نوع جديد من الشعر الحديث تأثر بشعر "الهايكو" الياباني، وحافظ على اسمه لكنه أصبح عربياً، وبات متداولاً بين الشعراء الشباب في "الحسكة" من خلال الملتقيات والأمسيات الأدبية.

مدونة وطن "eSyria" رصدت حركة هذا النوع من الشعر الحديث، والمتداول بين الشعراء الشباب بوجه خاص، والتقت بتاريخ 11 تشرين الأول 2016، الشاعرة "عطر شان أحمد طالب" لتتحدّث عن "الهايكو" العربي، فقالت: «كما يقال في الأمثال الشعبية "خير الكلام ما قلّ ودلّ"، وهكذا هي قصيدة "الهايكو"، كلمات بسيطة قليلة وواضحة، ويمكنها أن تغني خيال القارئ بالمشاهد، وأن تذهله بالدهشة، تعرفت "الهايكو" من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت أعيش التجربة على طريقتي الخاصة، فسافرت بتفاصيل الطبيعة، وتأملت بها حتى ألتقط القصيدة من عمقها وأتبناها بكل حواسي، لهذا بدأت دراسة هذا الفن والأدب الفكري والفلسفي بكل جمالياته. وببساطة يمكنك أن تشغُل حواسك بكل ما هو محسوس بصوت ولون وضوء، وتعبّر كما يعبّر الطفل ببداية نطقه من دون تكلف أو مجاز، يزينه الحاضر حتى يلمع المشهد في ذهن القارئ كصورة فوتوغرافية، أو يعيش تجارب ومواقف معينة سبق للشاعر أن مرّ بها».

على الرغم من وجود تقاطعات كبيرة بين "الهايكو" وقصيدة النثر التي تتميز بسردية أكبر، وتتناول كل الأفكار الممكنة ولا ترتبط بزمنية معينة؛ وهو ما يتيح حرية استخدام كل مكونات اللغة، على عكس "الهايكو" الذي نجد من خلاله اهتماماً أكبر باللحظة الآنية، إلا أن العمق التأملي بـ"الهايكو" أكبر بكثير؛ وهذا هو منبع الدهشة

وعن ميزات هذا النوع من الشعر الغريب، تضيف: «تعود أصول "الهايكو" إلى الأدب الياباني، وتحديداً اللهجة اليابانية العامية؛ وهو ما جعله على علاقة ودّية مع الناس، وقد بدأ تحديداً في القرن السادس عشر عن طريق الشاعر "باشو ماتسو" شاعر اليابان الأول، الذي كان يرحل إلى الطبيعة باحثاً عن القصيدة. انتقلت عدوى "الهايكو" إلى سائر الثقافات واللغات كالإنكليزية والفرنسية. أما دخولها إلى اللغة العربية، فبدأ في تسعينيات القرن الماضي من خلال ترجمة بعض النصوص، إلا أنه مع الوقت تبنّاه بعض الكتّاب، لكنهم تخلّوا عن بعض قواعده وذلك لخصوصية اللغة العربية والأدب العربي. وهذه أمثلة من أشعاري: "أبيض أسود.. سرب حمام.. لا عنصرية". وكذلك: "زحمة المرور.. عزائي الوحيد.. نشوة لقائك". وأيضاً: "بحيرة المنزل القديم.. تمتلئ ياسمين.. بوح الربيع"».

الشاعرة الشابة عطر شان طالب

أما الشاعر "ماهر عبد الكريم خشارفة"، فيقول عن مميزات "الهايكو" في الشعر العربي: «"الهايكو" العربي هو الدهشة والعمق، هو نقل مشهد من الطبيعة، أو تجربة من الحياة اليومية، أو مزيج متخيل مع انطباع شخصي، وهو أقرب إلى لوحة فنية مشغولة بكلمات قصيرة، هو قصيدة تمتاز بالإيجاز والرسائل الضمنية، وتتألف من بيت واحد من دون وزن أو قافية.

باختصار، هو قصيدة نثر تتألف من ثلاثة أسطر شعرية وجيزة، ذات إيقاع، تترجم أحاسيس ومشاعر الإنسان، من خلال استلهام المشاهد الطبيعية، ورصد المواقف الإنسانية لحظة حدوثها، أو استحضارها من معين الذاكرة والخيال إلى بوتقة اللحظة الآنية، هو الإنصات العميق إلى نبض الطبيعة، واقتناص جمالية اللحظة العابرة بلغة موحية وصور كثيفة، متخفية من تباريح الذاتية المفرطة والغنائية الجامحة، هو التفاعل المرح مع كائنات الوجود من دون مجازات موغلة في التجرّد والغموض.

الشاعر ماهر خشارفة

ويمكن تعريفه بأنه شعر البساطة العميقة، واللحظة المنفردة، وجمالية العابر والهامشي، والمدهش من مشاهد الطبيعة والمواقف الإنسانية».

ومن الأشعار التي اشتهر بها "خشارفة": "أول الخريف.. يبعثر الأوراق جرس المدرسة". وكذلك قصيدته: "ليتها تعلم اليمامة التي فقدت عشّها.. تلوذ بشرفتي".

أما الشاعر "رامز طويلة"، فيقول: «على الرغم من وجود تقاطعات كبيرة بين "الهايكو" وقصيدة النثر التي تتميز بسردية أكبر، وتتناول كل الأفكار الممكنة ولا ترتبط بزمنية معينة؛ وهو ما يتيح حرية استخدام كل مكونات اللغة، على عكس "الهايكو" الذي نجد من خلاله اهتماماً أكبر باللحظة الآنية، إلا أن العمق التأملي بـ"الهايكو" أكبر بكثير؛ وهذا هو منبع الدهشة».

قد تكون هذه التجربة الحديثة في الشعر غير مستساغة للكثيرين، وقد يهاجمها بعضهم لبعدها عن روح الشعر العربي التقليدي، الذي حاول الشعراء التمسك بهويته من خلال التفعيلة أو البحور والجرس الموسيقي على الرغم من التغييرات التي طرأت عليه، والتجديد الذي دخل في الصلب، لكنه حافظ على المضمون، لكن في مجمل الأحوال، وفي ظل ثورة التكنولوجية القائمة، وما يرافقها من تغيرات جذرية على أنماط الحياة كافة، فإن "الهايكو" العربي قد يكون له مكان في الساحة الثقافية العربية حتى لو تأخّر.