غرست اللوحات التي قدمتها عدد من فرق مهرجان "حماة الأول لذوي الاحتياجات الخاصة" لعام 2010 الفرحة في قلوب الكثيرين من الذين حضروا خلال يومي الخامس عشر والسادس عشر من شهر شباط 2010.

لكنها غرست ما هو أكبر من ذلك في قلوب هؤلاء الذين ساهموا في أداء هذه اللوحات، ولعل النظر إلى الفكرة بحد ذاتها يعكس النية السليمة والاتجاه الصحيح الذي تسلكه مديرية الثقافة في حماة في سعيها إلى التنويع من خلال مشاركة مختلف الجهات والأفراد ذوي المواهب في صنع حراك ثقافي يقدّم نفسه على أنه وليد تفاعل اجتماعي حميمي يضعنا اليوم ومستقبلاً أمام مسؤوليتنا في بناء ثقافتنا التي هي نحن.

عمري أحد عشر عاماً، أنا كان اسمي في المسرحية "الأميرة رورو"

فمن يعمل يخطئ، وإن كنّا هنا في هذه المادة نشير إلى عثرة أو خلل فلأننا أردنا من القائمين على المهرجان تجاوزها في المهرجانات القادمة، خاصة إن كانت تحمل خصوصية كبيرة من حيث الأفراد المشاركين فيها، مثل مهرجان ذوي الاحتياجات الخاصة.

المدربة "رشا عفارة" مع الطفلة "مرح عاشور"

تقول المدربة "رشا عفارة" من مركز دراسات وأبحاث رعاية المعوقين في "السلمية" والتي عرضت علينا مسألة رأينا أنها من الأهمية بمكان لنعالجها: «لدينا في المركز إعاقات مختلفة، قمنا بتوزيعها إلى خمس فئات حسب نوع الإعاقة ودرجتها، وعملنا على دمج بعض الإعاقات الموجودة، مشكلّين منها فرقة، دربناهم على أداء أغنية ومسرحية وجهزنا الإكسسوارات، وحفظ الأطفال أدوارهم في العمل، بغية المشاركة في مهرجان المعاقين، وعندما بدأنا صباح اليوم التدريب على خشبة المسرح، أخبرتنا اللجنة المنظمة أننا لن نتمكن من أداء المسرحية، وسنقدم فقط الأغنية».

وأضافت "عفارة": «استغربنا ما حدث، خاصة أن الأطفال استعدوا لأداء المسرحية منذ أكثر من أسبوعين، كما أن مدّة المسرحية لا تتجاوز الخمس دقائق».

من مسرحية "الأميرة رورو"

وتتحدث المسرحية التي يقدمها عدد من الفتيات عن رحلتهن إلى البحر لصيد السمك، حيث يعثرن على خاتم داخل سمكة، لتخرج منه أميرة، تحقق لهن إحدى رغباتهن، ضمن سياق كوميدي.

وأضافت المدربة "رشا عفارة": «الأطفال احتجوا على ما حصل، وطلبوا مني عدم أداء الفقرة الثانية، وهي الأغنية التي يشاركون فيها».

المرشدة النفسية "جمانة حيدر"

أما المدربة الثانية للفرقة "لميس فطوم" فقالت: «المهرجان هو الأول من نوعه، وهو مهم معنوياً للأطفال لتقديم أفضل ما عندهم، لتحقيق سياسة الدمج مع المجتمع».

وأضافت "فطوم": «أتى الأطفال وهم جاهزون لأداء المسرحية، إلا أنهم تأثروا وبكى عدد منهم بسبب ما حصل، حاولنا التخفيف عنهم، وحاولنا تحفيزهم من خلال وعدهم بتقديم المسرحية في مكان وزمان مختلفين».

