موقعها الجغرافي وسط سورية يجعلها بحق تبحث لنفسها عن مكانة تستحقها على الخريطة السياحية السورية، فما السبل والطرق التي على المعنيين اتباعها كي تصبح هذه المدينة- والتي أطلق عليها عميد الأدب العربي "طه حسين" "أم القاهرة"- مدينة سياحية في زمن باتت فيه السياحة كباقي القطاعات عبارة عن مادة مصنعة يجب على الصانع إتقان حرفته لترويج منتجه، فهل هناك القدرة على هذه الصناعة؟.

موقع eSyria التقى عدداً من المعنيين بالشأن السياحي وأصحاب المحاولات الجادة في هذا الشأن، إضافة إلى مجموعة شابة أنهت دراستها في العلوم السياحية وتنتظر لنفسها الفرصة كي تؤكد علو كعبها من خلال طموحاتها في تحقيق ما يتمنونه لهذه المدينة الضاربة جذورها في عمق التاريخ.

كنا نعتبر مئة يوم عمل في السنة أمراً في غاية الروعة منذ سنتين وأكثر بتنا نعمل ما بين 150- 200 يوم في السنة وصرنا نبحث عن يوم راحة

الدكتور "عبد الكريم السيد" رئيس هيئة الاقتصاد الوطني في المجلس الإسلامي الإسماعيلي في سورية تحدث عن أهمية العمل على الجانب السياحي خاصة لما تتمتع به "سلمية" من موقع جغرافي، وأضاف: «حققنا عدة خطوات باتجاه دعم صناعة السياحة في "سلمية"، لتبيان آفاقها ومعوقاتها وسبل العمل على تطويرها، وكان الغاية من ذلك تأمين فرص عمل للخريجين من المعاهد السياحية، إضافة إلى الوقوف على الجانب السياحي في سلمية».

د. "عبد الكريم السيد"

وتابع: «العمل المدروس بعناية يحتاج إلى متابعة وهذا ما دعانا إلى تشكيل لجنة تدرس كل النواحي الصالحة لقيام سياحة ذات منتج ودخل مادي لأبناء المنطقة، وكذلك تأمين فرص عمل لكثير من الشباب المهتم بهذا القطاع الحيوي، ما يدعونا إلى زرع ثقافة التوجه إلى دراسة العلوم السياحية لدى جيل الشباب، خاصة وأن شبكة الآغا خان بصدد افتتاح فندقين من سلسلة فنادق "سيرينا" الخاصة بالشبكة، وهي بحاجة إلى ما يقارب أربعمئة موظف في الشأن السياحي والفندقي ونطمح أن يكون شبابنا من بين الناجحين في العمل مستقبلاً وخلال العامين القادمين».

ولمعرفة رأي الدارسين لعلم الآثار وما يمكن لهذه المدينة أن تقدم للسائح من إضافة معرفية خاصة من الناحية الأثرية، التقينا السيد "طارق الشيخ حسن عواد" الذي اعتبر التعاون بين الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية ممكن أن يؤتي أكله، وأضاف: «دورنا هو إظهار الجانب السياحي الموجود في هذه المنطقة لجذب المستثمرين وأصحاب الأموال الموجودين في المنطقة وكذلك أصحاب المكاتب السياحية وشركات النقل البري السياحي للعمل».

جمال الطبيعة في سلمية

الدليل السياحي "فيصل عليا" والذي يعمل كدليل منذ العام 1994 لم يذكر أنه زار مدينة "سلمية" برفقة أي مجموعة سياحية، سألناه عن مهنته، وما الذي تعود به على الواقع السياحي فيما لو تم تشجيع الشباب على دراستها، فقال: «مؤخراً بدأت تظهر مسألة الصناعة السياحية في سورية، وهذا من شأنه أن يعطي دوراً كبيراً للدليل السياحي أن يكون ذا فاعلية أكبر، فمهنة الدليل مهمة وممتعة وتدر دخلاً جيداً، ولكن هناك ما يجب على الدليل أن يقوم به كالاعتناء باللغات الأجنبية، كذلك أن يكون مثقفاً، وفي سورية على الدليل السياحي أن يحمل ثقافات متنوعة بسبب تنوع الأماكن التاريخية التي مرت عليها، وهذا ما يضع الدليل أمام مسؤولية الإلمام بهذه الحقب التاريخية لتقديمها للسائح الذي يبحث عن المعلومة الحقيقية المترافقة مع المشهد الذي يشاهده».

وختم بقوله: «كنا نعتبر مئة يوم عمل في السنة أمراً في غاية الروعة منذ سنتين وأكثر بتنا نعمل ما بين 150- 200 يوم في السنة وصرنا نبحث عن يوم راحة».

"طارق الشيخ حسن عواد"

الدكتور "محمد صادق الدبيات" رئيس جمعية أصدقاء سلمية صاحبة تجربة السياحية البيئية في قرية "الشيخ هلال" أشار إلى ضرورة العمل على هذا الجانب، مضيفاً: «السائح يبحث عن كل جديد ويمكن أن نجد الجهات التي تمول مثل هذه المشاريع، فما قمنا به أدخل أهل القرية التي كانت آيلة للهجران أن تقف على قدميها من جديد وإدخالهم في عالم السياحة الذي لا يعلمون عنه شيئاً، فتعلموا كيف يتعاملون مع السائح الأجنبي، كيف يقدمون أنفسهم بالشكل اللائق، هذا من جانب، الجانب الآخر ما حققه هذا المشروع من دخل مادي لأصحاب القبب الطينية التي آمنت بفكرة هذا المشروع وغامرت وكانت المغامرة مثمرة».

الدكتور "حسن سيفو" معاون مدير الإعلام في "شبكة الآغا خان" في سورية أكد على ضرورة التعاون من قبل جميع الجمعيات وأصحاب الشأن، مضيفاً: «هناك من المنظمات الدولية باستطاعتها تمويل ودعم أي مشروع سياحي من شأنه تأمين فرص عمل وإحياء المنطقة التي تتوافر فيها مقومات نجاح المشاريع السياحية، وأضرب مثالاً على ذلك ما قامت به شبكة الآغا خان من عمليات ترميم لـ"قلعة حلب" و"مصياف" و"صلاح الدين"».

ويبقى السؤال هل بإمكان المعنيين دعم الصناعة السياحية في مدينة يوجد فيها أول وأقدم ثانوية زراعية في المشرق العربي، كما أنها قدمت للعالم "رسائل إخوان الصفا"، وتختزن الكثير في جنباتها من شواهد من التاريخ على عمقها وجدارنها بأن تجد لنفسها موقعاً على الخريطة السياحية.