"الزيتون" شجرة مباركة باتت هدف كل ذي صاحب قطعة أرض، وفي "سلمية" المدينة ذات الماضي العريق بعيونها التي تفجرت بعدد أيام السنة، وبكرومها التي خذلها أصحابها في لحظة غفلة فذهبت ضحية "القطن" وهو الذي أطلق عليه "الذهب الأبيض" ، أجيال تنعي ما مضى من الزمن، فلا الأرض بقيت خضراء، ولا الآبار جادت بما فيها، غارت المياه في الشقوق، وأيادٍ سوداء عبثت بما تملك، غير أن الأجيال الحالية تنبهت جيداً للقيمة التي تحملها الأشجار فكانت اللوزيات، ومن ثم الحمضيات، واليوم تحولت "سلمية" إلى غابات من الزيتون.

ويصل عدد الأشجار في منطقة سلمية وبحسب تقرير من المهندس "هيثم عجوب" رئيس "جمعية الزيتون" في سلمية، إلى/ مليوني شجرة زيتون/، وهذا ما يشكل ثروة وطنية، أوهي النفط القادم، فالنفط ينضب، أما الزيتون فلا.

يمكن أن يستفاد من ثمارها بعد ثلاث سنوات من زراعتها

موقع eSyria وفي موسم الغراس زار مستودع "الحزام الأخضر" في سلمية ليطلع من أمينه وبعض المزارعين على واقع زراعة الأشجار في هذه الفترة من السنة، فالتقينا السيد "فواز جبر" أمين المستودع الذي تحدث عن حركة بيع غراس شجر الزيتون فقال: «قياساً للأعوام التي مضت تعتبر حركة بيع الغراس مقبولة، ولكن الأرقام في تناقص مستمر، فلا يمكن مقارنة حركة التشجير قبل خمس سنوات بما هي عليه في هذه الفترة، وهذا أمر طبيعي، فمعظم المزارعين أخذوا حاجتهم من هذه الغراس، ولكن ما زال هناك من يبحث لنفسه عن مكان ولو على الأرصفة كي يزرع شجرة زيتون».

"فواز جبر" أمين مستودع الحزام الأخضر في سلمية

وكونه أميناً للمستودع والمشرف المباشر على تسجيل كل غرسة تباع، يذكر بالأرقام الآتي: «في سجلاتنا ما يبرهن على صحة أن عدد الغراس التي تباع في تناقص، ففي العام 2007 تم بيع/ ستين ألف غرسة/ في حين وصل عدد الغراس التي بيعت حتى نهاية العام 2009 لا يزيد عن/تسعة آلاف غرسة/».

وفي الانتقال إلى الأنواع التي يتم بيعها، قال: «هناك أنواع متعددة لشجر الزيتون، ولكن ومنذ العام 2001 تم توحيد النوع ليتم التداول عبر صنفين الأول يطلق عليه اسم "الصوراني"، والثاني اسمه "القيسي" وميزة الحبة فيه أنها كبيرة، وسبب اعتماد هذين الصنفين بسبب مقاومتهما للجفاف، كما أنهما يعيشان في الأراضي الصحراوية، وأراضي منطقة سلمية من هذا النوع الذي تعيش فيه مثل هذين النوعين، فمعظم الأشجار بعلية».

عمال المستودع

وعن كيفية التعامل في بيع الغراس يقول: «هناك نوعين للزراعة، الأولى وهي ما نسميها زراعة منزلية، ويحق للمزارع أن يشتري/100 غرسة زيتون، و 150 غرسة من باقي الأصناف المثمرة/ وذلك بناءً على بطاقته العائلية. أما النوع الثاني فهو ما يعرف بزراعة مشروع الحزام الأخضر، وهنا يتم البيع بناءً على المساحة التي ستزرع، فكل "دونم" يحتاج إلى ستة عشر غرسة من الزيتون، و أربعة وعشرين شجرة "لوز"».

ويضيف: «كما أن هناك مراقبة لطريقة الزراعة، فيجب أن تكون مثالية ليكون المردود جيداً، ونراعي في ذلك أن لا تقل المسافة بين خطوط الزراعة عن ثمانية أمتار، ونركز كثيراً على مسافة الأمان في الحدود بين الجوار».

المزارع"محمود زعير" ومن خلفه "محمود شهاب"

وعن سبب تراجع البيع في مستودع القطاع العام قال: «الواقع إن الروتين الذي يقيد حركة المزارع ويكلفه من الجهد الشيء الكثير، فالإجراءات التي نطلبها لكي نبيع غرسة واحدة لأي كان تسبب هذا النفور والابتعاد إلى المشاتل الخاصة ليشتري منها رغم أسعارنا منافسة ففي السنة الفائتة كان سعر الشجرة/ خمسة وعشرين ليرة/ بينما تباع اليوم بـ "ثلاثة عشر ليرة فقط" ويتابع: من أهم شروط بيع غراس الزيتون أن تكون طبيعة الأرض التي ستزرع صخرية، وهذا ما لا يتماشى ورغبة الكثيرين الذين يملكون من العقارات الغير صخرية».

من جهة أخرى التقينا المزارع "محمود زعير" والذي دعانا لزيارة أرضه التي لا تبعد كثيراً عن مكان تواجدنا في مستودع الحزام الأخضر، وهناك شاهدنا أشجاراً معمرة، وأخرى قد قطعت بعد أن هرمت وأصابها اليباس، فقال لنا: «نحن من الأوائل الذين زرعوا شجرة الزيتون منذ ما يزيد عن الثمانين عاماً، واليوم نقوم بـ"رتي" الأشجار التي قطعت».

وسألناه عن المدة التي تحتاجها الشجرة كي تنتج، فقال: «يمكن أن يستفاد من ثمارها بعد ثلاث سنوات من زراعتها».

المزارع "محمود شهاب" سائق جرار، ينقل الأشجار من المستودع إلى حيث سيكون مقامها، وعن طبيعة عمله يقول: «ليس أجمل من التعامل مع الطبيعة، ولو أنها تقسو علينا بعض الوقت، ولكن ليس من سعادة يمكن أن اشعر بها أكثر من تلك اللحظات التي أضع شجرة في حفرة وأسقيها بالماء، وسعيدٌ كل من يكتب له أن يشاهدها وهي تكبر يوماً بيوم».