التوعية والثقافة الصحية مهمة في صد أخطار الجائحات المرضية بمختلف مسمياتها ومسبباتها، وتحقق نتائج حقيقية على أرض الواقع عندما تلقى الاهتمام والشعور بالمسؤولية لدى المجتمع الأهلي، حيث تنخفض الإصابات بالمرض بنسب جيدة ملحوظة في المجتمع.

مدونة وطن eSyria زارت قرية "جنان" التي تقع "شرق، جنوب" مدينة "حماة" صباح يوم الأربعاء الثالث من شهر شباط 2010، والتقى الدكتور "خلدون بطرش" المشارك بحملة التوعية التي تقوم بها مديرية الصحة في "حماة" في المدينة وريفها، للتعاون مع المجتمع الأهلي بالدرجة الأولى ومع الجهات الرسمية في الحد من انتشار طفيلي "الايشمانيا" عن هذه الجولة حدثنا قائلا: «استعرضنا إصابات "الايشمانيا" الموجودة في القرية، وسنقوم بتعميم هذه التجربة بوصف أن قرية "جنان" مصنفة كقرية "صحية" من خلال اللقاءات الجماهيرية وبالتالي تحديد دور المواطن في الوقاية من "الايشمانيا" السهلة والتي يستطيع المواطن بكل اليسر القيام بها دون العودة للبلدية والصحة وسواها، والتي تعتمد على النظافة الشخصية والبيئية».

النشاط البشري وما يحدثه من تغيرات في البيئة المحيطة نتيجة التوسع في المشاريع الزراعية والصناعية والتوسع العمراني العشوائي ونتيجة لاستخدام المبيدات الحشرية التي أخلت بالتوازن الحشري حيث أدى ذلك إلى سيادة أنواع معينة من الحشرات على حساب أنواع أخرى

وأضاف موضحا المهام الواجب على الأخوة المزارعين القيام بها قائلا: «التخلص من مخلفات الحيوانات "الروث" بشكل دوري وكذلك كل النفايات الناتجة عن البشر والحيوان، تغليف جدران الحظائر بالأسمنت لعدم ترك فراغات تحتضن بيوض ذبابة "الرمل"، وطرشها بمادة "الكلس الحيّ" كمعقم، التخلص من الصرف الصحي المكشوف، التبليغ المباشر عن حدوث الإصابة للمستوصف أو الإرشادية الزراعية لمحاصرتها ومعالجتها».

الدكتور خلدون بطرش

ثم أشار للعوامل المؤثرة في انتشار مرض "اللايشمانيا" قائلا: «النشاط البشري وما يحدثه من تغيرات في البيئة المحيطة نتيجة التوسع في المشاريع الزراعية والصناعية والتوسع العمراني العشوائي ونتيجة لاستخدام المبيدات الحشرية التي أخلت بالتوازن الحشري حيث أدى ذلك إلى سيادة أنواع معينة من الحشرات على حساب أنواع أخرى».‏

وأضاف مشيرا لعامل آخر بالقول: «عمليات إنشاء السدود بالرغم مم تحققه من فوائد فهي تؤدي بالمقابل إلى تغيير في درجات الحرارة والرطوبة في المناطق المجاورة للسد وهذا يؤدي إلى خلق ظروف ملائمة لذباب "الرمل" من جهة والى وجود "القوارض" من جهة أخرى، وهذا ما حدث بالضبط في منطقة "محرده" و"الغاب" حيث ظهرت إصابات "اللايشمانيا" بعد إنشاء السدود فيهما.‏ وتزايد الحركة السكانية إلى الأماكن الموبوءة مثل "البدو الرحل" وغيرهم الذين يرافقون أغنامهم ومواشيهم سعيا للمرعى في المناطق التي يستوطن فيها مرض "اللايشمانيا" حيث يتعرضون للإصابة بهذا المرض».

رئيس بلدية قرية "جنان"

عن الأسباب في انتشار المرض، أجاب قائلا: «إنشاء المعامل والمعاصر والمداجن وانتشار الروائح الواخزة منها، وجود مستنقعات من مخلفات الصرف "صرف صحي سيء" أونتيجة تجمع مياه المطر، انتشار حظائر الأغنام والأبقار وفق شروط غير صحية من حيث التهوية والتشميس والبناء، عدم توفرالتعقيم الأسبوعي أو الشهري وربما حتى ولا سنوي، تجمع الروث وعدم ترحيله إلا بعد شهور وانتشار الروائح الكريهة نتيجة لذلك، تزايد أعداد مربي الماشية ضمن المخطط التنظيمي للقرية، عدم توفر الصرف الصحي في بعض الأحياء القرى، تحول بعض الأودية الى مكبات للنفايات والحيوانات النافقة، كثرة "الكلاب" الشاردة وانتشار "الجرذان" بأعداد كبيرة».

