يقال لكلِ عهد رجال أشداء، يسطرون تاريخهم المجيد بعبق نخوتهم وهمتهم في طرد المحتل من بلدهم ووطنهم، يكرسون أجسادهم ودماءهم في خدمة استقلال بلادهم وشعبهم، والتاريخ السوري يتغنى بعدد كبير من هؤلاء الابطال والوطنيين الشرفاء الذين ما قبلوا إلا أن تكون تضحياتهم شعلةً منيرة في درب التحرير من المستعمر، ولم تكن محافظة "الحسكة" بمنأى عن إخراج أبطال تغنت بهم تلك الأمجاد، والحديث اليوم عن أحد رجالاتها "خليل بك إبراهيم باشا المللي".

وللحديث عن هذه الشخصية التقى موقع eHasakeh بتاريخ 17/4/2011 "عبد الإله باشا" الولد الأصغر والمتبقي الوحيد من أولاد "خليل بك" على قيد الحياة ليحدثنا قائلاً: «"خليل بك" من مواليد 1888 ابن "إبراهيم باشا المللي" الذي كان يحكم ما بين النهرين إبان الحكم "العثماني" بدولة شبه مستقلة، وما يميز والدي أنه عاصر الاستعمارين "العثماني" و"الفرنسي" وكان قائدا للجيوش الحميدية برتبة عقيد، ولكن لتمرد والده على "الاتحاديين" الذين انقلبوا على السطان "عبد الحميد" وحدوث خلافات بينهم، قام "الأتراك" بعزل والده وصدور فرمان بحقه عام 1908 سجن على أثرها جميع أولاده ومنهم "خليل بك" الذين كان يافعاً آنذاك، وبعدها تم إطلاق سراحهم بتدخل والدته "خنسة الباشا" لما تحمل من ميزة وهو لقب "الباشا" ذو الشأن المعتبر عند "الأتراك"».

"خليل بك" من مواليد 1888 ابن "إبراهيم باشا المللي" الذي كان يحكم ما بين النهرين إبان الحكم "العثماني" بدولة شبه مستقلة، وما يميز والدي أنه عاصر الاستعمارين "العثماني" و"الفرنسي" وكان قائدا للجيوش الحميدية برتبة عقيد، ولكن لتمرد والده على "الاتحاديين" الذين انقلبوا على السطان "عبد الحميد" وحدوث خلافات بينهم، قام "الأتراك" بعزل والده وصدور فرمان بحقه عام 1908 سجن على أثرها جميع أولاده ومنهم "خليل بك" الذين كان يافعاً آنذاك، وبعدها تم إطلاق سراحهم بتدخل والدته "خنسة الباشا" لما تحمل من ميزة وهو لقب "الباشا" ذو الشأن المعتبر عند "الأتراك"

وعن حياته وحروبه تابع "عبد الإله" قائلاً: «في عام 1914 خاض والدي "خليل بك" الحرب العالمية الأولى بصفوف الجيش "العثماني" بعد أن عادت العلاقة بينهم، وسار بجيش قوامه 1500 نفر في حرب "البلقان" ليحرر مدينة "آدرنة" التركية ويعود بعدها إلى منطقته ومسقط رأسه "ويران شهر" ليشتد الاحتدام بينه وبين الاتحاديين، وليستطيع إنقاذ نفسه وإخوته من بطشهم طلب من صديقه "مرسل باشا" والي "ديار بكر" أن يرسل بطلب للأستانة بأن "خليل بك" سيقوم بقتل إخوته وتولي الزعامة منهم، وطبعاً كان هذا مخططاً له ليستطيع أن يعود بعدها مع إخوته إلى منطقتهم في الجزيرة السورية، وبالفعل نجحت الخطة قبل تشكيل الدولة السورية المستقلة، وبقيت الحروب ممتدة بينهم وبين الاتحاديين الذين لاحقوهم بجيوش كبيرة ودارت معارك بينهم امتدت من "تركيا" حالياً حتى مشارف "دير الزور" لأن كل هذه المناطق كانت تابعة للولايات "التركية" وعدم إقامة الحدود بعد، وعندما بدأت نوايا الاتحاديين تظهر بأخذ مكان الخلافة "العثمانية" والزحف باتجاه الجزيرة حاول "الانكليز" عن طريق وزير خارجيتهم "ماجرنويل" من قبل "سايكس" الذي كان له علاقات قديمة مع والده "إبراهيم باشا" التقرب من والدي ولكنه رفض هذه المساعدة، بعدها قامت "فرنسا" بإرسال مراسلات للمساعدة مع الجنرال "دولوموند" وكان شرط المساعدة فقط طرد الاتحاديين من "الجزيرة السورية" إلى جبال "طوروس" وبالفعل تم إخلاء "الاتحاديين" وتحرير منطقة "الجزيرة السورية" و"الرقة" و"حلب" منهم، ولكن بعد أن كشفت نوايا "الفرنسيين" باستعمار "سورية" تحول "خليل بك" للمقاومة في وجه "الفرنسيين"».

