يعد وجود زهرة النيل في مجرى نهر العاصي آفة ضارة بالبيئة، والأكثر ضرراً سرعة نموها واستهلاكها الكبير للمياه والعناصر الغذائية، علماً أنه يمكنها أن تكون مصدر دخل اقتصادي وغذاء حيوانياً ويزيد من خصوبة التربة، فهل من مجيب؟

كثرت عمليات مكافحة زهرة النيل في منطقة سهل الغاب بالطرائق الميكانيكية، وهي الطرائق الوحيدة المتبعة حتى الآن، وقد أدرك الجميع أنها غير مجدية لأمور عدة، منها بحسب حديث المدرس "شفيق الموعي" لفريق مدونة وطن "eSyria" الاستكشافي، خلال جولته في سهل الغاب: «الكثير من الصعوبات تواجه عملية مكافحة زهرة النيل في مجرى نهر "العاصي" أولها المساحة الشاسعة التي تنتشر فيها الزهرة، ثانيها أن المكافحة غير مستدامة لأن عملية التكاثر سريعة وكبيرة، حيث تتم هذه العملية بطريقتين الأولى عبر البذور والثانية عبر التبرعم، وذلك في فترة التكاثر والنمو الرئيسة ما بين شهري نيسان وتشرين الثاني، وتكون ذروة نموه وتكاثره في الأشهر ذات الحرارة العالية، وهي حزيران وتموز وآب وأيلول، وهو ما يحتاج إلى تكلفة مادية كبيرة منذ البداية وتتضاعف مع الاستمرارية، وهذا يجعل العملية غير مجدية».

يمكن الاستفادة منها أيضاً في صناعة السماد العضوي، وذلك بإضافته إلى مكونات السماد العضوي مع القش والمخلفات الزراعية والمخلفات الحيوانية، ويتميز هذا النبات بأنه يحتوى على عناصر غذائية كثيرة تستفيد منها التربة، كما يمكن الاستفادة منها بصناعة الورق والخشب الحبيبي والوقود الحيوي

وللحديث عن هذه الزهرة قال المدرس "شادي شلهوم": «زهرة النيل نبات مائي المعيشة، بأشكال طافية على المسطحات المائية، يتكاثر بسرعة كبيرة ويستهلك كميات هائلة من المياه، إضافة إلى أنه يقوم بامتصاص كميات كبيرة من الأوكسجين المذاب في الماء، وهو ما يغير طعم المياه ويجعل رائحتها كريهة، فيكون بذلك ملوثاً للبيئة ومهدداً حقيقياً للثروة المائية.

الطريقة الميكانيكية لإزالة زهرة النيل من مجرى نهر العاصي

الموطن الأصلي لهذا النبات هو حوض نهر "الأمازون" في قارة أميركا الجنوبية، ومنها انتشر إلى العديد من دول العالم وخاصة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وهو أحد الحشائش السائدة في نهر "العاصي"، وتميز هذا النبات أزهار أرجوانية جميلة مميزة وكبيرة، وهو يتكون من مجموعة جذرية تحت سطح الماء، ومجموعة خضرية تطفو فوق سطح الماء، وله سوق قصيرة طافية وجذور طويلة نسبياً ذات لون داكن يمتلك أوراقاً دائرية أو بيضوية الشكل ذات لون أخضر لامع، بعضها منتفخ يعمل كطوافات تساعد النبات في الطفو، وأوراقه مجمعة على شكل وريدة صغيرة ذات أعناق إسفنجية منتفخة تصل إلى ثلاثين سنتيمتراً، أما السنبلة الزهرية فيتراوح طولها ما بين خمسة إلى خمسة عشر سنتيمتراً، وتتكون من عدة أزهار تصل إلى عشر أزهار.

يمتلك هذا النبات كتلة كثيفة من الجذور التي يستخدمها لامتصاص الماء والمواد الأولية الأخرى، وهو يقوم بصنع غذائه كبقية النباتات الأخرى بعملية التركيب الضوئي، وهنا تكمن خطورته على الثروة المائية ومستقبل الزراعة».

