حرص الدكتور "نوري العباس" على الغوص في علم الأنساب لما يزيد على النصف قرن، فغاص في تفاصيل الأعراق والقبائل والطوائف وعلم اللغة، حتى بات العلاّمة في معرفة الأنساب في "الجزيرة السورية".

تقول العرب: «من ضاع نسبه، دلّ عليه فعله». ففي هذه البقعة من الأرض السورية التي تتميز بخليط عجيب من القبائل والطوائف والأعراق، قد يكون الاهتمام بعلم الأنساب أوضح من باقي محافظات القطر، إلا أن هناك من تاه في بيداء الضلالة والجهالة، فنسي نسبه.

هذه العناوين هي ثمرة كفاح ومطالعة طويلة، مترافقة مع التدقيق المتأني، والتقاطعات والمقارنات حتى أصل إلى المعلومة الصحيحة

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 شباط 2017، الباحث "نوري مصطفى العباس" المهتم والباحث بعلم الأنساب، والحائز على شهادة أكاديمية بعلم الأنساب، الذي تحدث بداية عن هذا العلم الذي لا يعرفه الكثيرون، وكيف تعمق فيه، فقال: «"الأنساب" علم قائم بذاته، له أصول وأعراف وقواعد، وقد بدأ اهتمامي به في سبعينيات القرن الماضي، ولاحظت أثناء عملي وبحثي عن جذوره أنه علم يتداخل مع التاريخ والجغرافية وعلم الاجتماع، ولأنني أعيش في منطقة تهتم بالنسب، وهي عادة اجتماعية حميدة، أخذت أغوص في أمّات الكتب والمراجع وعلماء الأنساب الثقات؛ لأنه علم يعتمد الدقة والأمانة».

الكاتب الباحث إلياس ميرو

وعن بداية هذا العلم في المنطقة، أضاف: «بدأ "علم الأنساب" في النصف الثاني من القرن الهجري الثالث، بسبب ظهور الفكر الشعوبي في ذلك العصر، ومن أشهر علماء الأنساب "ابن الكلبي"، ولم يكن اهتمام العرب بهذا العلم بداية الأمر بدافع التميز عن باقي الشعوب، بل بدافع حفظ النسب ومعرفة الناس حقوقها، ولم يدخل الفكر "الشوفيني" إلى العرب إلا بعد تغلغل الأعاجم إلى السلطة وظلمهم للعرب.

وخلال بحثي بالأنساب والتاريخ والجغرافية، اكتشفت أن السوريين أمة واحدة، وقد تجتمع أنسابهم قديماً وإن اختلفت دياناتهم، فهم من أصل مشترك، وهو واضح من خلال التشابه بين اللغتين الآرامية والعربية من حيث المصدر الثلاثي، والزمن الماضي والمضارع، وتشابه المعاني».

ويضيف "العباس" عن أهمية هذا العلم ودرجة الاهتمام به: «علم الأنساب لم يهتم به العرب فقط؛ فالباحثون في "أوروبا" اهتموا به كثيراً منذ القرون الوسطى، وذلك لحفظ أنسابهم، لأن "أوروبا" أكثرها ممالك وأمارات؛ ومسألة الحفاظ على النسب أمر مهم جداً».

أهم مؤلفاته في هذا العلم النادر في منطقتنا "القبائل القحطانية.. ماضيها وحاضرها"، "جوهرة الأنساب العربية زبيد الأصغر"، "بعض القبائل المسيحية ماضيها وحاضرها"، "قبيلة الدليم بعيون عربية"، "من ذاكرة الحقيبة التاريخية"، وعنها يقول: «هذه العناوين هي ثمرة كفاح ومطالعة طويلة، مترافقة مع التدقيق المتأني، والتقاطعات والمقارنات حتى أصل إلى المعلومة الصحيحة».

أما مكتبته الخاصة، فهي زاخرة بأمّات الكتب والمراجع، ويقضي جلّ وقته بين جنباتها، حيث تحتوي 1500 عنوان، يقول عنه "إلياس ميرو" الكاتب والمرجع الثقافي المعروف في "الحسكة": «الدكتور "نوري" إنسان متعدد المواهب، وأحد الأعمدة الثقافية والفكرية في محافظة "الحسكة"، مؤلفاته وأبحاثه وكتبه تحكي عنه قصة طويلة، فقد تعب جداً لكي ينجب هذه المؤلفات الغنية في علم الأنساب، وهو علم صعب جداً ويحتاج إلى المثابرة والصبر والثقافة العالية، وما قدمه في مسيرته الطويلة من مراجع يستفيد منها العامة والدارسون والمهتمون بالجغرافية والتاريخ».

بقي أن نذكر، أنّ الباحث الدكتور "نوري العباس" من مواليد "الحسكة"، عام 1940، حاصل على شهادة "الليسانس" بالجغرافية من جامعة "بيروت العربية"، وشهادة الماجستير من جامعة "الإسكندرية"، وشهادة الدكتوراة بالدراسات الديموغرافية من جامعة "بغداد".