خليل بك باشا يحمل أوسمة, ووشاح أمية على صدره

أما عن مسيرته الوطنية بوجه الاستعمار "الفرنسي" في "سورية" فقال "عبد الإله": «كان والدي من مؤسسي الكتلة الوطنية وتشكيل الدولة "السورية" وعين كنائب عن منطقة الجزيرة العليا، كما كان من أوائل أعضاء البرلمان السوري عام (1928) ممثلاً عن العرب والأكراد إلى جانب "سعيد اسحق" ممثلاً عن المسيحين، وبهذا تفرغ للنضال السياسي في وجه الاستعمار "الفرنسي" بحكم أن منطقة الجزيرة لم تكن صالحة للقتال العسكري اسوةً بباقي المحافظات "السورية" التي تتمتع بجغرافية الجبال والوديان والسهول حيث هناك سهولة بمواجهة الاستعمار عسكرياً.

كما له علاقات حميمية مع الثورات السورية ومتصل معها وداعماً لها وكان من أبرز الشخصيات المقربة له من الوطنين الأحرار "جبلي البدو" و"شكري القوتلي" الذي قلده وشاح "أمية" في الثلاثينيات كوسام وطني هام لم يتقلده إلا قلة من الوطنين، وكان ودوداً للناس ويريد الخير لمحافظته، حتى له موقف بأنه قام بالتعاون مع "سعيد اسحق" وعدد من وجهاء المنطقة بطرد عدة مسؤولين في المحافظة لأنهم لم يخدموا المنطقة بالشكل المطلوب وكانوا مقربين من "الفرنسيين" واشترط بوضع مسؤولين من ابناء المحافظة، وكانت مواقفه هذه تزيد من ضغوطات المستعمر عليه حتى إنهم كانوا يهددونه بتسليمه للدولة "التركية" التي كانت قد حكمت عليه بالإعدام، ولكن رغم كل التهديدات "الفرنسية" لم يأبه "خليل بك"، ويكمل مسيرته حتى طرد المستعمر، وهناك وثيقة رسمية ضده من الحكومة "الفرنسية" بأنه وطني ويدعم الثورات المقاومة للاستعمار، واعتمد والدي على النضال السياسي ومساعدة الناس ودعم الثورات من بعيد لأن أية مواجهة مباشرة مع الفرنسيين ليست من صالحهم خاصةً أن الحكومة "التركية" تترقب تسليمه مع عائلته لهم فكانت عائلتنا بين فكي كماشة، الاستعمار "الفرنسي" من امامهم و"الاتراك" الاتحاديين من خلفهم».

