صوتٌ عذب مليء بالشجن، أحيا التراث الشعبي "الجزراوي" وأبدع في أدائه وإيقاعه، والتزم بتراث بيئته الريفية البسيطة، أبى أن يخرج عن المألوف بإيمان صارم منه، بأنه وليد الريف وأغنيتها الشعبية، صمد وصبر كثيراً لنيل الشهرة الأبدية، لينطلق من فنان يغني في الأعراس والحفلات الشعبية إلى مسارح المهرجانات العالمية.

"عمر سليمان" الذي ما فتئ كغيره من الفنانين إلا أن يلازم رتمه الشعبي، مصراً على البقاء بلباسه الفلكلوري العربي، ليثبت للناس أن الفن الشعبي كان وسيبقى الممثل لحضارة المجتمعات، ليس في بلده فقط بل وحتى على مدرجات ومسارح دول أوربية وأمريكية عدة وللسنة الثانية على التوالي.

"عمر" يملك صوت صافٍ وساحر وأستطاع تطبيع الأغنية التراثية "الجزراوية" في قلوب محبيه وإيصالها إلى مسامعهم كما نما وطور موهبته الغنائية بإيقاعات سريعة وجميلة ومنمقة

الفنان الشعبي وابن "الجزيرة" "عمر سليمان" التقاه موقع eHasakeh وكان معه الحوار التالي:

عمر سليمان في مهرجان الجاز بكندا

  • البداية الفنية والظهور الأول؟ متى كانت وكيف؟
  • ** حبي للغناء والفن بدأت منذ سن مبكرة، عندما كنت في السابعة من عمري كنت أجلس وأغني لوحدي، وأحياناً أمام عائلتي، وأغلب تلك الأغاني كانت للفنان الشعبي "سعد الحرباوي"، وعندما بدأ يقوى عودي واكتشافي لصوتي وعشقي للفن، بدأت أستغل أي فرصة لمراقبة الفنانين وحركاتهم وأدائهم وخاصةً في الأعراس.

    جمهور اسباني مندمج مع أغاني عمر سليمان

    أما بدايتي في الغناء في الحفلات والأعراس فكانت في سن الرابعة عشر عندما كنت أحضر أعراس القرى المجاورة لقريتي وآخذ وصلات غنائية من الفنانين لمدة خمس أو عشر دقائق، ليبدأ التشجيع لي من الجمهور وأقربائي بأن صوتي وأدائي جميل ولي مستقبل، ومن هنا بدأت انطلاقتي المتواضعة حتى سن الثامنة عشرة عام 1994 بتسجيل أول كاسيت "عتابات" لي، وتلك كانت لحظة مسيرتي في المنطقة وبدأ الناس يتهافتون علي عن طريق مركز تسجيلات "ريمون" المسؤول عن حجوزاتي من قبل مالكها السيد "زهير يعقوب مقسى" لإحياء أعراسهم.

    *انطلاقتك الفنية كانت قوية في بيئتك الشعبية، فما هي الميزة الأساسية لهذه القفزة النوعية؟

    ** ميزتي كانت في صوتي وأدائي السريع، بالإضافة لتمسكي بالتراث الريفي والشعبي والحفاظ عليه حتى هذه اللحظة، كما أني أدخلت نوعاً جديداً للهجة بالإضافة إلى استخدامي لتقنيات الإيقاع السريع والألحان المنوعة، ولكن ليس بالخروج عن المألوف والإطار التقليدي الذي يحبه جمهوري، ولأن هدفي كان نيل الشهرة بين أهلي وناسي وبيئتي فالتزمت بعدم التخلي عن عاداتي وتقاليدي الاجتماعية لإسعاد هذا الجمهور الذي هو كل مبتغاي.

    * بمن تأثرت في أغانيك؟

    ** تأثري الكبير كان بالفنان الشعبي "سعد الحرباوي" الوحيد في منطقتنا الذي كان يحي الأعراس والحفلات، حيث الفنان الشعبي في الجزيرة يأخذ شهرته في الأعراس، وحفظ الأغاني ومراقبة أداء الفنانين، وهو يلهب الجماهير المتواجدة، ومتابعتي واهتمامي الزائد جعلني أضع بعض الميزات الجديدة في الموسيقا والإيقاع، كما كان لروايات الحب في منطقتنا وكلمات الشعر والغزل للشعراء دور كبير في شهرة أغانيي وهي كانت أيضاً في شهرتي في مسيرتي الفنية.

    *للتراث الغنائي "الجزراوي" أنواع عديدة ما النوع الذي اخترته؟ ولماذا؟

    ** اعتمدت في مسيرتي على التراث "الجزراوي" القديم بخليطه المنوع وإضافة بعض الموسيقا التركية، وهذا كان أهم أسباب زيادة شعبيتي بين كل الأطياف، فأنا قدمت حفلات بكل ألوان "الجزيرة" و"الفرات" بتراثها وفلكلورها الثلاثي "الديري" و"الرقاوي" و"الحسكاوي".

    *أنت تقدم الأغنية الشعبية الفلكلورية ولكن بإيقاعات سريعة وألوان متعددة كيف استطعت المزج بينهما؟

    ** منذ البداية كنت اتبع نفس الأغاني التي يقدمها كل الفنانين الشعبيين، بحكم أن أغاني التراث "الجزراوي" ذات خصوصية معروفة، ولكن طاب لي أن أقدم شيء وأخرج عن النمط الكلاسيكي الموجود، وذلك بتعديل بسيط في سرعة الإيقاع، ولكن بوتيرة بطيئة، هذا بالتعاون مع عازف الأورغ الفنان "ريزان سعيد" بحذر لعدم الخروج عما تعود عليه الجمهور الذي تأقلم سنوات عديدة مع الأداء السابق فغيرت فقط الرتم، وسررت بإعجاب الناس لهذا التغير حيث بدأنا بسرعة إيقاع 100 على الأورغ كونها الآلة الأساسية وأحياناً الوحيدة التي أعتمد عليها، لنصل اليوم إلى سرعة إيقاع 150.

