اهتم الأهالي مع ولادة مدينة "القامشلي" بإنشاء المطاحن بالدرجة الأولى، لحاجتهم الرئيسيّة والضرورية إلى مادة الطحين، فكانت حصة مطحنة "محمقية" أنها كانت في الجهة الشماليّة من المدينة.

مدوّنة وطن "eSyria" وبتاريخ 18 شباط 2014، تعرّفت تلك المطحنة التي يعود عمرها إلى أكثر من ثمانين عاماً، وخدمت الكثيرين وساهمت في إنتاج كميّات كبيرة من الطحين، ولكنها اندثرت في زمن لم تعد الحاجة إليها ذات قيمة كبيرة، ولم يبق منها إلا رائحة أحاديث الماضي وذكريات من شاهدها ودوّن صفحات جميلة منها في دفاتر ماضيه البعيد، ومنهم الحاج "سمير سعد الخالد"؛ حيث قال عنها: «عشتُ عندها للحظات وأيّام عديدة، صحيح أنّ مطاحن عديدة فرضت نفسها بمدينة "القامشلي" ولكنها كانت موزّعة على أنحائها وأطرافها كلها، ولذلك كانت مطحنة "محمقية" من المطاحن المهمة في زمنها البعيد، كانت تقع في الجهة الشمالية من المدينة على مشارف الحدود التركية، توافد إليها الأهالي من كل حدب وصوب، اسم المطحنة هي على اسم القرية التي تلاصق "القامشلي" تماماً، ولذلك كانت تقام طقوس الريف الجميلة، فكان هناك من يأتي إليها من خارج المدينة ومن مسافات بعيدة، ويضطر للنوم في القرية؛ فكان الترحيب وضيافة الأهالي ليس من صاحب المطحنة فقط إنّما من قبل جميع أبناء القرية، فالذي كان يستعين لطحن طحينه بمطحنة "محمقية" وقادم من منطقة أو قرية بعيدة كانت له الأفضلية في الدور والتسلسل، ويأخذ المكان الأوّل، أجمل تلك الأيام هي التي كانت، فصل الربيع كنّا نبقى في الساحات الخضراء حتّى الصباح نسرد الأحاديث ونتبادل القصص والأفكار، وكنّا نقوم بعزف الأغاني التراثية التاريخيّة الفكلوريّة، ويتجمّع أمامنا وحولنا الشباب والصغار في أجواء لمّا ننساها حتّى اليوم».

الرحلة بين قريتنا إلى موقع المطحنة كانت ترفيهية بامتياز، كنا نترافق مع مجموعة من أبناء القرية، ونسير على قدمينا، ويكون الحَبّ على ظهر دابة ما، ونحمل معنا بعض الأمتعة والشراب، نأخذ بين الحين والآخر قسطاً من الراحة والاسترخاء بين المزروعات التي على الطرقات وعلى المساحات الخضراء، وبذلك كانت رحلة ممتعة، وعند الوصول إلى موقع المطحنة نجد العشرات؛ بعضهم إلى جانب أكياس الحب، والآخرون يشربون الشاي، ومنهم من يتبادل الأحاديث والقصص لحين مجيء دور كل شخص، أمّا التعاون فكان في قمته بين الجميع ومن الكل وبذلك كان العمل مثمراً ورائعاً

السيد "محمد سيد خليل" من أبناء قرية "جيهان" التي تبعد عن مدينة "القامشلي" مسافة 17كم؛ تحدّث عن حكاية من حكاياته التي عاشها مع مطحنة "محمقية" قائلاً: «الرحلة بين قريتنا إلى موقع المطحنة كانت ترفيهية بامتياز، كنا نترافق مع مجموعة من أبناء القرية، ونسير على قدمينا، ويكون الحَبّ على ظهر دابة ما، ونحمل معنا بعض الأمتعة والشراب، نأخذ بين الحين والآخر قسطاً من الراحة والاسترخاء بين المزروعات التي على الطرقات وعلى المساحات الخضراء، وبذلك كانت رحلة ممتعة، وعند الوصول إلى موقع المطحنة نجد العشرات؛ بعضهم إلى جانب أكياس الحب، والآخرون يشربون الشاي، ومنهم من يتبادل الأحاديث والقصص لحين مجيء دور كل شخص، أمّا التعاون فكان في قمته بين الجميع ومن الكل وبذلك كان العمل مثمراً ورائعاً».

منبع المياه للمطحنة

الباحث التاريخي "جوزيف أنطي" تحدّث عن طريقة تجهيز تلك المطحنة عندما قال: «كانت تقع في الشمال الشرقي تحديداً وقد أنشأها "آل علي بك" في قرية "محمقية"، وكانت تغذى من إحدى روافد نهر "الجغجغ"، وقد بنيت المطحنة من الحجر الأسود، والإسمنت، وبعد الحفر، تمّ وضع كل قطعة بمكانها، فالبئر في أعلى منتصف المطحنة، ويجب أن تمتلئ بالماء من النهر الجاري، وتوجد فراشة حديدية في أعلى البئر تستقبل الماء بقوة، كي يدور الميل الذي في أسفل البئر، فتتحرك الفراشة بشدة، وتقوم بتحويل القمح إلى طحين، وذلك من خلال الخشبة الصغيرة التي تدق أسفل الدلو، فيوضع الطحين في المكان المخصص بالقرب من الفراشة، فالعملية بأكملها بحاجة إلى ضغط الماء فقط في الدرجة الأولى، ولا تحتاج إلا إلى عامل واحد، أمّا المرحلة التي أخذت أكثر جهداً وتعباً فهي مرحلة الحفر لأنها تتطلب حفر مساحة طويلة ليتم سكب المياه بقوّة على الفراشة الحديدية، أمّا بالنسبة إلى طقوسها التي تميزت بالمتعة والهدوء؛ فلأن المطاحن تبنى خارج حدود القرية فالجميع يأخذ راحته».

الباحث جوزيف أنطي