على بعد خمسين كيلومتراً تقريباً شمال غربي مدينة حماة؛ بنيت "قلعة المضيق" على هضبة صخرية ترتفع قليلاً عن الهضبة الشرقية من وادي الغاب.

تقع "قلعة المضيق" على تل مرتفع إلى الشمال الغربي من أطلال مدينة "أفاميا" الأثرية، حيث تطل على سهل الغاب الفسيح من الغرب والشرق والشمال، ولهذا فإن موقع القلعة يتميز بإمكانية السيطرة على مسافة شاسعة من السهل النضر.

اكتسبت القلعة عبر تاريخها موقعاً استراتيجياً هاماً، فالسهل المحيط بها كان مستنقعاً كبيراً، وهو ما أكدته المسوح الأثرية الأخيرة، والتي أثبتت وجود عدد كبير من مواقع الاستيطان البشري، العائدة بتاريخها إلى 6000 عام

مدونة وطن "eSyria" التقت السيد "يامن الجابر" أحد المهتمين بتوثيق الأماكن التاريخية بتاريخ 21/11/2012، والذي تحدث عن قلعة المضيق بقوله: «اكتسبت القلعة عبر تاريخها موقعاً استراتيجياً هاماً، فالسهل المحيط بها كان مستنقعاً كبيراً، وهو ما أكدته المسوح الأثرية الأخيرة، والتي أثبتت وجود عدد كبير من مواقع الاستيطان البشري، العائدة بتاريخها إلى 6000 عام».

مدخل القلعة

وأضاف الجابر أن «التنقيبات الأثرية التي أجريت في أسفل تل قلعة المضيق، أكدت أن هذا التل يرجع بتاريخه إلى الألف الخامس قبل الميلاد، حيث قام عليه أكربول مدينة أفاميا في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم دخلت القلعة في حوزة الرومان، ومن ثم البيزنطيين، قبل أن يفتحها العرب المسلمون في بداية القرن السابع الميلادي. وعندما بدأ المسلمون يهتمون بتشييد الحصون والثغور في العصر العباسي، قاموا ببناء حصن قوي على قمة التل، وفي عام 1157 م، رمم "نور الدين الزنكي" القلعة بعد تعرضها لزلزال، ومن المرجح أن "نور الدين الزنكي" رمم في ذلك الوقت الأبراج والأسوار العباسية».

ثم تابع: «في العهد العثماني، بدأت القلعة تفقد أهميتها العسكرية، إلا أنها لم تفقد أهميتها كموقع استراتيجي للاستيطان البشري، فاستمر فيها السكن حتى يومنا هذا، حيث تعتبر القلعة، هي القلعة الوحيدة التي مازالت مأهولة حتى اليوم».

صورة تاريخية للقلعة

وفيما يتعلق بوصف القلعة المعماري، تحدث "الجابر": «على الرغم من زوال المنشآت الداخلية في القلعة، إلا أن الأسوار والأبراج الخارجية التي لا تزال قائمة، تعطي فكرة واضحة عن فخامة وضخامة البناء الذي استخدم الحجارة الكليسة، التي تم استحضارها من آثار المدينة التاريخية في أفاميا، وتحديداً من أقرب أوابد هذه المدينة وهو المسرح الذي يقع أسفل التل جنوباً. ولم يتبق الكثير من آثار القلعة، سوى المدخل، الذي يقع في الجهة الجنوبية بين البرجين(1 – 2)، اللذين يؤمنان الحماية الكافية، لمدخل القلعة، حيث يسير الداخل إلى القلعة باتجاه الشمال بين البرجين، لينعطف بعدها يميناً عبر بوابة البرج رقم (2)، وهي بوابة ذات طراز عربي أيوبي، تتميز بجمالها، قبل وصوله إلى داخل القلعة عبر قبو ذي سقف مرتفع مبني من الحجر المشغول والمنضد بشكل جميل.

وتحيط الأسوار بقمة المرتفع ما يعطي القلعة شكلاً صليبياً واسعاً من الغرب وضيقاً من الشرق، يبلغ قطره الوسطي 300 م، حيث تم الاعتماد في بناء الأسوار على الحجر الكلسي المشغول والضخم، حيث تصل هذه الأسوار بين الأبراج وتتداخل معها بشكل قوي ومتين، ومع مرور الزمن فقد زال جزءٌ من هذه الأسوار، نتيجة لتعديات السكن في الفترات اللاحقة، على القلعة، ونتيجة للانهيارات الناتجة عن الإهمال والعوامل الجوية».

داخل القلعة

أما فيما يتعلق بأبراج القلعة، فيقول "الجابر": «للقلعة تسعة عشر برجاً، حيث يقوم البرجان (1- 2) في منتصف الجهة الجنوبية حول المدخل، في حين تنتشر بقية الأبراج على الأسوار، وهي تتميز بضخامة مبانيها وقوة تحصينها وخاصة من الجهة الجنوبية والشرقية، وهذا ما يتضح بالبرج رقم (5)، وهو برج الزاوية الجنوبية الشرقية، ويتألف من طابقين، يحتوي الطابق الثاني منه على سرادق، يوجد فيه خمسة مرامي سهام، ما يعطي قوة كبيرة للسيطرة على الخارج.

كما يوجد سرادق مشابهاً في الطابق الثاني من القبو، والذي يغطي الممر الشمالي للمدخل، بالإضافة إلى إطلالته على داخل القلعة.

في حين زودت الزاوية الشمالية الشرقية للقلعة، بثلاثة أبراج ضخمة، بقي منها اليوم بُرجان يتألفان من عدة طبقات، وتتميز مداخل هذه الأبراج بالفخامة والجمال، حيث يتصل بها سور القلعة الضخم الذي يزيد عرضه على 2.5 م.

ومن جانب آخر فإن الأبراج من الجهة الغربية، هي أقل عدداً وأصغر حجماً وقد استعاض عنها البناة بعدد كبير من الطلاقات ومرامي السهام التي تنتشر بين الأبراج، وتؤمن الحماية الكاملة من هذه الجهة مع المنحدر».

وفيما يتعلق بأقسام القلعة الداخلية، قال "الجابر": «تحتوي القلعة على عدد من الأقبية القديمة، التي تعود إلى فترة بناء وتحصين القلعة الأيوبية، وتتميز بسقوفها الحدوية المبنية من الحجر النحيت، وتمتزج هذه الأقبية مع بعض الأقبية المملوكية والكثير من الأقبية العثمانية، التي تستخدم كمنازل للسكان، كما ينتشر البناء الحديث من منتصف القرن الماضي، مع بعض المنازل العثمانية، الأمر الذي يجعل من الصعب بمكان تتبع البقايا الأثرية في الداخل، في حين تمت تسوية سفوح التل الذي تقيم عليه القلعة لتصبح شديدة الانحدار، كما تم تزويدها بتصفيح حجري منضد من كل الجهات لمنع انزلاقات التربة، ولتأمين الحماية الكافيه للقلعة».

السيد "أحمد القاوقجي" أحد السياح الذين قدموا في فترة سابقة إلى القلعة سألناه عن تلك الزيارة فقال: «أنا واحد من المهتمين بزيارة الأماكن السياحية الداخلية في سورية، وعندما أزور"قلعة المضيق" أحب مشاهدة الأقبية القديمة فيها وبعض المنازل العثمانية الجميلة القريبة، وزيارة البناء الفخم لـ"خان القلعة"، وغالباً ما يشدني النظر إلى الأسوار والأبراج الخارجية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا».