لكل مدينة شارع حنينها، ولمدينة "مصياف" "وراقتها" وهو الشارع الذي حبلت بلاطاته بذكريات الأهل والأحبة والعشاق..

أليس كافياً وقد حكى تاريخها "ممدوح عدوان" في قصيدته "مصياف" من خلال عدد من الأبيات كانت بها "الوراقة" القلب النابض بالحنين عنه:

اخترنا للدوار تمثالاً بعلو حوالي 4 أمتار، في منتصفه تمثال لامرأة فلاحة تعمل بأشجار التين والزيتون والعنب، وستتم تغطيته بإضاءة جيدة ومناسبة

الأهل في مصياف والروح تواقة/ يا ليتني صفصاف أو زهر دراقة/ لا بلّ حلقي الجاف نبع وراقة/ تتجمع الأطياف في الريح كالباقة/ والريح في التطواف للدمع سباقة/ نتعمد الإسراف أنستّر الفاقة/ الزاد خبزٌ حاف ما بلّل الياقة/ والريح في الأعطاف ذكرى بلا طاقة/ يبكي لبا الصفصاف فنحن كالناقة/ تابوتنا مصياف والقبر ورّاقة.

شارع الوراقة

وللحديث عن تاريخ هذا الشارع موقع eSyria التقى السيد "حسين الحاج ابراهيم" بتاريخ 19 أيلول 2009 الذي قال: «أذكر شارع "الوراقة" منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، حيث كان "الوراقة" طريقاً للمشوار الاجتماعي، وحتى أوائل السبعينيات كان عبارة عن طريق في اتجاه واحد عرضه حوالي الخمسة أمتار، كانت في بدايته مدرسة حجرها قرميد، في وسط الشارع كان يوجد مدرسة درسنا فيها اسمها "سيف الدولة الحمداني"، وكان طرفا الشارع مزروعين بأشجار الكينا، في أواخر السبعينيات شهد الطريق العديد من التحديثات، ويطلق عليه طريق الوراقة نسبة إلى منتزة "الوراقة" الذي يؤدي الشارع إليه».

وعن سبب إنشاء منتزة الوراقة أضاف "الحاج إبراهيم": «كان أهالي مصياف يخرجون للاصطياف في مناطق "وادي العيون" و"البيضا" في زمن الانتداب الفرنسي، حيث انتبه المسؤول الفرنسي إلى ذلك فأقام المنتزه وأخذ المنتزه بعدها صيتاً كبيراً خاصة في أيام الوحدة، ومرت فترة كان لمنتزه الوراقة سمعة طيبة على مستوى سورية

السيد "حسين الحاج إبراهيم"

وما أعطى المنتزه هذه السمعة هي الأشجار المعمرة الموجودة فيه، وهي أشجار كينا وحور ضخمة جداً، بالإضافة إلى نبع ماء وبحرة جميلة جداً، إلا أن نبع الوراقة جف بعد أن تم استخراج المياه الارتوازية لري المدينة، وأذكر أننا كنّا عندما نتعب من الدراسة ننام في فيء أشجار "الوراقة"».

السيد "إياس ملوحي" مختار حيّ "مصياف القديمة" قال: «كانت "الوراقة" "مصياف" و"مصياف" "الوراقة"، إذ يعدّ هذا الشارع من أهم المعالم السياحية في "مصياف" بعد القلعة، وكان شارع "الوراقة" فيما قبل الشارع الوحيد المعبّد منذ زمن الاحتلال الفرنسي، وهو أقدم شوارع المدينة ثم تم تطويره حيث أصبح حارتان، كان فيما سبق يقع في أطراف المدينة إلا أنه اليوم وبسبب التوسع العمراني الجيد بات يقع في منتصفها».

المختار "إياس ملّوحي"

**ولكن أين "وراقة" اليوم، من "وراقة" الأمس؟!

ولعل التحديث وأعمال التجميل التي شهدها عدد من شوارع المدينة، سرق الأنظار إلى أماكن أخرى، فبات شارع "المساكن" اليوم هو الشارع الذي يتنزه فيه الأهالي مساءً، إلا أن حنين الأهالي وذكرياتهم ارتبطت جميعاً بشارع "الوراقة".

