لم يفارق اسمه ذاكرة أبناء المنطقة، وأفعاله في شتى المجالات راسخة بكل إجلال وحب، قدّم في مجال الطب، ودوّن وكتب الشعر.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 2 تشرين الثاني 2017، فتحت صفحة الدكتور "قاسم مقداد جميل باشا"، الذي قدّم الكثير من الأعمال الجليلة في منطقته، منها الطب بمجالاته الشاسعة، وخدمات خيرة كثيرة خلال حياته، حدثنا عن بعضها صديقه "أنيس حنا مديوايه"، ومما قاله: «فارقت ومثلي الآلاف صديقاً مخلصاً لمدينتنا ومنطقتنا، كان يقضي أوقاتاً طويلة عندي، عرفته عن قرب، فهو إنسان مثالي، وشخص نذر نفسه للناس وخدمتهم، ولد في أسرة مشهود لها على مستوى بالمنطقة بالجود والخير. يُعدّ الدكتور "قاسم" من أهم أركان تلك الأسرة التي أنشأ لها شجرة خاصة، إلى جانب تفوقه الدراسي منذ المراحل الأولى حتى إنجاز المرحلة الجامعية والتخرّج في كلية الطب، مع ذلك لم يكن متعالياً أو متكبراً، اتّسم بالتواضع إلى أبعد درجاته، استقراره في "دمشق" لأكثر من 20 عاماً، أكسبه مزايا ثقافية عالية جداً، سخرها في خدمة المنطقة، إضافة إلى الأهم؛ وهو افتتاح عيادة طبيّة في "القامشلي" في الخمسينات، حين لم يكن يتوفر سوى خمسة أطباء، وتعامل بكل إنسانية مع المرضى، وأنقذ حياة الكثيرين بخبرته الطبية العالية، تعالج عنده مرضى من "تركيا" و"العراق"، وتأثر الجميع كثيراً عند رحيله».

أثناء وجودي في غرفة الفحص للمعاينة، وجد عليّ آثار الفقر، لم يناقشني، خرج إلى الممرض، واستفسر عن المعاينة، فأخبره بأنه أخذها، فطلب من الممرض إعادتها، هذه الحادثة أذكرها في كل مكان، لأنه بهذه الطريقة كان يتعامل مع المرضى، إضافة إلى أن أساليب العلاج عنده نفسية بالدرجة الأولى، يعاين البيئة والحالة النفسية قبل المرض الأساسي، أفضاله لا تستطيع سطور قليلة أن تصفها

يتابع الصديق عن رحلة صديقه الدكتور "قاسم": «لقب بألقاب كثيرة من قبل أهل المنطقة، منهم من سماه "إمبراطور الطب"، أمّا المرضى الفقراء، فهو عندهم طبيب الفقراء، نستطيع الجزم بأن أبناء المحافظة جميعها تعالجوا عنده، يذكرونه بالطيب والحب، وبحق هو أمير في وعيه وثقافته، كان إنساناً اجتماعياً مع المحيط الاجتماعي بكامله، يملك قاعدة مجتمعية كبيرة. أمّا المعلومة الأخرى، فهي اختياره لكلية الطب، ليكون عوناً وقريباً من آلام الناس، هذا ما بيّنه صراحة وفعلاً.

من جانب آخر، لا ننسى ثقافته العالية في مجال التاريخ والحياة العامة، كان مطلعاً على تاريخ المنطقة بأكملها، وتاريخ دول كبرى، وكان يتقن خمس لغات، وهي: "الكردية، العربية، الفرنسية، الإنكليزية، التركية"، بعض الكتّاب وصفوه بالموسوعة، ونذهب إلى أبعد من ذلك، حتّى في مجال الموسيقا تألق في عالمها، اطّلع على رموزها العالمية باحتراف، وبيّن تميزه مراراً، بعد رحيله ألّف عدد من الشعراء قصائد شعرية عنه، إحدى القصائد بعنوان: "كنت تاريخاً كاملاً". أمّا الكاتب "إبراهيم محمود"، فقد ألّف كتاباً كاملاً عنه تحت عنوان: "الدكتور قاسم مقداد جميل باشا"، ومن الجمل التي دونها عنه: "أعطوني عشرة من أمثال الدكتور قاسم أعطيكم مجتمعاً معطاء مثالياً لم يوجد بعد عندنا". كان مع الناس دوماً، ومرضاه أصدقاؤه، يزورهم ويعالجهم إن لم يستطيعوا مراجعة العيادة، حتّى إنه فارق الحياة وهو مع أصدقائه في أحد الأماكن العامة، على الرغم من السنوات الطويلة التي مضت بعد أن فارقنا، إلا أنه باقٍ بأفعاله وإنسانيته».

"محمد صالح الجنيد" من المرضى الذين تعالجوا عند الدكتور "قاسم"، قال عنه: «أثناء وجودي في غرفة الفحص للمعاينة، وجد عليّ آثار الفقر، لم يناقشني، خرج إلى الممرض، واستفسر عن المعاينة، فأخبره بأنه أخذها، فطلب من الممرض إعادتها، هذه الحادثة أذكرها في كل مكان، لأنه بهذه الطريقة كان يتعامل مع المرضى، إضافة إلى أن أساليب العلاج عنده نفسية بالدرجة الأولى، يعاين البيئة والحالة النفسية قبل المرض الأساسي، أفضاله لا تستطيع سطور قليلة أن تصفها».

يذكر أن الدكتور "قاسم مقداد" من مواليد بلدة "الدرباسية" عام 1932، توفي في "القامشلي" عام 1992.