غنى "الجزيرة السورية" بالمحاصيل الزراعية منذ الأزل، تطلّب من مزارعيها تصنيع أدوات يدوية، ومنها "المكيلة" التي أدّت دورها في توزيع المحاصيل وقسمتها، وكانت ميزان تلك الحقبة البعيدة.

مدوّنة وطن "eSyria" وقفت عند "المكيلة" وأهميتها وتاريخها، وواقعها في الوقت الحالي، وذلك من خلال اللقاء مع أهل الخبرة بتاريخ 9 كانون الأول 2015؛ حيث أوضح الحاج "صالح حاج محمود" بالقول: «هذه الأداة كانت مخصصة لتوزيع المحاصيل ذات الكميات المحدودة تقريباً، فهي ذات حجم صغير وبسيط، والكميّات الكبيرة جداً كانت تقاس وتزن بطرائق أخرى، لكن "المكيلة" كانت مختصة بتقسيم الغلال بين الأسرة الواحدة، أو بين الإخوة تحديداً، وعلى الرغم من بساطتها في الصنع، وعدم توافر المواد التي تحتاج إليها للتصنيع بكثرة في عديد منازل أبناء القرية الواحدة، وربما على مستوى عدة قرى، ويستعين بها من يحتاج إليها من خلال استعارتها ويعيدها إلى صاحبها مع انتهائه منها، وهذه النخوة كانت ولا تزال، الاستعانة بأي قطعة من الآخر من دون تردد، وإنجاز حاجته.

كان والدي الراحل يملك "المكيلة" وغيرها من الأدوات التي لم يبقَ لها وجود الآن، وحفاظاً على أهمية هذه الأداة كانت الوجهة نحو تأسيس المعرض التراثي، وكثيرة هي الزيارات التي تحصل للمعرض يومياً من أجل مشاهدة الماضي بتراثه وأدواته، وهناك من يتوقف مطولاً عند "المكيلة" ليعرف عنها وعن مبدأ عملها، وتكمن سعادتنا لأننا نعرّف الأجيال المتعاقبة بتراثنا وماضينا الجميل، ولم تعد لها حاجة بالنسبة للمزارعين منذ عشرات السنين

ونأتي إلى عملية التوزيع فهي سهلة للغاية، فمع حضور "المكيلة" يتواجد الإخوة مع بعضهم بعضاً عند أقرب نقطة من المحصول، حيث يتم وضع كميّة تناسب حجم "المكيلة"، وهي عبارة عن أداة خشبية دائرية الشكل كوعاء متوسط الحجم، وتصنيعها عند مختص بالأعمال الخشبيّة».

"المكيلة" ضمن معرض تراثي

أمّا "سعدون خليل الحميد" وهو من كبار السن في منطقة "القامشلي" وحضر كثيراً توزيع المحصول من القمح بين الإخوة، وبين شركاء الأرض الزراعيّة، فتحدث عن دور "المكيلة" التي كانت الوسيط والميزان في التوزيع، فقال: «الكثير من الأسر وممن يشتركون في أرضٍ زراعية كانوا يطلبون مني أثناء التوزيع المبادرة في ذلك، ليبتعد الإخوة أو الشركاء عن الإحراج، وبعد مدة اعتبروني الخبير في ذلك، وازدادت الأعداد التي كانت تطلب مني حسم الأمر، وكان يتم الأمر بكل سهولة ويسر من خلال وضع حبّات القمح ضمن فوهة "المكيلة"، وعندما تمتلئ تلك الفوهة، نأتي بقطعة حديدية مستقيمة من أجل مسح كامل فوهة "المكيلة"، والهدف من ذلك أن يحصل الجميع على الكمية بالتساوي، وهذا لا يعني أن الجميع حصلوا على حبات متكاملة وكاملة، لكنها حكماً قريبة جداً من كمية كل منهم، وبصراحة هذا الذي كان يفصل في القسمة، وهو الميزان الذي كان متعارفاً عليه بين من تجمعهم أرض زراعية ويرغبون في تقسيم وتوزيع المحصول، بقيت أمارس هذا العمل طوال سبع سنوات من سبعينيات القرن الماضي تلبية لدعوة كانت توجه من عديد الأسر ومن قرى كثيرة لاستخدام ميزان الزراعة في ذلك الوقت».

ولأن "المكيلة" وغيرها من أدوات الماضي البعيد، هي ذكرى من ذكريات تلك الحقبة، فقد باتت ضمن المعارض التراثيّة، ليتذكرها من لم يعاصرها، هذا ما أشار إليه صاحب المعرض التراثي وجامع التراث "أندراوس شابو" من مدينة "القامشلي"؛ الذي بيّن سبب توجهه إلى المعرض، حفاظاً على تراث الماضي بالقول: «كان والدي الراحل يملك "المكيلة" وغيرها من الأدوات التي لم يبقَ لها وجود الآن، وحفاظاً على أهمية هذه الأداة كانت الوجهة نحو تأسيس المعرض التراثي، وكثيرة هي الزيارات التي تحصل للمعرض يومياً من أجل مشاهدة الماضي بتراثه وأدواته، وهناك من يتوقف مطولاً عند "المكيلة" ليعرف عنها وعن مبدأ عملها، وتكمن سعادتنا لأننا نعرّف الأجيال المتعاقبة بتراثنا وماضينا الجميل، ولم تعد لها حاجة بالنسبة للمزارعين منذ عشرات السنين».

السيد صالح المحمود