يقول السيد " حسين الحاج إبراهيم" عن سبب تحول الناس عن المشوار في شارع "الوراقة" إلى شارع المساكن: «حلّ محله حي المساكن بسبب أن أغلب محلاته انقلبت إلى ورش ميكانيك ومحلات لتصليح السيارات، ويبدو أنه كلما تطورت بنية المدينة التنظيمية كلما اتجه الناس إلى طريق جديد، وهناك أوتستراد يقع غرب المدينة وهو في طور الإنشاء يدعى شارع "شتيوي سيفو" أتوقع أن يتحول المشوار إليه، ويصل هذا الطريق الجديد بين "المخاضة" و"الوراقة"».

** إعادة الحياة إلى "الوراقة" مشروع هل يكتمل؟؟!!

بمجرد مرورك اليوم بشارع الوراقة ترى أن أعمال تجميل الشارع قد قسمت الشارع إلى قسمين وترى الأعمدة الكهربائية ذات الأسلاك التي ما زالت هوائية.

يقول المختار "إياس ملوحي": «الأمر الذي عايشه الأهالي سابقاً في المدينة هو جمالية شارع "الوراقة" من حيث الإحاطة الكاملة بالأشجار حوله، فكان فيما سبق منتزهاً، إلا أنه تحول اليوم إلى ما يشبه سوق تجاري وفيه كراج انطلاق سيارات ريف "مصياف"، ومركز البريد».

السيد "محمد شيخ علي" رئيس مجلس مدينة "مصياف" قال لموقعنا: «سنبدأ هذا العام باستثمار مشروع منتزه الوراقة، كان هناك بعض العثرات التي تعرض لها المشروع، إلا أننا مقبلون اليوم على تحسين الموقع من خلال تشجيره والعناية بجماليته».

وأضاف: «المشروع متكامل حيث سنقوم بتعزيز العناية بالشوارع التي تؤدي إلى الأماكن السياحية في "مصياف"، حيث يوصل هذا الشارع إلى فندق "مصياف السياحي" ومنتزه "الوراقة"، وقد حصلنا على قرار في المكتب التنفيذي بتحسين هذا الطريق من خلال غرس أطاريف ملونة وزراعة الأحواض المنصفة للشارع من بداية مدخل المدينة على طريق "حمص" وحتى منتصف المدينة، بالإضافة إلى جعل تحويل أسلاك الكهرباء إلى كوابل أرضية، ومن ضمن المشاريع التي ستساعد في إنعاش الطريق هو نقل المدينة الصناعية إلى خارج تنظيم مدينة "مصياف" وهو مشروع مازال قيد الدراسة».

وكان أحد المغتربين وهو الدكتور "قاهر أبو الجدايل" قد تبرع لمجلس المدينة بإقامة عدة دوارات بغرض تحسين جمالية المدينة، ويقع الدوار الثالث في مدخل مدينة "مصياف" على طريق "حمص" وهو بداية الطريق إلى "الوراقة".

عن ذلك الدوار يقول رئيس مجلس المدينة: «اخترنا للدوار تمثالاً بعلو حوالي 4 أمتار، في منتصفه تمثال لامرأة فلاحة تعمل بأشجار التين والزيتون والعنب، وستتم تغطيته بإضاءة جيدة ومناسبة».

تغنى شعراء مدينة "مصياف" بالوراقة وأحبوها فها هو الشاعر المصيافي ‏"علي الخش" يقول:

إذا يممت حسناً بالمكان/ فزر مصياف رائعة الزمان/ لئن عدت جنان الله يوماً/ فمصياف الهوى تاج الجنان/ تعانقها الجبال مشوقاتٌ/ كأن السفح منها الراحتان/ وللوراقة الخضراء طبيٌ/ فعنها لا يسار إلى مكان.