شادي شلهوم

لكن الحلول الناجعة وتسخير الزهرة للفائدة الاقتصادية والزراعية متوافرة مع القليل من الحلول التنموية، وهذا ما تحدث عنه "أكرم العفيف" مشرف لجان التنمية في القرى الأشد فقراً في منطقة "سهل الغاب"، حيث قال: «يمكن أن تكون زهرة النيل غذاء حيوانياً، وذلك عبر إنتاج الأعلاف منها بعدة طرائق منها "الدريس" كسنابل القمح، حيث يجهز بفصل الجذور واستبعادها مع الإبقاء على الأوراق والسوق وتجفيفها بواسطة أشعة الشمس لمدة تتراوح ما بين عشرين إلى ثلاثين يوماً مع التقليب كل يومين، وبعد ذلك إحلالها في غذاء الحيوان محل جزء من دريس البرسيم، بنسبة لا تزيد على خمسين بالمئة، وقد وجد تشابه بين دريس زهرة النيل ودريس البرسيم من حيث المكونات الغذائية.

أما الطريقة الثانية فتتمثل في إدخال زهرة النيل إلى الأعلاف المتكاملة المستخدمة في تسمين العجول أو تغذية ماشية اللبن، ويجب ألا تزيد نسبته في هذه الأعلاف على خمسين بالمئة، في حين أن الطريقة الثالثة تكون باستخلاص البروتينات من النبات عن طريق عملية العصر، حيث إن العصير الناتج يحتوي على جزء من البروتين والكاربوهيدرات الذائبة، وهذه المواد يمكن استخلاصها، وتستخدم كإضافات بروتينية في أعلاف الدواجن، أما مخلفات عملية العصر فيمكن إدخالها في علائق الأغنام بنسبة لا تزيد على 4%.

أكرم العفيف

الطريقة الرابعة والأخيرة بحفظ النبات واستخدامه كأعلاف غير تقليدية "سيلاج"، وذلك باستبعاد الجذور وتقطيع النباتات إلى قطع صغيرة جداً وتركها في الهواء لتجف وتصل نسبة رطوبتها إلى 60% فقط، ويفضل خلط الناتج مع بعض المواد الخشنة الأخرى بنسبة عشرين بالمئة، كما يتم إضافة المولاس بنسبة من حوالي 10 بالمئة من وزن المخلوط الكلي».

ويتابع: «يمكن الاستفادة منها أيضاً في صناعة السماد العضوي، وذلك بإضافته إلى مكونات السماد العضوي مع القش والمخلفات الزراعية والمخلفات الحيوانية، ويتميز هذا النبات بأنه يحتوى على عناصر غذائية كثيرة تستفيد منها التربة، كما يمكن الاستفادة منها بصناعة الورق والخشب الحبيبي والوقود الحيوي».

وفي دراسة أعدها "عفيف" عن التكاليف المادية والفائدة الاقتصادية والزراعية من تحويل زهرة النيل من آفة بيئية خطيرة إلى سماد عضوي، قال فيها: «إن إنشاء معمل للسماد العضوي مشروع مثالي لأسباب كثيرة؛ منها أنه يعتمد على توفير السماد العضوي النظيف كبديل للكيماوي ومخاطره على الصحة، ويستثمر المكونات الموجودة في المنطقة وهي زهرة النيل، فيساهم بمكافحتها عبر استنزافها من خلال جعلها مكوناً اقتصادياً يستفيد منه الناس من خلال جمعها وبيعها، ثم شرائها من قبل المعمل لتتحول إلى سماد عضوي مميز.

كما يمكن أن يمثل المعمل ومن خلال تعاون مجتمعي نواة لحل مشكلة مكبات القمامة عن طريق عزل المواد العضوية منها وجلبها إلى المعمل الذي يحولها بدوره إلى سماد عضوي، حيث يعتمد المعمل على الطاقة النظيفة، من خلال استخدام الغاز الناتج عن عملية التخمر في تسخين الأحواض وغيرها من الاحتياجات بما فيها الإنارة، ويصب المشروع تحت عنوان الاقتصاد المقاوم الذي يوفر مقومات صمود البلد من خلال تأمين بدائل للأسمدة المستوردة وبإنتاجية أعلى وتكلفة أقل وجودة أفضل».