لم يسأم تكاليف الحياة بعد أن تعدى الثمانين حولاً، ولم تزده السنون إلا عتقاً، على الرغم من نوائب الدهر. وما زالت الكتابة هاجسه، ورائحة الورق عشقه السرمدي.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع القاص "عبد الغني الرحبي" ليحدثنا عن تجربته الأدبية، فقال: «بعد عقود سبعة مع حرفة الأدب، أرى أن الكاتب يجب أن يكون متأثراً ومؤثراً بالبيئة التي ينتمي إليها، ويلحظ كل صغيرة وكبيرة، يشعر بحزن الناس وفرحهم، ويرصد الأمل والألم، وفي بعض الأحيان يجب أن ينبّه الكاتب إلى الحلول لبعض المشكلات الاجتماعية، ويختار أقصر الحلول للوصول إلى هدفه؛ لذلك فضلت القصة القصيرة.

عرفت "الرحبي" منذ خمسة عقود؛ كان شغوفاً بالقراءة، ومحباً للعلم، وكاتب قصة قصيرة وفناناً، وإن كان نتاجه قليلاً، لكنه بلا شك جميل. تمكّنه من اللغة العربية أفاده، تابعته مدرّساً ومديراً لثانويات عديدة، ومحاضراً فذاً وصحفياً بارعاً، وناقداً لا يجرح بل يداوي، وفي كل مجال عمل به كان النجاح حليفه

والمعروف أن الكاتب ينهل من معين لا ينضب، ألا وهو الواقع، لكنه بحاجة إلى زوادة من المعرفة والقراءة، فكما الموسيقا بالنسبة إلى العازف الغذاء الروحي، كذلك يجب أن تكون الثقافة بالنسبة للكاتب، إضافة إلى الاطلاع على تجارب الآخرين والتيارات الأدبية المختلفة».

الباحث نوري مصطفى

وعما إذا كان قد تأثّر بأحد، أو ورث ذلك من أحد، يضيف: «علمياً لم يثبت أن هناك جيناً خاصاً بالأدب، ولا توجد عائلات أدبية، لكن توجد بيئات حاضنة لهذه البذرة تنشأ في تربة خصبة يصدر عنها الإبداع الفني. ولكل شخص فلسفته في الحياة، لكن الأديب والفنان هما الأكثر حساسية، يبنيان صومعتهما الفكرية ويعيشان في عالم لا مادي، ويسبحان بأفكارهما، وينسجان قصصهما وشخوصهما، ويحبكان أحداثها حسب ما تجود به نفسيهما؛ لذلك عشقت حرفة الأدب التي باتت ملاذي الآمن من نوائب وعثرات الزمن، وبقيت -على الرغم من خبراتي الأدبية والعمر الطويل- عاشقاً للقصة القصيرة ووفياً لها، وأراها تناسب عقلي وفكري أكثر من الرواية التي لا أقلل من شأنها، لكنني أشعر بأن القصة القصيرة تفي بالغرض المنشود الذي أكتب لأجله».

وينصح "الرحبي" جيل الشباب، بالقول: «القراءة نور يسبغ على الفكر حلة من المعارف، وهي سياحة العقل بين آثار الفكر الإنساني؛ فالقراءة نور يجلو صدأ القلوب، وأثرها أنفع من المال وأعظم من الجاه، وهي تجوال الفكر مع العلماء والأدباء، إنها سفينة تعبر بك من لجة إلى أخرى حتى ترسو على شاطئ المعرفة. والقراءة ليس المقصود منها قراءة الصحف والمجلات فحسب، بل قراءة الكتب التي تشحذ المواهب وتقضي على الفقر الفكري، وتصنع الإنسان، ويتوهج فكره ويسير بخطى واسعة نحو الحضارة. يقول "شيشرون" الخطيب الروماني: (الكتب غذاء الشباب وبهجة الشيخوخة؛ فهي الزينة أيام الإقبال، وهي الرجاء في الساعات السود، رفاق لا تملهم في الليل أو أثناء السفر). هي نصيحتي لجيل الشباب حاملي الراية من بعدنا، نحن "أمة أقرأ"، فلتكن الثقافة والعلم ديدنكم، و"سورية" بلد أعطى البشرية حروفاً لتقرأ، فكونوا على قدر سوريتكم».

الباحث الدكتور "نوري مصطفى" تحدث عن الأثر الذي تركه الأديب "الرحبي" بالقول: «عرفت "الرحبي" منذ خمسة عقود؛ كان شغوفاً بالقراءة، ومحباً للعلم، وكاتب قصة قصيرة وفناناً، وإن كان نتاجه قليلاً، لكنه بلا شك جميل. تمكّنه من اللغة العربية أفاده، تابعته مدرّساً ومديراً لثانويات عديدة، ومحاضراً فذاً وصحفياً بارعاً، وناقداً لا يجرح بل يداوي، وفي كل مجال عمل به كان النجاح حليفه».

يذكر أن "عبد العني خالد الرحبي" من مواليد "دير الزور" عام 1933، متزوج ولديه أحد عشر ابناً. تخرّج في جامعة "دمشق"، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، عمل مدرّساً لمادة اللغة العربية في "الميادين"، ومديراً لثانويتي "البحتري" و"عبد المنعم رياض"، ومدرّساً في معهد إعداد المعلمين لمادة اللغة العربية، وله محاضرات بالأدب والقصة القصيرة والتراث، ومقالات صحفية نقدية في صحيفة "الفرات"، ومجلة "العربي" الكويتية، ورئيس تحرير مجلة "منارة الفرات" الثقافية، وله مجموعة قصصية واحدة بعنوان: "خيط العنكبوت".