    *على ماذا اعتمدت في أغانيك، ومن هم الشعراء الذين تعاملت معهم؟

    ** كل أغانيّ هي من صميم الواقع والمجتمع، لأن الغناء الشعبي يعتمد على قصص الحب وملاحم العشاق في منطقتنا، بالإضافة إلى غنائي عن عادات اجتماعية بالية ما زالت موجودة مثل غلاء المهر في منطقتنا في أغنية "خطابة خطابة"، أما الشعراء فهو أهم شيء في غناءنا في الحفلات المتواجد إلى جانب الفنان فربما طلب من الفنان في العرس أن يغني أغنية عن أهل العريس أو أهل العروس أو احد الضيوف الموجودين وهذه مهمة الشاعر أن يألف بسرعة وأغنيها بالحان عازفي "ريزان" مباشرةً وهذه ميزة ليست موجودة ربما في أي نوع من المجتمعات الأخرى وأهم شعرائي هم الشاعر "حسن حمادي" و"محمود الحربي" و"شواخ الأحمد".

  • في يومنا هذا نرى أن الأغنية الشعبية استهلكت من قبل الكثير من الفنانين بكلمات ركيكة، ما تقييمك لهؤلاء الفنانين وواقعهم الغنائي الحالي؟
  • **هؤلاء هم فنانون تجاريون يغنون لكسب المال فقط، لذا لم ولن يصل أحد منهم لمستويات عالية بارتقائهم الفني، والدليل أن الكثير منهم بسبب التقليد وإدخال الكلمات السوقية والركيكة رحلوا عن الوسط الفني باكراً، لأن البقاء دائماً للأفضل وأنا أشجع الفنانين الذين يبنون مستقبلهم في الطريق الصحيح، والذين يتغنون عن مشاعر وأحاسيس الناس، بدون إساءة لأحد، فالفن أدب وأخلاق، وربما السبب الأكبر لظهور هذا الكم الهائل من الفنانين، هو عدم وجود نقابة تحمي الفن ورقابة من قبل الجهات المعنية على اللحن والموسيقى والكلمات التي هي بالأساس لفنانين مميزين، وهو ما جعل الفن سلعة يستخدمها كل من يستهويه الغناء، حتى لو كان مستواه متدني وغير جدير بالغناء، وليس له أية صلة بالفن، ولأن الفن ليس فقط غناء بل تقييم وجزء من حضارات الأمم.

    *ماذا عن أهم الأعمال والحفلات والمهرجانات الفنية لـ"عمر سليمان"؟

    **أهم أعمالي بدأت من أغنية "جاني" عام 1997 و"كأس الحنظل" و"سلمت قلبي بيدك" و"لي جاني" و"خطابة خطابة"، بالإضافة إلى خمس كليبات تلفزيونية، أما أهم انجازاتي كانت في مشاركتي عامي 2009 و2010 في مهرجان "مونتريال" في مدينة "برشلونة" الإسبانية، وجولة في اثنا عشر دولة أوربية، ومهرجان "الجاز" الدولي في أمريكا وكندا والبرتغال، رغم أني لم أحظى بهذا الاهتمام في بلدي والوطن العربي فلم يتم دعمنا من أي جهة وحتى من قبل الإعلام ليس لي فقط بل ولكثير من فناني "الجزيرة" الذين يستحقون الاهتمام وهذا أكبر دليل اختياري في المشاركة في تلك المهرجانات العالمية، ولكن المهم لي أني مثلت اسم بلدي سورية و"الجزيرة" ورفعته عالياً في قلوب المجتمعات والجماهير الغربية.

  • ماذا أعطاك الفن، وهل من أعمال جديدة للفنان "عمر سليمان"؟
  • **الحمد لله أخذت حقي كفنان بإرضاء جمهوري فلقد بدأت بـ "عمر سليمان" الفلاح الريفي البسيط إلى "عمر سليمان" الفنان العالمي، وجديدي سيكون كليب تلفزيوني أعرض فيه مجموعة جولاتي وحفلاتي في "أوربا" و"أمريكا" بأغنية لم أفصح عن عنوانها بعد.

    الملحن والعازف الموسيقي "ريزان سعيد" قال عن "عمر سليمان": «خلال مسيرتي مع الفنان "عمر" اكتشفت مدى قوة أدائه ودخوله إلى قلب جماهيره وهو فنان شعبي موهوب استطاع أن يصل إلى العالمية بجدارة بصوته الذي اطرب كل مستمعيه وبالفعل يستحق لقب فنان من الدرجة الأولى».

    أما الفنان "محمود عبوش" قال: «"عمر" يملك صوت صافٍ وساحر وأستطاع تطبيع الأغنية التراثية "الجزراوية" في قلوب محبيه وإيصالها إلى مسامعهم كما نما وطور موهبته الغنائية بإيقاعات سريعة وجميلة ومنمقة».

    من الجدير بالذكر أن المطرب "عمر سليمان" من مواليد 1966 مقيم في قرية "تل أمير" التابعة لمدينة "رأس العين".