كثيرة هي الأحداث والقصص التاريخية التي تحفظها ذاكرته، والتي يزيد عمرها على قرن وأكثر، فقد رصد جرائم المحتل الفرنسي، ودوّن مراحل الزراعة بكافة أطوارها، مع قصص اجتماعية عديدة ما زالت متناقلة من جيل إلى آخر.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 6 حزيران 2018، زارت قرية "العطشان" التي تبعد 60 كم عن مدينة "القامشلي"، التقت "الحسناوي العلي" الذي يعدّ من أكبر المعمّرين على مستوى المنطقة في الوقت الحالي، لينقل لنا أحداثاً وقصصاً كثيرة عاشها، ووصل عمرها إلى القرن، مستعيناً في نقل الحديث بولده "إبراهيم الحسناوي" بسبب وضعه الصحي، حيث يقول: «والدي من مواليد عام 1913، كان مثله مثل باقي الأهالي في تلك الفترة، غير مستقرين في منطقة معينة، كانوا متنقلين للبحث عن المراعي المناسبة، وبقي كذلك حتى الخمسينات، حيث استقر في قريته الحالية، وشهد وجود الاحتلال الفرنسي، وتحدّث لنا مراراً عن قصصه القاسية وتعامله الإجرامي، إلى جانب حديثه عن الانتفاضة الشعبية في وجه المحتل بشتى الطرائق. ومنذ اليوم الأول لوجود الفرنسيين، كان بينهم، وشارك مع جدنا بعدّة عمليات، أبرزها استهداف طائرة فرنسية في قرية "تل علو" التابعة لبلدة "اليعربية"، فتسببوا بتضرر الطائرة، وبسببها تعرضوا للمطاردات والتعذيب، استمروا على هذه الصورة حتّى طرد المحتل من المنطقة. أمّا في مجال الزراعة، فلم يترك وسيلة للزراعة والحراثة منذ القديم البعيد، إلا واستخدمها في الأرض، فقد حرثها بالبغال، وحصد بالمنجل و"الجرجر"، مع استخدامه للعربات الخشبية، التي لم يبقَ لها أي وجود الآن في المنطقة».

كان "الحسناوي" يتمتع بصحة جيدة، وقليلة هي المرات التي زار فيها الطبيب، فهو يهتم بصحته وأكله وحياته كثيراً، باستثناء الكتلة الشحمية التي ظهرت منذ مدة عند فمه، وتمنعه من الكلام، ومع ذلك يسير ويسهر، ويتعامل مع الناس بكل سلاسة

ويتابع "إبراهيم" سرد ذكريات بعيدة لوالده، ويقول: «يتحدث كثيراً عن حالة التعاون المثالية التي كانت تجمع أبناء المنطقة بعضهم مع بعض، خاصة في مجالي الزراعة وتربية الأنعام، فزراعة الأرض سابقاً كانت تتطلب جهداً مضاعفاً وكبيراً، وساعات طويلة في العمل، فكافة مراحل العمل كانت بجهد الفلاح، ووالدي يُشهد له بحبه للأرض، وإخلاصه لها، فقد كان يحرث باليد الأرض البور لمسافة 50 متراً دفعة واحدة، ومن دون أن يرفع رأسه، ويتابع العمل بزراعتها من خلال الأداة التي تجرها البغال، وهي أيضاً تتطلب جهده، لذلك طوال ساعاته كان في الأرض ومعها، إلى جانب الاهتمام الكبير بالأنعام والطيور، وهي نكهة الريف سابقاً وحالياً.

يحافظ على وجوده بين الناس

أمّا الحادثة الأخرى التي نقلها لنا، وتعدّ حادثة نادرة، فهي سقوط الثلج عام 1916 بكثافة غير مسبوقة، فتسبب بعدم قدرة الأهالي على تحضير طعامهم وتقديم الطعام والماء للأنعام مدة ثلاثة أيام، تحملوا العطش والجوع والبرد، خاصة وهم في خيم متنقلة. وكانت لديه زيارات دائمة لأي بيت أو نقطة يشهد خلافاً أو يحتاج إلى صلح بين المتخاصمين، وتلك الحالات كانت نادرة جداً، المحبة كانت في أعلى درجاتها بين الأهالي».

ويضيف: «كان "الحسناوي" يتمتع بصحة جيدة، وقليلة هي المرات التي زار فيها الطبيب، فهو يهتم بصحته وأكله وحياته كثيراً، باستثناء الكتلة الشحمية التي ظهرت منذ مدة عند فمه، وتمنعه من الكلام، ومع ذلك يسير ويسهر، ويتعامل مع الناس بكل سلاسة».

الحاج "حميد سليمان الهايل" من أهالي ريف "اليعربية" بيّن جوانب من ذكرياته مع المعمّر "الحسناوي"، ومما قاله: «وجدته في الأرض لسنوات طويلة، يعمل فيها بطريقة مثالية، قدّم لها جهداً رائعاً، فأثمر نتاجه، وقريته ومنطقته استفادت من تجربته الزراعية، هذا إلى جانب أعماله الخيّرة الكثيرة، التي يتناقلها الأهالي، سمعنا عنه الكثير من القضايا الإنسانية والمجتمعية طوال سنوات عمره الطويلة، وحتى يومنا هذا يبادر إلى واجبات المنطقة المجتمعية، ويشجع أبناء قريته على عمل كل ما هو خيّر ومبارك».

يذكر أن "الحسناوي" لديه ابن واحد وست بنات، و65 حفيداً.