كان قدر قرية "غسان" وعشرات القرى المجاورة لها أن تتعرّض للسيول الجارفة في شتاء عام 2012، فتغرق منازلها، وتقلع أشجارها، لكن بهمّة أهلها وتعاونهم وتعاضدهم عادت إلى الحياة.

مدوّنة وطن "eSyria" وخلال زيارتها لقرية "غسان" التابعة لريف "تل حميس"، التي تبعد عن مدينة "القامشلي" 90كم، بتاريخ 13 كانون الثاني 2017، رصدت روح الحياة والإخاء التي تعمّ القرية، على الرغم من النكسة التي أصابتها، فكانت الوقفة مع تلك الحادثة التي تكررت في عام 2004، من خلال أحد كبار السنّ "سعيد خلف المحمّد"، الذي قال: «تعدّ حادثة غرق قريتنا عجيبة وغريبة، لم تحصل من قبل، والسبب في ذلك، أننا في مواجهة جبال "سنجار" العراقية، وتلك السيول الجارفة قدمت من تلك الجبال بصورة عجيبة، وبيوتنا بنيت من الطين؛ وعملية الجرف أمر سهل.

الواقعة كانت في شهر نيسان عام 2012 تحديداً، استهدفت تلك المياه قرية "غسان" وتسبّبت بالكثير من الأضرار لها ولعشر قرى أخرى مجاورة، توجّهنا على الفور ككادر طبي إلى القرية المذكورة، وذلك اليوم كان عيد الميلاد؛ أي عيدنا، لكنني تركت كل شيء جانباً، وفكرت بالجانب الإنساني، في كثير من المواقف كان الخطر قريباً منّا، يبقى الأهم أننا خلال وجودنا وعلى مدار ثلاثة أيام متواصلة، حقّقنا الكثير من النتائج، خاصة للأطفال، فالكثيرون منهم كادوا أن يغرقوا، لم تهدأ النفوس التي تصدّت للمساعدة، وما أكثرهم، إلا عندما زال الخطر عن قرية "غسان" وجميع القرى التي حلّت عليها سيول جارفة من البلد المجاور

هذه الواقعة حصلت عام 2012، وقبل ذلك التاريخ أيضاً في عام 2004، حكماً كانت الخسائر في كل شيء، لكن الأهم والمتوقع من أبناء المحافظة عامةً، أنهم توجهوا على الفور إلى موقع الحدث من شتى المناطق والبلدات والأحياء، وقدموا المساعدة، فهناك من قدم من الريف البعيد بحافلته في سبيل إسعاف الجرحى، وخاصة الأطفال، وبعضهم الآخر قدموا من مسافة بعيدة ليصطحبوا بعض الأسر من قريتنا إلى منازلهم، مع تقديم كل ما يلزم من طعام ودواء وملابس، كل تلك المبادرات ليست بجديدة على منطقتنا، وخففت كثيراً من المصاب على قريتنا، وشعرنا بأننا أسرة واحدة من أقصى الشمال إلى الجنوب، بل إنّ تلك الحادثة كانت سبباً لتمتين علاقاتنا الاجتماعية، وهي باقية حتّى يومنا هذا».

الجبال الشاهقة التي تواجه القرية سبّبت الفيضانات

أمّا "غالب العبّاس"، فتحدّث عن تجربته مع حدث غرق قرية "غسان" بالقول: «في ذلك اليوم كنتُ في قريتي التابعة لمدينة "القامشلي"، لم أتردد على الفور بتحريك حافلتي، والتوجه بها إلى مكان الحدث، عرّضت نفسي للتعب والإرهاق والمغامرة والمخاطر؛ فقد كان ارتفاع المياه عالياً جداً، لكنني لم أتردد بإخراج أي طفل أو امرأة بالدرجة الأولى وحمايتهم من التعرض للغرق، لأنهم الأكثر ضعفاً في مثل هذه الحالات، ثمّ كانت وجهتي إلى أقرب نقطة طبيّة، في سبيل الاطمئنان عليهم وعلى حالتهم الصحية والجسدية. توافد المئات إلى المنطقة، حتّى من الشيوخ والنساء، بطريقة عفوية، وكان هدف الجميع المساعدة، وتقديم العون، وتخفيف المصاب على الأهالي، وجدنا لوحات جميلة، رسمها وفرضها أبناء "الجزيرة السورية"، بكل أطيافها وألوانها، اعتبروا الوجع في كل منزل وحي واحداً».

"شوشنيك غازريان" من الكوادر الطبيّة التي وصلت إلى مكان الحدث في سبيل تقديم الخدمة الطبيّة، تحدّثت عن المشاهد التي رصدتها بالقول: «الواقعة كانت في شهر نيسان عام 2012 تحديداً، استهدفت تلك المياه قرية "غسان" وتسبّبت بالكثير من الأضرار لها ولعشر قرى أخرى مجاورة، توجّهنا على الفور ككادر طبي إلى القرية المذكورة، وذلك اليوم كان عيد الميلاد؛ أي عيدنا، لكنني تركت كل شيء جانباً، وفكرت بالجانب الإنساني، في كثير من المواقف كان الخطر قريباً منّا، يبقى الأهم أننا خلال وجودنا وعلى مدار ثلاثة أيام متواصلة، حقّقنا الكثير من النتائج، خاصة للأطفال، فالكثيرون منهم كادوا أن يغرقوا، لم تهدأ النفوس التي تصدّت للمساعدة، وما أكثرهم، إلا عندما زال الخطر عن قرية "غسان" وجميع القرى التي حلّت عليها سيول جارفة من البلد المجاور».

شوشانيك غازريان

"سعد ناصر الهايل" من مزارعي القرية، بيّن عن حالها بعد الغرق قائلاً: «بعد أيام قليلة من موجة الفيضان وانتهاء الأزمة، عاد الأهالي إلى منازلهم فوراً، وتعاون الجميع في سبيل ترميم المنازل، أو إعادة الإعمار لمن تهدّم منزله؛ فالبيوت طينية وقابلة للانهيار بسرعة. بالتزامن مع ذلك توجّه الأطفال إلى مدرستهم، والنساء إلى ممارسة أعمال المنزل والأرض. وكل أسرة توجهت إلى شراء ما يلزمها من تربية الطيور والأنعام، لأنها ضرورية في كل قرية، إلى جانب التوجه إلى الأرض وزرع كافة المحاصيل التي كانت تزرع فيها، وهي: "القمح، والشعير، والحمّص"، إضافة إلى زراعة أصناف جديدة من المحاصيل، منها: "الكمون، والكزبرة، وحبة البركة". لم تمضِ أيام حتّى عاد الرونق الجميل إلى القرية وناسها، وعادت الحياة تدبّ فيها».