وقالت إحدى الطفلات المشاركات "رفاه دلا" ذات العشر سنوات والتي تعاني من إعاقة "صعوبات تعلّم": «حزنت كثيراً، لأني لن أقدّم المسرحية، وكنت سوف أبكي، لأننا تعبنا في التحضير للمسرحية وتدربنا عليها كل يوم».

وقالت زميلتها "راما القصير" ذات التسعة عشر عاماً والتي تعاني من نفس الإعاقة: «أنا و"حلا"، و"رفاه"، و"لجين"، و"مرح"، و"وئام" كنّا سنقدم مسرحية تفرح الأطفال».

أما "مرح عاشور" التي تعاني من "الداون" فقالت: «عمري أحد عشر عاماً، أنا كان اسمي في المسرحية "الأميرة رورو"».

توجهنا إلى الآنسة "وصال شحود" مديرة مركز دراسات وأبحاث رعاية المعوقين في السلمية والتي لم تكن تعرف بما حدث، وبمجرد أن أخبرناها القصة، ذهبت إلى مدير الثقافة في حماة الأستاذ "محمد عارف قسوم"، وبعد نقاش لم يطل كثيراً عادت إلينا، وأخبرتنا أن اللجنة المنظمة تراجعت عن قرارها، وأن الفرقة ستقدم المسرحية.

تقول الآنسة "وصال": «كانت نظرة القائمين على المهرجان أن فكرة المسرحية بسيطة، وهذا طبيعي لكون إعاقة أطفالنا ذهنية لذلك من الطبيعي أن تكون المسرحية بسيطة، كما أن المهرجان أساساً هو مهرجان ذوي الاحتياجات الخاصة، تداركنا الموضوع من خلال المناقشة مع مدير الثقافة في حماة، وسيعود الأطفال لتقديم المسرحية».

وللوقوف على التأثير النفسي على الأطفال الذين تعرضوا للأخذ والرد، توجهنا إلى المرشدة النفسية والمختصة بالإعاقة العقلية السيدة "جمانة حيدر" المديرة الفنية لجمعية "الرجاء" الخاصة للإعاقة العقلية، تقول: «من خلال هذا المهرجان من الممكن الاستفادة من المسرح، عن طريق الدراما لتخديم الأهداف التعليمية، وهناك أهداف أخرى تتعلق بالنواحي الاجتماعية، بالإضافة إلى أهداف تسعى لتعزيز روح المبادرة والتعبير والتقليد واللعب».

وأضافت "حيدر": «ما حدث ذو أثر سلبي، خاصة عند الأطفال ذوي الحالات البسيطة، هؤلاء الأطفال الذين يكونون واعين تماماً لما يحدث، ويكون عندهم مهارات سلوك تكيفي عالية، ويكون الطفل طبيعياً من الناحية اللغوية والاجتماعية، حيث يكون لديه تأخر معرفي بسيط، فالمسألة سيكون لها أثر نفسي كبير يتمثل بالرفض وعدم القبول، وستكون ردة فعل الطفل ذات انعكاس سلبي، فمجرد قدوم الطفل ذي الاحتياج الخاص لمثل هذا الجو يعتبر فرحة لا توصف، فكيف لو شارك بهذا المهرجان».

ونصحت المرشدة النفسية "جمانة حيدر" باستخدام الإرشاد النفسي العقلاني في إعادة الأطفال للجو، وقالت: «يقع على عاتق المدربين في هذه الحالة تهيئة وسائل الإقناع المناسبة ومحاولة الحد من الآثار السلبية التي أحدثتها حالة الرفض».

في النهاية قدّم الأطفال ما أتوا لأجله، وفي ختام مسرحيتهم، وبينما كانت البسمة تغمر وجوههم، غنى الأطفال ما اختصر علينا كثيراً مما أردنا قوله:

كل الوجوه بتختلف/ بس القلوب بتجتمع/ عالحب، عالصدق، عالوفا/ ونحنا هون مجتمعين/ يا أصحاب يا حلوين/ عالحب، عالصدق، عالوفا..