لم يكن "الجزري" متفوقاً على نظرائه من المخترعين فحسب، بل كان مبدعاً وخلاقاً وقارئاً للمستقبل بعين العالم الحاذق، فبعد مئات السنين تدرس أبحاثه في الهندسة والميكانيك في أهم الجامعات الأوروبية. وما زال اختراعه للساعة الفلكية نموذجاً حياً، إضافة إلى الأجهزة الميكانيكية والهدروليكية التي تم تطويرها لاحقاً.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 كانون الأول 2017، التقت الباحث "أيهم اسماعيل حمدوش" ليحدثنا عن نشأة المهندس والمخترع "الجزري"، فقال: «هو "بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري"، والملقب بـ"الجزري"، ولد سنة 1136م، وتوفي 1206م في جزيرة "ابن عمر" الواقعة في الشمال الشرقي من "سورية".

هو عالم قل نظيره، سابق لعصره، عاش في زمن "صلاح الدين الأيوبي"، وتهيأت له الظروف والإمكانات للإبداع والنبوغ، وكان كبير المهندسين في عصره، ساهم في إبراز الإمكانات العلمية والثقافية للعلماء العرب، وتبقى ساعته التي اخترعها بتقنية عالية لن يسبقه إليها أحد في العالم، والتي أنجزت الساعات الحالية على مسارها، نموذجاً في إبداعاته العديدة في مجال الهندسة والميكانيك

يعد من أبرز المخترعين والمهندسين العرب، وما زالت أبحاثه ومؤلفاته تدرّس في جامعات العالم، وقد عمل كرئيس المهندسين في "ديار بكر" أو "آمد" شمال الجزيرة الفراتية، وحَظِيَ برعاية حكام "ديار بكر" من بني أرتق، ودخل في خدمة ملوكهم مدة خمس وعشرين سنة، وذلك ما بين 570هـ -1174م، فأصبح كبير مهندسي الميكانيك في البلاط. ويعدّ "الجزري" أحد أعظم المهندسين والميكانيكيين والمخترعين في التاريخ، وقد حقق شُهرَةً وعظمةً من خلال كتابه الشهير "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل"، الذي يعدّ الأطروحة الأهم في الهندسة الميكانيكية في التراث العربي الإسلامي، وقد أثار هذا الكتاب اهتماماً بالغاً من قبل مؤرخي التقنيات ومؤرخي الفن كذلك. إضافة إلى إنجازاته كمخترعٍ ومهندسٍ، كان فناناً بارعاً، فمخطوطاته التي مازالت باقية إلى الآن تزود القارئ بتعليمات مفصلة عن جميع اختراعاته وتوضحها باستخدام لوحات مصغرة، حتى يتمكن من إعادة بناء هذه الاختراعات، وهذا هو الأسلوب الخاص بالفن الإسلامي في القرون الوسطى. وقد اعترف عدد كبير من علماء الغرب بأن الكثير من تصاميم الآلات التي ابتكرها قد نقلت إلى "أوروبا"، وأنَّ التروس القطعية ظهرت أول مرة في مؤلفات "الجزري"، وأنها لم تظهر في "أوروبا" إلا بعد "الجزري" بقرنين في ساعة "جيوفاني ديدوندي" الفلكية عام 1364م».

الباحث "أيهم حميدوش"

ويضيف "الحمدوش": «يقول عنه "دونالد هيل" المؤرخ الأكاديمي والمختص في الميكانيك والهندسة الإسلامية: (من المستحيل أن نتجاهل أهمية عمل "الجزري" في تاريخ الهندسة، وحتى عصرنا الحالي).

كما قام بتصنيع العديد من الأجهزة الميكانيكية والهيدروليكية، حيث يمكن رؤية أثر هذه الاختراعات في تصاميم المحركات البخارية ومحركات الاحتراق الداخلي؛ وهو ما مهد الطريق لتقنيات التحكم الآلي والآلات الحديثة الأخرى. وبفضل هذه الاختراعات العظيمة له فقد لقب بـ"أبي الهندسة". أما كتابه "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل"، فيصف فيه "الجزري" خمسين جهازاً بالتفصيل، تم تصنيفها إلى ست فئات أساسية:

  • عشر ساعات مائية وشمعية (معتمدة على الشمع).

  • عشرة أوعية وأشكال مناسبة من أجل الشرب.

  • عشرة أباريق وأحواض للوضوء.

  • عشر نوافير تغير شكلها بالتناوب، وآلات الفلوت.

  • 5. خمس آلات لرفع المياه.

    6. خمس أجهزة متنوعة.

    تمَّ وصف كل جهاز أو شكل بلغةٍ عربيةٍ بسيطة وسهلة الفَهم، ويرفق مع الوصف أشكال ورسومات توضيحية ملونة لتسهل على القارئ فهم أي شيء متعلق بالجهاز».

    أما "عروة عبد الحميد" الباحث بالشأن التاريخي، فيقول: «هو عالم قل نظيره، سابق لعصره، عاش في زمن "صلاح الدين الأيوبي"، وتهيأت له الظروف والإمكانات للإبداع والنبوغ، وكان كبير المهندسين في عصره، ساهم في إبراز الإمكانات العلمية والثقافية للعلماء العرب، وتبقى ساعته التي اخترعها بتقنية عالية لن يسبقه إليها أحد في العالم، والتي أنجزت الساعات الحالية على مسارها، نموذجاً في إبداعاته العديدة في مجال الهندسة والميكانيك».