ما بين الحرف اليدوية التراثية والحركة الشرائية الدائمة، قصة أسعار مناسبة برأي أرباب الأسر، تحكيها منتجاته اليدوية التي عرفت بتنوعها وشموليتها لمختلف الرغبات، وهذا حال رحلة التسوق في "السوق الصغير" بمدينة "مصياف".

فربّ الأسرة "علي حمود" ابن مدينة "مصياف" يزور السوق الصغير أو المعروف بـ"الصندوق المفتوح" باستمرار؛ لأنه يجد فيه حالة من الارتباط بالتراث، مضيفاً لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 أيلول 2015: «بالنسبة لي كربّ أسرة أجد في السوق الصغير مختلف متطلبات أسرتي الصغيرة، لأن فيه الورشات اليدوية القديمة التصنيعية المنتجة لمختلف الحاجيات كالألبسة والأحذية والأدوات الزراعية وغيرها، والأهم من هذا الأسعار المناسبة المعتمدة على كسر رتابة حلقة الوسيط؛ حيث إن البضائع تخرج من المنتج إلى المستهلك فوراً، إضافة إلى أن عملية التسوق ضمن مختلف محاله التجارية لا تستهلك الكثير من الوقت؛ لأن مساحته الجغرافية صغيرة جداً مقارنة مع شموليته للبضائع والحاجيات الاستهلاكية».

طول السوق نحو خمسة وسبعين متراً، قسمت على أضلعه الثلاثة بالتساوي، فحصل كل منها على خمسة وعشرين متراً، وبنيت المحال على جانبي كل ضلع بشكل منسق وجمالي

سائق "التكسي" "يوسف الدالي" يؤكد أنه في كل زيارة إلى السوق الصغير يخرج منه محملاً بمختلف متطلبات أسرته، وخاصة منها الألبسة بزمن قياسي مقارنة بالوقت الذي يتطلبه التسوق لأسرة كاملة ضمن رحلة شراء الحاجيات، وهنا قال: «الأسعار المناسبة في السوق الصغير لا تضطر رب الأسرة إلى عملية "المفاصلة" المعروفة بين التاجر والمستهلك للحصول على السعر الأنسب، وهذا انعكس على الوقت والجهد المبذول في عملية التسوق، إضافة إلى أنني أجد فيه حالة من التواصل مع التراث من خلال طريقة بنائه وقدمه وطبيعة محاله التجارية التي تقارب بعضها بالعمر القرنين».

علي حمود

ويتابع: «قد أجد في منتجات السوق ما لا أجده في أي سوق آخر، لأنه مصدر مختلف البضائع، عبر ورشات التصنيع اليدوية العاملة فيه؛ التي بعضها استمرت بالعمل الحرفي اليدوي مع بعض التعديلات البسيطة المقتصرة على أدوات العمل، وحالة التواصل هذه لها علاقة بالجذور؛ وهو الأمر الذي نحتاج إليه في حياتنا الاجتماعية لتحقيق حالة الانتماء».

وفي لقاء مع الحرفي العامل بالحدادة العربية ضمن السوق "أحمد إبراهيم" قال: «أعمل في هذه المهنة منذ خمسة وعشرين عاماً، ضمن هذا السوق الصغير بمركز مدينة "مصياف" غربي القلعة تقريباً، حيث كان يوجد عشرة حدادين ولم يبق منهم إلا اثنان فقط، وذلك لصعوبة العمل بها، وقد ورثتها من أبي، وورثها أبي من عمه ضمن ذات المحل التجاري، وهذا من حوالي 100 عام.

الحداد أحمد إبراهيم

ويمكن القول هنا ضمن هذا السوق فقط تجد العمل الحرفي اليدوي ما يزال قائماً بأدق تفاصيله التراثية، فنحن مثلاً نعمل بحرفتنا على الفحم الحجري والفرن التراثي الذي بني مع بناء المحل، وهي حالة من الارتباط بالتراث نحافظ عليها».

وعن سبب تسمية السوق بهذا الاسم قال التاجر "أحمد ضبعان": «سمي السوق "السوق الصغير" لأنه صغير المساحة والجغرافية التي يتوضع عليها، وهذا ارتبط بالترتيب الخاص به والمتميز، حيث أخذ شكل الصندوق المفتوح؛ أي إن له شكل حرف "u" باللغة الإنكليزية، وهو مفتوح من ثلاث جهات؛ الأولى المدخل، والثانية المخرج، والثالثة طريق يصل إلى سوق آخر يسمى "السوق الطويل" الذي أنشئ حديثاً مقارنة مع عمر السوق الصغير الممتد إلى حوالي عدة قرون بحسب الأحاديث المتناقلة من الأجداد، ويقال إن بعضها موجود منذ فترة الاحتلال التركي».

جانب من السوق الصغير "الصندوق المفتوح"

ويضيف: «طول السوق نحو خمسة وسبعين متراً، قسمت على أضلعه الثلاثة بالتساوي، فحصل كل منها على خمسة وعشرين متراً، وبنيت المحال على جانبي كل ضلع بشكل منسق وجمالي».

إضافة إلى أن هناك حالة تميز يتفرد بها السوق عن بقية أسواق مدينة "مصياف"؛ تحدث عنها التاجر "إبراهيم عبدو الشيخ علي" شيخ كار الحذائين في المدينة، فقال: «القدم يميز السوق والمصالح الحرفية التي أُوجدت فيه أيضاً، ومنها حداء الخيل والحدادة العربية وتصنيع الأحذية يدوياً، إضافة إلى أن عمليات التحديث للسوق قليلة واقتصرت على حوالي عشرة محال فقط، والمتبقي منها مستقر على حاله حتى اللحظة، ليكتمل المشهد البصري والتراثي والفكري تجاه السوق الذي يمكن أن نصنفه بالأثري.

فالمحال مبنية من الحجارة الطبيعية المشذبة، وأرضية الشوارع مرصوفة بالحجارة البيضاء الجميلة، حتى إن بعض الأرضيات ما زالت باقية حتى الآن من دون أي عملية ترميم».

ويتابع: «تميز السوق بتنوع الحرف الموجودة سابقاً التي اندثر بعضها وبقي بعضها الآخر، ومنها صناعة الأحذية وتجارتها وكذلك الألبسة والجلديات، وجميعها تصنع يدوياً مع بعض التحديث البسيط على طريقة العمل، حيث نعدّ مع ورشاتنا الحرفية أرباب عمل يقصدنا مختلف التجار، وتصل تجارتنا إلى مختلف المناطق في المحافظة والمحافظات الأخرى».