تتميز مصياف بصبغة تاريخية وأثرية مهمة، وهي تصنف كمدينة تاريخية في سجلات المديرية العامة للآثار، وبحكم هذا التصنيف تمتلك خصائص متميزة كغيرها من المدن التاريخية مثل البيوت الأثرية ذات النسيج العمراني الإسلامي وسور أثري يحيط بالمدينة القديمة تتركز فيه أربعة أبواب كبيرة ذات عراقة وفوائد لا يعرفها إلا قاطنو المدينة القديمة.

وتعد هذه الأبواب ممرات مخفية ومنافذ بين الحارات الضيقة، كما وجد البعض في أقبيتها مسكناً مناسباً، والبعض الآخر حط رحاله فوق هذه الأبواب على ارتفاع ثلاثة أمتار و بنى عليها منزله.

لابد من تغيير المخطط التنظيمي وتعديله بالتنسيق مع شعبة الآثار بما يكفل تخفيف الازدحام السكاني في قلب المدينة وإظهار معالمها الأثرية كما تستحق

موقع eHama طاف في شوارع مدينة مصياف القديمة الأربعاء في الثالث من شهر "آذار" 2010 للتعرف على هذه الأبواب الأثرية وأهميتها بالنسبة لأهل المدينة.

الوجه الخلفي للبوابة الجنوبية

وبالقرب من الباب الداخلي في قلب المدينة القديمة وهو أصغر أبواب المدينة التقينا "محمد وطفة" بائع أدوات مستعملة وهو يملك أحد الأقبية في هذا الباب فيتحدث قائلاً: «وعيت على الدنيا وأنا أسكن مع والديّ في منزلنا المتواضع فوق هذا الباب، وأشعر بعلاقة تربطني مع حارتنا، ولا أقدر أن أفارقها رغم علمي بأن وجود منزلنا فوق هذا الباب ينطوي على خطر تداعي حجارته وربما يسبب كارثة لنا، كما أنه غير منطقي من الناحية الأثرية عموماً إن كان هناك أي فكرة لإعادة ترميم هذا الباب، فلن نقف في طريقها بشرط أن تتكفل مديرية الآثار بمنحنا التعويض اللازم لشراء منزل آخر».

واستوقفنا "سالم إبراهيم" أحد المارة فيقول: «جميل أن يكون لدينا أبواب أثرية في مصياف نمر عبرها، لكن المحزن أن نرى تصدعات وتشققات في جسد هذه الأبواب تهدد بانهيارها نظراً لثقل المنازل فوقها، أو نرى أعمال تدعيم اسمنتية لهذه المنازل تغير البنية الأثرية للبوابات، حتى أنك وتكاد لا تعرف أن هذا الباب أثري نظراً لكثرة الأعمال الاسمنتية فيه، خصوصاً في الباب الداخلي، ولابد من إزالة هذه المنازل وإعادة الطابع الأثري لهذه الأبواب لأنها تشكل نقاط جذب سياحي ونحن مدعوون بحزم للحفاظ عليها».

الآنسة "فاطمة محمود" من شعبة آثار مصياف

كما القينا "يوسف سليمان" خياط قرب الباب الشمالي للمدينة المتداعي نوعاً ما فيقول: «تشبه أبواب مدينة "مصياف" القديمة أبواب مدينة "دمشق"، فهي بمثابة أثرٍ ينبض بالحياة كونها تيسر تنقلات المشاة ويستخدمها المارة كعبارات تختصر الوقت وتربط بعض شوارع المدينة بشكل مختصر، وأنا أستخدمها بشكل يومي في تنقلي بين دكاني ومنزلي وأشعر برهبة عندما أولج فيها لعراقتها ودقة بنائها، ومن المؤسف أن تعاني هذه البوابات من تكدسٍ عمراني فوقها وبمحاذاتها لذلك لابد من أعمال ترميم وإزالة جميع الأبنية الإسمنتية، كي تظهر بمظهرها الأثري الأنيق الذي يضفي على مدينتا جماليتها الحقيقية».

تمتلك مصياف خمسة بوابات أربعة منها على السور الخارجي هي شمالي وشرقي وغربي وجنوبي، وباب أخر داخلي ضمن أحياء المدينة القديمة كما تقول الآنسة "فاطمة محمود" من قسم المباني الأثرية في شعبة أثار مصياف وتتابع: «ما تزل بعض الأبواب تحافظ على حالتها الأثرية، باستثناء الباب الشمالي والداخلي، ويعود تاريخ بنائها للفترة الأيوبية وبالتحديد القرن الثاني الميلادي، وتتميز هذه الأبواب بأن تأخذ شكلاً موحداً تقريباً بارتفاع لا يزيد عن ثلاثة أمتار، بعرض ثلاثة ونصف المتر، وتكسو أقواسها الداخلية زخارف ذات طابع إسلامي، إضافة إلى كتابات أثرية إسلامية تؤرخ فترة بنائها».

"محمد وطفة" صاحب أحد الأقبية في الباب الداخلي الأثري لمدينة مصياف

وتضيف: «تعاني هذه البوابات من زحف اسمنتي يكاد يخنق معالمها الأثرية، وتحيط بها المنازل الاسمنتية من كل جهة حتى أن بعض الأهالي قد بنى فوقها منزله، كما هو حال الباب الجنوبي والداخلي وهذا منذ زمن بعيد عندما لم تكن في مصياف رقابة أثرية، وأدى ثقل هذه المنازل إلى ظهور تصدعات في بدن الأبواب ما يشكل خطراً على المارة الذين يستخدمونها، ونحن في شعبة أثار مصياف نحاول قدر الإمكان الحصول على دعم من مديرية الآثار لإجراء ترميمات اسعافية توقف التدهور الحاصل فيها، لكننا لم نحصل إلا على دعم لترميم الباب الشمالي».

وللتأكد من ضبط الحركة العمرانية في أحياء المدينة القديمة زرنا مجلس مدينة "مصياف" والتقينا الأستاذ "محمد الشيخ علي" رئيس البلدية والذي تحدث قائلاً: «نحن حريصون على رصد جميع المخالفات العمرانية وإزالتها، وبالأخص في قلب المدينة القديمة كما أننا لا نمنح أية رخصة بناء فيها أو ننفذ أية أعمال صرف صحي أو تنظيم للشوارع القديمة إلا بعد الحصول على موافقة أثرية مسبقة حفاظاً على النسيج الأثري للمنطقة».

ويتابع: «لابد من تغيير المخطط التنظيمي وتعديله بالتنسيق مع شعبة الآثار بما يكفل تخفيف الازدحام السكاني في قلب المدينة وإظهار معالمها الأثرية كما تستحق».