شريان الحياة الأثري لمنطقة "مصياف" والمناطق المجاورة، بدأ بعدد من المحال لبيع الخضار والفواكه، وبعدد من المهن الصناعية؛ ومع الزمن غلب عليه الطابع التجاري، ومع ذلك بقي محافظاً على شعبيته وخصوصيته.

مدونة وطن "eSyria" تجولت في السوق -الذي يسمى السوق الطويل أو شارع "الجامعة العربية"- بتاريخ 12 تموز 2015، وللحديث عن تاريخه التقت تاجر الألبسة الجاهزة "إسماعيل بدر" الذي يملك محلاً من أقدم المحال في السوق، فقال: «يعود تاريخ السوق إلى القرن الثالث عشر، فمدينة "مصياف" تقع ضمن سور له أربعة أبواب، سميت بحسب الاتجاهات باب شرقي وغربي، والباب الشمالي بداية السوق، والباب الجنوبي نهايته، وما زال جزء من الأبواب باقياً، يقع وسط السوق الطويل سوق آخر يسمى "السوق الصغير"، له مدخلان من الجهة الجنوبية مقابل جامع "النوري"، والجهة الشمالية الغربية المطلة على السوق الطويل الذي يحوي محالَّ للألبسة الجاهزة والأحذية ومهناً مختلفة، إضافة إلى مهنة الحدادة التي تعدّ المهنة الوحيدة الباقية منذ عهد الأتراك.

أقصد السوق دائماً، نتيجة التعامل الجيد من قبل التجار اللذين تميزوا بكسب ثقة الزبون لكفالتهم لبضائعهم ولسعرها المقبول، ولا بد في نهاية المشوار من شراء "شعبيات بجوز أو قشطة"؛ التي تشتهر بها المنطقة

وما زالت أغلب المحال محافظة على طابعها الأثري، إذ جرى ترميم عدد منها عام 2000 بمساعدة مؤسسة "الآغا خان"، ويقسم السوق شارع بعرض 5 أمتار لا يتناسب مع الواقع الجديد، إذ تكثر السيارات، وتتواجد محال على الجانبين مع رصيف بعرض متر أمام كل محل، ويتفرع السوق إلى عدد من الطرق الفرعية وتحوي محال على جانبيها، ويوجد في منتصف السوق مبنى السرايا الذي يعود إلى عهد الاحتلال العثماني، وحالياً تشغله مديرية الآثار والمتاحف».

التاجر إسماعيل بدر

ويتابع: «في السابق غلب الطابع التجاري والصناعي على السوق كمهنة الحدادة وتبييض النحاس والأقمشة وصناعة الأحذية التي ذاع صيتها في تلك الفترة، وبدأ السوق بعدد من محال السمانة ومحال لبيع الخضار والفواكه الموسمية، وكان جدي يملك محلاً لبيع الخضار والفواكه ليرثه والدي وليصبح ملكاً لي بعده، فأغلب محال السوق ملك؛ ومع الزمن انتقلت محال الخضار والسمانة إلى خارج السوق، وتراجعت الصناعة بسبب رؤوس الأموال للذين لحقوا المصالح الرابحة، حيث بدأ التاجر يشتري لابنه محلاً لتجارة الألبسة الجاهزة، فتجد عدداً كبيراً من محال الألبسة الجاهزة والأحذية واختفت معامل النسيج والنول والبسط، وهذا ما دفعني لأعمل بالألبسة الجاهزة».

بقي السوق محافظاً على شعبيته وبساطته، وهذا ما ميزه عن الأسواق المجاورة، وجعله مقصداً لكل أبناء المناطق المحيطة.

السوق الصغير

تاجر الأحذية "إبراهيم كمون" حدثنا بالقول: «يعدّ السوق منطقة تجارية، يكاد يخلو من السكن، وأغلب المطاعم تقدم وجبات شعبية كـ"الفلافل" والفول بأسعار مناسبة، ولا يوجد فيها مكان للجلوس، فيتم تناول الطعام "على الماشي"، وحافظت المحال على شكلها البسيط سواء بالتصميم الداخلي للمحل أم بالتعامل مع الزبون؛ إذ ما زال عدد من التجار يعتمد مبدأ التقسيط، لمعرفة أحد أفراد عائلة الزبون أو لكفالة جار بضمان تسديد مبلغ شهري يتم الاتفاق عليه مسبقاً.

رخص أسعاره وتنوع بضائعه ميزه عن باقي الأسواق المجاورة، إضافة إلى موقع "مصياف" الجغرافي المهم، يقصده أهل المناطق الساحلية وسهل الغاب و"وادي العيون"؛ وهذا جعله شريان الحياة للمنطقة؛ ولهذا يشهد السوق فترة ازدحام من التاسعة صباحاً حتى الثالثة ظهراً، ومعروف عن تجار السوق حسن التعامل واللسان اللطيف مع الزبائن؛ وهذا يشدهم للعودة مرة ثانية».

الباب الجنوبي الأثري للسوق الطويل

وعن العلاقة بين التجار حدثنا تاجر الألبسة "خضر الشيخ علي" بالقول: «بعد أن أنهيت دراسة اللغة الفرنسية شدني العمل في السوق بحكم امتلاك عائلتي لمحال متنوعة في السوق، وإيماناً بعبارة: "الرزق على الله" يسمح أغلب تجار السوق لمن يريد العمل أن يضع منتجاته أمام محالهم أو على الرصيف، وبجانب السرايا القديمة ضمن تجمع "المصلبة"، الذي هو عبارة عن تقاطع أربعة شوارع، كان يتجمع عدد من النسوة الآتيات من الريف والملقبات بـ"اللبانة" لبيع منتجاتهن من الألبان، وحالياً يعملن ببيع الخضار المنزلية والمحلية والصناعات اليدوية المنزلية؛ وبحسب المواسم كصناعة "التين الهبول" أو دبس الرمان.

المودة والثقة موجودة بين تجار السوق، حيث أفتح محلي صباحاً وإن اضطررت للذهاب فإنني أتركه مفتوحاً وجاري يتكفل بالبيع بدلاً مني إن تطلب الأمر».

ويتابع: «من يأتي زائراً إلى "مصياف" يستغرب العدد الكبير للمحال التجارية مقارنة بعدد سكانها حيث تفوق الألف، إلا أنه قديماً كانت مناطق "الغاب، سلحب، السقيلبية" تتبع لـ"مصياف" إدارياً، إلى أن فصلها الإصلاح الزراعي؛ فأصبحت "مصياف" منطقة إدارية وحدها».

"ديانا الحاج" إحدى رواد السوق من منطقة "وادي العيون" تقول: «يعجبني الطابع الشعبي الذي ميزه عن بقية الأسواق، حيث حافظ أبناء القرى على بيع منتجاتهم اليدوية المميزة بنكهتها وجودة صناعتها في هذا السوق، ولهذا أجده يلبي كافة احتياجاتي على جميع الصعد الغذائية والكهربائية والألبسة الجاهزة والأحذية، وأقصده دائماً في مواسم الأعياد لتنوع بضائعه ورخص أسعاره مقارنة بأسواق الجوار محافظاً على ربح معقول».

والتقينا "علي معروف" من الزوار الدائمين للسوق، يقول: «أقصد السوق دائماً، نتيجة التعامل الجيد من قبل التجار اللذين تميزوا بكسب ثقة الزبون لكفالتهم لبضائعهم ولسعرها المقبول، ولا بد في نهاية المشوار من شراء "شعبيات بجوز أو قشطة"؛ التي تشتهر بها المنطقة».