يحفل تاريخ الشعوب بقصص تمتد لآلاف السنين يُعاد إحياؤها وفق طقوس رمزية، وقرية "الجسر" القريبة من "المالكية" تشتهر بقصة "حانو قريثو" التي يحرص أهلها على إحيائها منذ سنين طويلة.

موقع eHasakeh زار قرية "الجسر" الواقعة في الشمال الشرقي من سورية بتاريخ "4/2/2012"، والمتاخمة للحدود السورية التركية وعاد لكم بهذا التقرير عن قصة "حانو قريثو"، بداية لقاءاتنا كانت مع الباحث والمؤرخ "يعقوب حنا" أحد أبناء القرية الذي قال: «نحتفل كل عام في قرية الجسر بقصة "حانو قريثو" التي تعد من أقدم القصص والأساطير في التاريخ السرياني في بلاد الشام، والحقيقة أن هذه القصة وما يرافقها من طقوس؛ تتشابه مع عدد من القصص الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية -بلاد الشام بشكل عام- وطقوسها كذلك تتشابه مع عدد من الطقوس لمناسبات أخرى، وأقصد هنا موضوع عروس الخشب (الدمية) التي تدور القرية.

تقوم فرقة "دقلث" بإحياء طقوس الاحتفال سنويا بتقديم الدبكات "السريانية "الفلكلورية، أما عن طقوس الاحتفال فتتلخص بأنه في الأحد الذي يسبق الصوم الأربعيني الكبير، يصنع أهالي القرية تمثالاً على هيئة صليب من الخشب ويلبسونه لباس فتاة ثم تقوم فتيات القرية العذارى بالطواف على البيوت جميعاً ويجمعن الطعام الشعبي المعروف "البرغل والبيض واللحم" ويطبخنه ويأكل منه الجميع تبركاً، وفي نهاية الاحتفال تقوم الفتيات بدفن تمثال "الحانو قريثو" مع شيء من الطعام وفي أثناء الدوران تغنى أغنية: "حانو قريثو"

ففي بعض المناطق الموجودة في الجزيرة السورية وبعض قرى الساحل السوري نجد أن الأهالي يقومون بصنع دمية خشبية يلبسونها لباس عروس، ويجمعون الطعام عندما يتأخر نزول المطر، وفي قرى "طور عبدين" السريانية في "تركيا" وقرية "الجسر" السورية يتم الاحتفال بأسطورة "حانو قريثو" قبل البدء بالصوم الأربعيني، حتى إن الذين نزحوا وهاجروا من "طور عبدين" حملوا معهم هذه المناسبة كعادة وتقليد شعبي واحتفال لاستقبال الصوم الكبير إلى كل المناطق التي سكنوها، وبعضهم نقلها إلى مختلف بلدان العالم».

طواف الفتيات على بيوت القرية

ويتابع "حنا" قائلاً: «القصة كما وصلتنا من الأجداد شفاهاً هي قصة أحد ملوك "بيث نهرين" تحديداً في منطقة "طور عبدين" كان يمنى بالهزائم المتتالية، وحينما تحقق له انتصاره الأول عاهد نفسه أمام جيشه بتقديم قربان للآلهة على أن يكون أول شخص من يصادفه في عودته إلى المدينة هو القربان، ولسخرية الأقدار كان أول من استقبله هي ابنته "حانا" فكان لا بد من التضحية بها، وتقبلت الابنة قرار الملك الجبار، ولكنها طلبت منه إمهالها أربعين يوماً تتوجه هي ورفيقاتها إلى قمم الجبال وتفرح وتسعد بهذا النصر قبل أن تُقدم قرباناً للآلهة».

ويستطرد "حنا" بالقول: «جمعت "حانا" رفيقاتها من فتيات المدينة العذارى، اللواتي جمعن الكثير من أنواع البقوليات والخضار والبيض وغيرها من المأكل والمشرب، وخرجوا إلى قمة الجبل القريب وهناك بدأ الاحتفال أربعين يوماً وأربعين ليلة عندما اقتربت أن تنتهي هذه الأيام الأربعين، طلبت "حانا" من رفيقاتها أن يقيموا لها تذكاراً كل عام في نفس المكان تخليداً لذكراها، ومن ثم عادت لوالدها فأخذ السيف وقطع رأس ابنته "حانا"، وعاماً بعد عام كانت الفتيات يجتمعن ويأخذن معهن الأكل والشراب ويذهبن إلى ذلك المكان الذي أقاموا عليه احتفالاتهم تذكارا لصديقتهم "حانا"، ومن الطبيعي أن رفيقات "حانا" بعد مرور السنوات قد تزوجن وتوزعن في مناطق ومدن وقرى "طور عبدين" ولم ينسين أبداً هذا الوعد وأخذن يقمن هذا الاحتفال حيث كن متزوجات، فانتقلت هذه العادة من منطقة إلى منطقة ومن جيل إلى جيل حتى وصلتنا».

