واظب الطبيب "آرام غازريان" على خدمة أهالي قرية "الجوادية" ليل نهار على الرغم من التعب والصعوبات والبعد عن العائلة، فتحول مع الزمن إلى الطبيب والمرشد والمؤنس الاجتماعي الذي لا غنى عنه في المنطقة.

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 13 تشرين الأول 2016، زارت الدكتور "آرام غازريان" في بلدة "الجواديّة" التي تبعد عن مدينة "القامشلي" 60 كم، ووقفت عند رحلته المتميزة التي بدأت منذ الطفولة، فقال: «حرصت منذ اليوم الأول في المدرسة على تحقيق مراكز متقدمة، والوصول إلى أبعد مرحلة في الدراسة، وجميع السنوات كانت حافلة بالتميز والتفوق، إلى جانب المشاركات والمساهمات العديدة مع باقي التلاميذ والطلاب بتنفيذ الأنشطة والفعاليات الأدبية والفنية؛ فمنذ الصغر وحتّى تاريخه أسعى إلى تقديم الفرح والبهجة لمن حولي، حتّى لو كنتُ مثقلاً بالأوجاع والمتاعب، فعندما يتطلب الأمر أمارس كل أنواع وأساليب نشر السعادة على وجوه الآخرين، إضافة إلى الالتزام الكامل بواجبات المدرسة؛ ففي فصل الصيف كنتُ أتوجه إلى المنطقة الصناعية في سبيل تعليم صنعة أو مهنة، أعيل بها نفسي وأساعد أسرتي، وتساعدني تلك المبالغ على قلتها في التغلب على مصاعب الحياة».

استفادت المنطقة بأكملها من خدماته الإنسانية والطبية والاجتماعية؛ فهو يومياً يخصص وقتاً في سبيل تأدية واجب اجتماعي، مهما كان مكان الواجب بعيداً عنه، أمّا مكان إقامته، فهو نقطة لاستقبال المحبين والأصدقاء والبقاء معاً لوقت متأخر من الليل بالفرح والمحبة وتبادل الأحاديث، الجميع باتوا يعدّونه جزءاً مهماً من البلدة، وغيابه لساعات عنّا يترك فراغاً كبيراً لدينا

يتابع عن رحلته الدراسية والصناعيّة: «بعد الحصول على الشهادة الثانوية عام 1978 توجهتُ إلى "رحبة حلب" المركزية في سبيل العمل، ومنذ اللحظات الأولى فيها تعرّضتُ لاختبار صناعي ضخم؛ وهو فتح وتركيب مولدة كبيرة جداً، والجميع عجزوا عن تنفيذه، فتم قبول العرض من قبلي، وأنجزت العمل بنجاح خلال ساعات قليلة فقط، علماً أنهم منحوني أياماً لإنجاز ذلك، والجميع عبّروا عن دهشتهم وإعجابهم بما قدمته، وتقديراً منهم لذلك، تم تحديد أعلى سقف من الرواتب لي، وكانت تعرض عليّ مهام وأعمال صعبة ومعقدة، وأنجزت الكثير من الإنجازات الصناعية في تلك "الرحبة"، وبعد سنتين حصلت على قبول جامعي لدراسة الطب في "أرمينيا"، حاول إثرها المعنيون في "الرحبة" تقديم كل الإغراءات في سبيل البقاء فيها، لكنني كنتُ متلهفاً لدراسة الطب والتخصص بأمراض النساء التي استغرقت من حياتي 13 عاماً حتى نلت مبتغاي».

مصدر البهجة لكل من حوله

يتابع عن مسيرته مع الطب بعد العودة إلى الوطن: «كان قراري التوجه إلى بلدة "الجوادية" لخدمة المرضى باختصاص لم يكن موجوداً فيها، ولأنها كانت بعيدة عن المركز وعن الاختصاصات الطبية، كنتُ دوماً أساعد الأهالي بالإسعافات الأولية وتقديم ما يلزم للمريض، حتى لو لم يكن من اختصاصي في سبيل وصوله إلى نقطة طبية مختصة، وإنقاذ حياته.

وطوال السنوات التي كنت فيها بالبلدة المذكورة، الفقراء والمحتاجون غير ملتزمين بدفع المعاينة حتى العمليات الجراحيّة، بل أحياناً كثيرة أساعدهم في شراء الدواء، وتنفيذ بعض الإجراءات الطبية الأخرى، والأمر الطريف في الأمر أن أسرتي تقيم في "القامشلي" وأنا وحيداً في "الجوادية"، لا أستطيع فراق أهلها، فقد تأقلمت معهم، وباتوا جزءاً من حياتي اليومية. إضافة إلى ذلك، فحرصي يكمن في الحضور بعيداً عن الأهل لتأمين قوت أسرتي الكبيرة؛ فمنهم من يدرس، والآخر مريض، والوالدة ضعيفة، وكلها التزامات مضاعفة، ففضّلتُ الابتعاد عنهم وزيارتهم بين الحين والآخر، وتحقيق حياة أفضل لهم ولو على حساب راحتي».

الحاج "حسين محمد العلي" من ريف "الجوادية"، تحدّث عن الدكتور "آرام" وخدماته بالقول: «استفادت المنطقة بأكملها من خدماته الإنسانية والطبية والاجتماعية؛ فهو يومياً يخصص وقتاً في سبيل تأدية واجب اجتماعي، مهما كان مكان الواجب بعيداً عنه، أمّا مكان إقامته، فهو نقطة لاستقبال المحبين والأصدقاء والبقاء معاً لوقت متأخر من الليل بالفرح والمحبة وتبادل الأحاديث، الجميع باتوا يعدّونه جزءاً مهماً من البلدة، وغيابه لساعات عنّا يترك فراغاً كبيراً لدينا».

يذكر أن الدكتور "آرام" من مواليد "القامشلي"، عام 1957.