"رأس العين" مدينة تحاكي التاريخ بقدمها وبجذورها الضاربة في الأعماق، حيث يعود تاريخها إلى آلاف السنين قبل الميلاد، تقع شمال محافظة "الحسكة" على الحدود السورية- التركية، وهي النقطة التي يعبر منها نهر الخابور إلى الأراضي السورية. تتميز بموقعها الاستراتيجي حيث تبعد مسافة 85 كم عن مدينة "الحسكة"، و90 كم عن مدينة "القامشلي" وتبلغ مساحتها 23 ألف كم مربع.

موقع eHasakeh ولمعرفة المزيد عن مدينة "رأس العين" التقى المهندس "عبد الرزاق محمد العزيز" رئيس مجلس مدينتها الذي حدثنا بالقول: «"رأس العين" جنة من جنان الأرض في "الجزيرة" السورية، فهي تحتضن تاريخاً عمره ستة آلاف عام، تقع شمال مدينة "الحسكة" على بعد 85 كيلو متراً، وتجاور الحدود التركية شمالاً، وتبلغ مساحتها 560 هكتاراً، ويبلغ عدد سكانها 58 ألف نسمة، وهي ممتدة على خط العشرة الغني.

للمدينة أهمية كبيرة من حيث موقعها الزراعي والصناعي، يغلب عليها الطابع العشائري، ولكن أجمل ما يميزها هو وجود فسيفساء سكاني رائع، حيث يقطنها خليط من "العرب- الأكراد- الشيشان- التركمان- الأرمن- السريان- المردلية"».

مدخل راس العين

وعن سبب تسمية "رأس العين" قال "العزيز": «يُقال إن تسمية "رأس العين" جاءت لوقوعها على أكبر منابع نهر الخابور الذي كان ينقل تجارتها إلى مدن ما بين النهرين، كما تقوم الآن بنقل المياه عبر الآبار إلى مدينة "الحسكة". اشتهرت "رأس العين" بأسماء عديدة قديماً مثل: "تل الفخيرية" و"اشو كاني" و"غوزانا" و"عين الورد" و"قطف الزهور"».

وعن المكتشفات الأثرية التي حظيت بها المدينة قال: «عثر فيها على العديد من المكتشفات الأثرية التي دلت على أن إنسان "رأس العين" كان متقدماً في أساليب حياته الزراعية.

المهندس "عبد الرزاق محمد العزيز"

فقد عُثر على أختام تعود لعصر المملكة "الميتانية" الكبرى، إضافة إلى قطع من البرونز كالعقود والأساور والخواتم من العصر "الآرامي"، كما تم العثور على مقبرة تعود لعهد "كامارا" عثر فيها على قطعة تمثل صحيفة رقيقة من الذهب كانت توضع على فم الميت لمنع الأرواح الشريرة من الولوج إلى جسده، ووجدت أيضاً علبة من العاج محلاة بخيوط ذهبية وفي داخلها خمسة أقسام يحوي احدها طلاء أحمر وإلى جانب العلبة أداة فضية صغيرة لمد الطلاء.

واكتشفت بعثة ألمانية عام 1955 بقايا معبد يرجع إلى العصر "الآشوري" الأول، إضافة إلى مصنوعات عظمية وعاجية وكؤوس لها قواعد متقنة الصنع من العهد "الآشوري" الأوسط، وأدوات خزفية من العهد "الآشوري" الجديد، ثم عثرت بلدية "رأس العين" أثناء عمليات حفر كانت تقوم بها على تمثال من الحجر البازلتي الأسود طوله متران وله لحية طويلة يعود إلى العهد "الآشوري" أيضاً».

منظر عام لرأس العين

وعمّا تقدمه البلدية من خدمات للمواطنين القاطنين في "رأس العين" يقول "العزيز": «إن ميزانية البلدية خمسون مليون وستمئة ألف مخصصة لمجال الصرف الصحي بمساحة 65 كيلو متراً، وحالياً تم تنفيذ استبدال 6 كيلو مترات من الشبكة القديمة بمادة "البوليتيلين" المساعدة على تقوية الأراضي الجوفية من الانهدامات والتكهفات.

أما الموازنة الاستثمارية فقد بلغت 12 مليوناً و600 ألف، كما تم تنفيذ المنطقة الصناعية والانتهاء من بناء سوق للأغنام وأصبح الآن جاهزا للاستثمار، وهناك 700 محل تجاري، بالإضافة لوجود 14 حديقة مساحتها 100دونم، وفيها 4 مدارس ثانوية، و4 إعداديات، و9 ابتدائيات».

وبيّن معلم اللغة العربية "خلف الساير" عن الكتابات التي وردت في التاريخ عن "رأس العين": «تحدث "الإدريسي" في كتابة "نزهة المشتاق" أن "رأس العين" مدينة كبيرة فيها نحو ثلاثمئة عين ينشأ منها نهر "الخابور". أما "ياقوت الحموي" في كتابه "معجم البلدان" فقال: "هي مدينة مشهورة من مدن "الجزيرة" بين "حران" و"نصيبين"».

وعن التنوع المعيشي والعلاقات الاجتماعية في "رأس العين" حدثنا مختار حي الكنائس ومدير دائرة النفوس في فترة السبعينيات السيد "أنطوان بغدي" قائلاً: «إن الحياة في هذه المدينة الغريبة والنادرة في تناغمها العميق وانسجام كافة أطيافها تجمع بينهم روح أخوية صادقة لا يفرق فيها بين "دين أو مذهب أو طائفة أو عرق أو معتقد" فالعلاقات متأصلة بين جميع الأطياف يتشاركون في الأفراح والأحزان وحتى الأعياد، ودائماً تبنى العلاقات على أساس تربية بيئية واحدة ليس فيها أية شوائب تعكر صفوتها وكل هذا كان بحكم طبيعة المنطقة والانفتاح الأخلاقي الذي كان موجود على مستوى العائلات الموجودة والعشائرية وبحكم الطبيعة الخلابة التي كانت تولف جو المحبة والتسامح والإخاء، وخاصةً المدارس التي كانت بعضها مختلطة حيث كان يوجد 3 مدارس خاصة تضم كافة مكونات مجتمع "رأس العين" لتشكل لوحة خلابة وتألف صادق لم يعرف سوى الإخلاص، وبهذا استطاعت "رأس العين" في بيئة واحدة أن تحافظ على عراقتها بكافة أطيافها».