عبد الإله خليل بك باشا

يضيف "عبد الإله": «كان "خليل بك" رجلاً سياسياً بامتياز وكان يدرس واقع المنطقة جيداً وهمه الأوحد أن يحافظ على الأرواح وكان معظم الناس في "رأس العين" يشاورونه من العقلاء، وهو أول من طرح الأفكار الصناعية والتجارية في "رأس العين" كما قام بفتح أول سينما في المنطقة في "رأس العين" بالإضافة إلى أنه كان يجيد ثلاث لغات "الكردية" و"العربية" و"التركية"، وبحكم شخصيته المعروفة كان يعطي الناس بطاقات ثبوتية إذا اراد أحدهم السفر وهذه البطاقة مختومة من قبله تشبه وثيقة معترف بها لكونه نائبا برلمانيا عن كل "الجزيرة"، وفي تلك الفترة كان "الإنكليز" يحاولون التقرب منه لطرد "الفرنسيين" ولأنه كان يعرف نواياهم الاستعمارية لم يتعامل معهم، وبقي يناضل ضد "الفرنسيين" حتى جاء عرس الجلاء عام (1946) ليستقيل بعدها عن السياسة ويقطن في "حلب" تاركاً العمل الوطني لأولاده».

وعن سيرة العائلة نضالياً وملحمة من ملاحمهم حدثنا المحامي "محمد علي محمود بك" قائلاً: «نضال العائلة يبدأ من جدي الأكبر "إبراهيم باشا المللي" حيث بعد ضغط الأتراك الأحرار على السلطان عبد "الحميد الثاني" استنجد السلطان بالبعض من الباشوات بينهم جدي حيث كان السلطان يثق به كثيراً، فحاول جدي السير من "دمشق" إلى "الآستانة" عن طريق البحر المتوسط لإنقاذ السلطان وخليفة المسلمين من محنته لكن لم يتسن له أن يحقق ما يريد، لأن "الأتراك" الأحرار والمطالبين بالدستور اعتقلوا السلطان وأودعوه السجن قبل وصول "إبراهيم باشا" الذي كاد يعتقل ايضاً في "دمشق" من قبلهم لولا أن أخذه "عبد الرحمن باشا" الكردي إلى بيته واستضافه إلى طعام العشاء، ثم حذره مما يدبر له، فسارع جدي إلى إخراج جنوده ورجاله من المدينة وهربوا من "دمشق" ليلاً متوجهين نحو الجزيرة، لتلاحقهم الجيوش "التركية" من "حلب" و"ماردين" و"الرقة" و"الموصل"، ودارت بين الطرفين معارك متواصلة إلى أن تمكن الباشا ورجاله من اجتياز نهر "الفرات" والوصول إلى "ويرانشهر" عاصمة الملان الشهيرة، ومن هناك اضطروا إلى حمل أمتعتهم واللجوء إلى جبل "سنجار"، وفي الطريق خيم مع رجاله وأولاده في قرية "صفيا" الواقعة على بعد خمسة عشر كيلومتراً شمالي مدينة "الحسكة"، وما لبث أن توفاه الله وتم دفنه في "صفيا"، لتنتهي بموته الإمارة "المللية" والتي لم تقم لها قائمة بعده، واولاده هم "محمود بك" و"تمر بك" و"إسماعيل بك" و"عبد الرحمن بك" و"خليل بك" الأخير الذي يعود له الفضل في إنقاذ "بدوي الجبل" من حكم الإعدام من "الفرنسيين"».

السيد "عيسى إبراهيم" من سكان مدينة "رأس العين" تولد 1934 يقول عن "خليل بك": «كان رجلا وطنيا مشهودا له يحب الخير لبلده ناضل ضد استعمارين في حياته، حتى يقال إنه في سنوات الغلاء بعد الحرب العالمية الأولى فتح مخبزين في "رأس العين" وقام بتوزيع الخبز للناس بالإضافة إلى إطعام عدد كبير من المحتاجين في منطقة الجزيرة حتى لقب بـ"أبو الهيال" وتغنوا عنه بأشعارهم، (كرموا وكرمهم هبال... كرمتهم كرم أبو الهيال)، وأذكر حين وفاته عام 1965 تم رفع العلم "السوري" ودفن كما دفن الأبطال والوطنيون الكبار، حتى شغل موته اهتمام "الأتراك" بحكم أنه خاض حروبا سابقة مع "العثمانيين" وزارت وفود سورية وتركية رسمية مجلس عزائه وتم فتح بوابة مدينة "رأس العين" ثلاثة اشهر».