تبدأ القصة في مدينة "القامشلي" بصحن صغير يحوي أكلة خاصة بأحد الأهالي وينقل منها طفل إلى الجيران ليعود بالصحن نفسه لكن بمحتوى مختلف يخص الجيران؛ لتكون قصة اجتماعية عمرها مئات الأعوام بين سكان المنطقة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 11 حزيران 2016، رصدت أجواء شهر رمضان المبارك في "القامشلي" والحالات الاجتماعية الإيجابية التي يعكسها كل عام، والتي حدثنا عنها الحاج "سرور خليل خلف" بقوله: «توافد إلى مدينتنا خلال السنوات الماضية أهالي مناطق سورية مختلفة؛ وهو ما كوّن ظاهرة تعدّ بحد ذاتها لوحة اجتماعية نادرة وجميلة، ليكون الهدف عند الجميع أن تبنى علاقات اجتماعية مع كلّ الأسر، وتضاف طقوس اجتماعية عرفتها المدينة عبر مئات السنين؛ فالبيوت المتلاصقة مع بعضها الموجودة في حي واحد تتبادل الولائم فيما بينها، ومن أهم مبادئ سكان الحي الحرص بالدرجة الأولى على أن يقدموا للضيف الجديد الساكن حديثاً الطعام، حتى تكون فرصة للتعارف، كما أن البيت الذي يستقبل وجبة من الطعام مهما يكن نوعها أو كميتها، فإن البيت الآخر يبادره بذات البادرة في ذات اليوم أو الذي يليه عبر عادة درجت بين أهالي "القامشلي"، وعادةً تعاد الوليمة بذات صحن الجار، والهدف من ذلك أن تكون فرصة الرجل للجلوس في المنزل والتعرف إلى أهله وناسه، ثم بناء علاقة محبّة مع جيران جدد، وهذه الظاهرة المتعلقة بتبادل الولائم في رمضان عادة قديمة، لكنها تأصلت وازدادت نسبتها وباتت عرفاً في هذه الأيام، فهناك وليمة تقدم يومياً عند أحد أبناء الحي ويقوم بدعوة أبناء حيّه، والكثير من الأسر غير المسلمة تنجز الولائم في شهر رمضان لأصدقائها المسلمين. ومن أهم الطقوس الدارجة لدى السكان تناول الإفطار في أحضان الطبيعة خلال هذا الشهر».

مؤخراً سمعنا أن أسرة من مدينة "حلب" استقرت في حي "الكورنيش" الذي نقيم فيه، فطلبتُ من نساء الحي أن يجتمعن من أجل تقديم التهنئة لهم بالاستقرار في منطقتنا وحينا، ومع حلول شهر رمضان المبارك في سبيل كسر كل حواجز الخجل أيضاً بيننا وبين الأسرة الجديدة، قمتُ بتجهيز أكلة من أجل إفطار اليوم الأول، وحددتُ كمية مناسبة تكفي لأفراد أسرتنا والأسرة الجديدة، وذهبتُ بنفسي إلى منزلهم وقدمتها لهم لتعزيز المحبة والأخوة، وربة الأسرة لم تتركني أغادر إلا بعدما سكبت في صحني ما أنجزته لإفطار أسرتها، حينها شعرنا بأن "الخبز والملح جمعنا"، وهو تأكيد على أن الأسرتين أسرة واحدة في الأفراح والأحزان وتبادل الزيارات في المناسبات، وكانت إعلاناً بأنها "جزء منّا وفينا"

ربة المنزل "سلوى محمّد علي" من سكان مدينة "القامشلي"، تحدثت عن قصّة التعارف مع عائلة جديدة من محافظة "حلب" عبر حديثها التالي: «مؤخراً سمعنا أن أسرة من مدينة "حلب" استقرت في حي "الكورنيش" الذي نقيم فيه، فطلبتُ من نساء الحي أن يجتمعن من أجل تقديم التهنئة لهم بالاستقرار في منطقتنا وحينا، ومع حلول شهر رمضان المبارك في سبيل كسر كل حواجز الخجل أيضاً بيننا وبين الأسرة الجديدة، قمتُ بتجهيز أكلة من أجل إفطار اليوم الأول، وحددتُ كمية مناسبة تكفي لأفراد أسرتنا والأسرة الجديدة، وذهبتُ بنفسي إلى منزلهم وقدمتها لهم لتعزيز المحبة والأخوة، وربة الأسرة لم تتركني أغادر إلا بعدما سكبت في صحني ما أنجزته لإفطار أسرتها، حينها شعرنا بأن "الخبز والملح جمعنا"، وهو تأكيد على أن الأسرتين أسرة واحدة في الأفراح والأحزان وتبادل الزيارات في المناسبات، وكانت إعلاناً بأنها "جزء منّا وفينا"».

أصدقاء ينتظرون الإفطار على أنغام الطبيعة

وكان لابنة مدينة "دير الزور" "خولة نور السعيد" المقيمة في مدينة "القامشلي" منذ عامين، حديث عن تلك المبادرات الطيبة عبر حديثها بالقول: «كانت لي مبادرة في أول أيام الشهر الفضيل بتقديم الوجبة التي جهزتها لإفطارنا بتوزيعها على جميع البيوت الملاصقة والقريبة من منزلنا، فبادرت على وجه السرعة لأرد إلى جيراني الوفاء الذي قدموه، والمحبة التي تعاملنا بها معهم، ففي أول استقرارنا توافد كل أبناء الحي إلينا من أجل عرض خدمات التعاون والمساعدة في أي مجال وجانب نحتاج إليه، وبالنسبة إلى صحن الأكل مهما تكن قيمته المادية بسيطة، فإنّ قيمته المعنوية كبيرة جداً، وأكثر من امرأة عاودت بالصحن بأكلة أخرى إلى بيتنا، حيث يكون الجلوس لمدة من الزمن نتبادل فيها الأحاديث، ومن خلال ذلك تعرف الصغار إلى بعضهم والفتيات الكبار أيضاً والرجال حتى تكوّنت بيننا علاقة اجتماعية قوية كان سببها المباشر صحن صغير، هذه العادة بدأ الصغار يعشقونها، فطفلتي الصغيرة وعند أذان المغرب تطلب مني أخذ صحن مهما يكن مضمونه من الأكل لتأخذه إلى جيراننا، لأنها تعرفت إلى طفلتهم الصغيرة».