة "عياض بن غنم"، ولي أمرها لـ"سعيد بن عامر بن جزيم"، وأصبحت إحدى مدن "ديار ربيعة"، وضرب فيها العديد من النقود خاصة في العصر الأموي، وكان شأنها شأن "حران"، و"الرها"، وظلت في العصر العباسي مزدهرة تغنى بها العديد من الشعراء، مثل "أبو نواس"، الذي قال فيها: (طابت نصيبين لي يوماً وطبت بها... يا ليت حظي من الدنيا نصيبين). كما ذكرها "الشريف الإدريسي" حين زارها، وكتب عنها كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، حيث قال: «"نصيبين" مدينة "ديار ربيعة"، وهي مدينة كبيرة في مستو من الأرض، ذات أسوار عامرة ومقاصد وتجارات، وبها فعلة وصناع وطرز لصنع الجيد من الثياب، ولها مياه كثيرة، وجلّ مياهها من شعب جبل يقرب من شمالها يسمى "بالوسا"، وهو أنزه مكان يعرف بها، وتنتشر تلك المياه إلى بساتينها ومزارعها، وتدخل إلى كثير من قصورها ودورها، بها أقاليم وضياع حسنة عظيمة السائمة والكراع دارة الغلات والنتاج

عاش فيها الأسقف والعالم "إلياس النصيبي" الذي ألف كتاب "المجالس"، كما عاش فيها القديس "مار يعقوب النصيبي"، والعلامة القديس "مار أفرام السرياني" الذي أنشأ جامعة "نصيبين"، أو "مار يعقوب النصيبي"، التي كانت تعلم العلوم الفلسفية واللاهوتية والرياضيات والعلوم الإنسانية.

من آثارها

هي مدينة عريقة وموغلة بالقدم، جاء اسمها في الأسفار الإلهية، وكذلك عند اليونان، ووصل اسمها إلى "إفريقيا"، وعندما أصبحت منارة علم ومعرفة سمّاها السريان "ديو لفينا"؛ أي أمّ العلوم، أو "سوكلا"؛ أي "مدينة المعارف"، و"أما ملفنا"؛ أي "أمّ المعلمين"، وكذلك كانت تدعى "تخوما"؛ أي "مدينة الحدود"؛ لأنها الحد بين المملكتين الرومانية والفارسية. وللمدينة موقع رائع ومهم؛ فهي مرتبطة بطريق يصل إلى "الرها"، وآخر يصل إلى "أربيل"، ومنه إلى "الخليج العربي" وصولاً إلى "الهند"، كذلك ترتبط بـ"منبج" و"حلب" و"دمشق" و"تدمر" و"فلسطين"، فهي موقع تجاري واقتصادي مهم. ويعود تاريخ بنائها إلى الألف الثاني قبل الميلاد، فقد مرّ عليها "الآشوريون والبابليون والآراميون والأكاديون والبارثيون، والسلوقيون والرومان والفرس والأرمن"، ثم العرب».

ويضيف "الحمدوش": «اشتهرت بجامعتها التي أُسّست في أواخر القرن الرابع الميلادي على يد أسقف المدينة "يعقوب النصيبي"، لكنها بلغت الأوج عندما تولاها أستاذها القدير "مار أفرام السرياني"، وجعل فيها قواعد وأنظمة تشمل المدرسين والطلاب، ثم فتح فيها مستشفى تابعاً للجامعة يعالج الطلبة والمدرسين. وعندما غزاها "الفرس" انتقلت الجامعة إلى "الرها"، ثم عادت إلى "نصيبين" عام 491م. ومن أشهر أساتذتها: "نرساي"، و"وبرصوما"، و"إبراهيم ويوحنا آل ريان"، وعادت الجامعة إلى ألقها على يد مديرها الشاعر "نرساي" من خلال المناهج وطرائق التدريس، والتنظيم والمتابعة ومدة الدراسة التي تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات حسب نوع الدراسة. أما عدد طلابها، فقد بلغ 800 طالب.

الدكتور نوري العباس

والآن يوجد فيها متحف ضخم لمختلف الحضارات التي تعاقبت عليها، إضافة إلى موقع المدينة بين نهري "دجلة" و"الفرات"، وملاصقتها لمدينة "القامشلي"؛ وهذا جعل منها منطقة سياحية مهمة.

أما أهم آثارها الباقية، فهناك سور بناه الرومان، وما زالت آثاره موجودة، وفيها "كنيسة مار يعقوب النصيبي"، ودير "ما أوجين" على جبل "إيزلا" المجاور للمدينة، ودير الشهيدة "فبرونيا" الذي تحول إلى جامع "زين الدين"».

الباحث أيهم حميدوش

أما الباحث الدكتور "نوري مصطفى العباس"، فيقول عن مدة الحكم العربي للمدينة: «فتح العرب "نصيبين" عام 18 هجري، 693 ميلادي على يد "عياض بن غنم" و"حبيب بن سلمى الفهري"، وبعد وفاة "عياض بن غنم"، ولي أمرها لـ"سعيد بن عامر بن جزيم"، وأصبحت إحدى مدن "ديار ربيعة"، وضرب فيها العديد من النقود خاصة في العصر الأموي، وكان شأنها شأن "حران"، و"الرها"، وظلت في العصر العباسي مزدهرة تغنى بها العديد من الشعراء، مثل "أبو نواس"، الذي قال فيها: (طابت نصيبين لي يوماً وطبت بها... يا ليت حظي من الدنيا نصيبين). كما ذكرها "الشريف الإدريسي" حين زارها، وكتب عنها كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، حيث قال: «"نصيبين" مدينة "ديار ربيعة"، وهي مدينة كبيرة في مستو من الأرض، ذات أسوار عامرة ومقاصد وتجارات، وبها فعلة وصناع وطرز لصنع الجيد من الثياب، ولها مياه كثيرة، وجلّ مياهها من شعب جبل يقرب من شمالها يسمى "بالوسا"، وهو أنزه مكان يعرف بها، وتنتشر تلك المياه إلى بساتينها ومزارعها، وتدخل إلى كثير من قصورها ودورها، بها أقاليم وضياع حسنة عظيمة السائمة والكراع دارة الغلات والنتاج».