اعداد طعام الحانو قريثو

وأضاف "حنا" بالقول: «البعض يعتبر أن قصة "حانو قريثو" تتشابه مع بعض القصص الموجودة في العهد القديم، ويستدلون على ذلك بالروايات التي تشير إلى أن والد "حانو قريثو" هو "يفتاح الجلعادي" الذي حارب بني "عمون" وقصته مذكورة في أحد أسفار "العهد القديم"، والبعض يشير إلى أن هذه القصة مرت بجملة من التغييرات لعل أهمها حصل عندما جاءت المسيحية إلى مناطق "طور عبدين"، حيث تم افراغ هذه الحكاية من محتواها الوثني وأعطيت محتوىً مسيحياً فجعلت "حانا" التي تلفظ باللهجة الغربية "السريانية"، أصبحت تنسب إلى ابنة كاهن ووضعت لها هذه الأغنية التي تطرب أسماعنا على مر الأجيال "حانو حانو قريثو برثت قاشو ميثو"، كما ورد ذكر للقصة كإسقاط معاصر في مجموعة "زهرات برية" للقاص الفلسطيني "تيسير محسن"».

وللأديب والصحفي "حسن م يوسف" الذي شهد أحد احتفالات "حانو قريثو" هذه الكلمات التي نشرها في صحيفة الوطن السورية عن نفس الموضوع والذي الهمنا البحث عنه والتعمق: «عندما نكون في سورية نَجِدُنَا نمتزج مع التاريخ ذاته، فكل ذرة من ترابها هي حرف مضيء في سِفْرِ الإنسانية الخالد، فسورية بلد عريق كالزمن متجدد مثله وهو إلى ذلك متعدد الطبقات والثقافات حتى ليكاد يستعصي على الإفهام، في قرية "الجسر" التي تقع في أقصى الشمال الشرقي من سورية وجدت نفسي أمام أسطورة سورية حية تتجسَّد عمرها آلاف السنين هي "الحانو قريثو"، التي يمكن القول إنه في الوقت الذي كثير من احتفالاتنا الشعبية فقدت عفويتها والكثير من دلالاتها، من يصدق إنه يوجد لدينا في أقصى الشمال الشرقي من سورية أسطورة عمرها آلاف السنين تنبعث حية كل عام؟».

من احتفال حانو قريثو

ولمعرفة طقوس الاحتفال الذي يقام سنويا في قرية "الجسر" التقينا السيد "نضال يعقوب" مدير فرقة "دقلث" الفلكلورية الذي قال: «تقوم فرقة "دقلث" بإحياء طقوس الاحتفال سنويا بتقديم الدبكات "السريانية "الفلكلورية، أما عن طقوس الاحتفال فتتلخص بأنه في الأحد الذي يسبق الصوم الأربعيني الكبير، يصنع أهالي القرية تمثالاً على هيئة صليب من الخشب ويلبسونه لباس فتاة ثم تقوم فتيات القرية العذارى بالطواف على البيوت جميعاً ويجمعن الطعام الشعبي المعروف "البرغل والبيض واللحم" ويطبخنه ويأكل منه الجميع تبركاً، وفي نهاية الاحتفال تقوم الفتيات بدفن تمثال "الحانو قريثو" مع شيء من الطعام وفي أثناء الدوران تغنى أغنية: "حانو قريثو"».

تغنى في هذه الاحتفالات سنوياً أغنية مشهورة تبدأ: "حانو حانو قريثو برثت قاشو ميثو.."، وقد أصبحت تغنى ملحنة عام /1995/، -وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأغنية تتحدث عن "حانو قريثو" كونها ابنة القسيس وليست كابنة للملك-، وقد أشار المؤلف "جوزيف أسمر" - صاحب كتاب "الغناء السرياني من سومر إلى زالين" "القامشلي"- إلى ذلك بالقول: «يُعتقد أن أسطورة "حانو قريثو" لها علاقة بطقوس وصلوات "الاستسقاء" حيث كانت الفتيات يطفن بيوت القرية حاملين عروساً خشبية عليها ملابس جميلة تُهدى لها، مرددين بعض أغاني "الاستسقاء السريانية"، ويرش عليهم أصحاب كل بيت يقفون أمامه الماء، ويقدمون للموكب ما هو موجود لديهم من "البرغل والسمن والبيض والقلية أي اللحم المقدد وغيرها"، ثم تجمع المواد لتطبخها أمهر سيدات القرية في الطبخ، ويأكل الحضور قسماً ويُوزع قسم على البيوت ويتم وضع قسم في صحن ثم يدفن في الأراضي الزراعية على أنه حصة "حنة"، ثم يدورون حول الكنيسة مرددين ثانية أغاني "الاستسقاء" وبعد انتهاء الاحتفال يعودون إلى بيوتهم، وقد تمت إضافة أبيات جديدة للأبيات الأربع القديمة المتناقلة شفهياً عبر الأجيال، تحكي قصة راعٍ أحب فتاة ورغب بالزواج منها، ألف كلمات الأبيات المُضافة المؤلف الموسيقي "جورج شمعون" ولحنها الموسيقار السرياني "حبيب موسى" وغناها الفنان "نينيب لحدو عبد الأحد" عام 1995 لأول مرة، وتقول كلمات الأغنية:

"حانو حانو قريثو برثت قاشو ميثو.. (حنة حنة يا ابنة القرية يا ابنة القسيس الميت)

كليثو بيقرنيثو شره حاصو مصليو نيثو.. (واقفة في الزاوية مفكوكة الزنار)

بابخ ليكو ازالي ازالي الهفشي.. (والدك أين ذهب ؟ لقد ذهب للحظيرة)

موطيلان طشيي لدانو دعصربي.. (ليجلب له مغزلاً، لوقت المساء)

تالخ حانو حليثو مليلخ عال بريثو.. (تعالي يا حنة القرية لقد ملأت علي الدنيا)

أي حوبو داترينا هويو خدي تشعيثو.. (حبنا نحن الاثنين أصبح مثل القصة)

أو دربو قومينا بشمعيى قايثو.. (الطريق أمامنا بالشموع مضاء)

وأبنوثي كوزمري لعينوثخ ايحليثو.. (الناس يغنون لعينيك الجميلتين)

ان هاتي درحمتلي فاقير و كدميدتلي.. (إن كنت تحبينني فقيراً ستتزوجيني)

دمت لموريذخ زوزي دنقدو لتلي.. (تخبرين أهلك أن ليس عندي مهر)

شواع إشني كونو طارنو روعيو جدوينو.. (سبع سنوات أنتظر، راعياً صرت)

بابخ دوبي بهرو لمخ كدمرظينو.. (أن أعطي والدك الضوء، أمك سأرضي)

رمحل كدكورينا مشتوثو كد سيمينا.. (غداً سنتزوج وعرساً سنقيم)

رقذو داكتفوثي بيدو كرقذينا.. (رقصاً بالاكتاف في البيدر سنرقص)

بيتو كبونينا ناعيمي كموطينا.. (بيتاً سنبني وأولاداً سننجب)

ميدوثخ احلي هي هي كدخلينا.. ( من يديك الحلوتين "هي هي" -أكلة شعبية- سنأكل)

ميشروغو دوزيتو كرخينا بكل بيتو.. (بسراج زيت سنطوف كل بيت)

زمرينا ليحانو ميدينا مدكيتو.. (سنغني لحنة ونأخذ مما تيسر)

رمحل مكلو دبرغل وي سفرو ليعريتو.. (غداً أكل برغل، والسفرة "المائدة" للظهيرة)

مدلي ميني سومي ليحانو دخلو حليثو.. (أخذت منه قسماً لحنة المسكينة لتأكل)».

كما يمكن الاستماع للأغنية عبر هذين الرابطين حيث الرابط الأول للأغنية بصوت الفنان "عزيز صليبا"، والرابط الثاني للأغنية بصوت الفنان "نينيب عبد الأحد".

http://www.a-olaf.com/~olaf/music/Aziz_Saliba/Hano_Qretho.mp3

http://www.syrianoz.com/ii/catplay.php?catsmktba=94