كما التقينا الأستاذ "خالد طوماني" رئيس بلدية "جنان" الذي حدثنا عن دور الأهالي في الحد من انتشار المرض قائلا: «بدأنا الحملة من الناس حيث قمنا بالتعاون مع مديرية الصحة والجهات المعنية الأخرى بحملات توعية كي نصل لنتائج إيجابية، لأننا نعتقد أن الفرد هو الأساس في الحد من انتشار الجائحات المرضية وسواها، وقد نجحنا في هذا الجانب حيث لعب الأهالي دورا مميزا في هذا الجانب، ولم نضطر لاستخدام القوانين الرادعة مثل قانون "النظافة49"».

النفايات وضرورة الخلاص منها

وعن الخطوات التي تم تباعها لتكريس هذه الحالة من التعاون مع المجتمع الأهلي أجابنا قائلا: «المتابعة والمراقبة من قبل الجهات المعنية للمخالفات وقمعها مباشرة، الاستعانة بشيخ المسجد في الحث على النظافة لأنها من الإيمان، وأن المصابين هم أبنائنا وأخواتنا، ووضع اللافتات المدون عليها الإرشادات الوقائية وطرق المعالجة، واستطعنا انجاز 75% من الصرف الصحي، وهناك أكثر من مشروع لتنفيذ النسبة الباقية، بالإضافة إلى محطات معالجة النفايات والصرف الصحي كحلول للحد من انتشار الأوبئة».

رئيس المركز الثقافي العربي الأستاذ "حسام طوماني" حدثنا عن دورهم في نشر الوعي الصحي والثقافي بشكل عام قائلا: «حملات التوعية تقوم بشكل تعاوني بين الجهات الرسمية والأهالي وذلك عبر المحاضرات واللقاءات الجماهيرية مع المعنيين من مديرية الصحة والإرشادية الزراعية وتوجيه الأخوة المواطنين لاتخاذ الإجراءات الصحية الوقائية من مختلف الأمراض، وهناك استجابة وتعاون جيد في هذا الجانب من قبل الأهالي».

الدكتور "أحمد جهاد عابورة" رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية، ساهم في هذا اللقاء الجماهيري بتقديم المقترح التالي لتكريس التعاون وزيادة مشاركة المجتمع الأهلي في الحد من انتشار مرض "الملاريا، والايشمانيا" قائلا: «إن المديرية ستقوم بيوم محدد بإرسال طبيب مختص لفتح عيادة"جلدية" وطبيب مختص لفتح عيادة "سكري"، وذلك بالتعاون مع البلدية والوحدة الإرشادية وباقي الجهات المعنية والإعلان عن الموعد قبل فترة على الأهالي لمعالجة الإصابات الجلدية الناشئة عن "الملاريا، والايشمانيا" وكذلك بالنسبة لمرضى السكري لدى "الحوامل"، ذلك لتفعيل المجتمع المحلي، يسبقها محاضرة وإرشادات ثم إجراء المعالجة والاختبارات لمن يرغب من الأخوة الموطنين».

وبدوره الدكتور "خلدون بطرش" قدم اقتراح للحد من انتشار المرض قائلا: «هناك موجود في العالم "ناموسيات" والمعروفة شعبيا "الكلّة" مشبعة بالمبيدات آمنة ومنسوجة مع خيط "الناموسية" تحتوي المبيد، وهذه خطوة جديدة ساهمت بخفض نسبة الإصابة بالمرض من خلال الدراسات التي تمت، ويوجد منها ثلاث قياسات، فردية، زوجية، عائلية، يمكن بمساعدة المنظمات الشعبية والأهلية استجرارها وتوزيعها على المواطنين وهي غير مكلفة، وهذا يحتاج لتعاون مع المجتمع المحلي».

ونتيجة لروح المسؤولية ولوضع النقاط على الحروف عقد اجتماع مباشرة بعد اللقاء الجماهيري ضم الجهات المعنية "أمين شعبة الحزب، ورئيس البلدية، والإرشادية الزراعية، ومجموعة الأطباء الممثلة لمديرية الصحة"وبحثت المقترحات وتفعيلها مباشرة لخصها لنا الدكتور "أحمد جهاد عابورة" قائلا: «أولا فتح العيادة الجلدية والسكرية أمام الأهالي، ثانيا أن تقوم البلدية بالتعاون مع الإرشادية الزراعية زيادة التوعية في العناية بالحظائر وإتباع المعايير الوقائية فيها، ثالثا التأكيد على أن الوقاية واتخاذ سبلها أهم من رش المبيدات، رابعا تفعيل برنامج مكافحة القوارض والكلاب الشاردة بوصفها مخزن لطفيليات مرض "الايشمانيا"، خامسا موضوع "الناموسيات" ومتابعة هذا الموضوع مع الجمعيات الأهلية».

كما أشار الدكتور "سامر مسلم سلامة" مدير القرى الصحية موضحا ماذا تعني هذه التسمية قائلا: «المعيار الأساس لهذه التسمية أن يقوم المجتمع المحلي بتحديد أولوياته بنفسه، ومساعدة أجهزة الدولة في ترتيب هذه الأولويات والقيام بتنفيذها، لذا عندما نقوم بتوعية المواطن بضرورة النظافة يكون هو العامل الأساس في ذلك، وبذلك نكون قد قضينا على ذبابة "الرمل" وباقي الأمراض الأخرى بالنظافة، وبهذا نكون قد وضعنا الإنسان أمام أهمية دوره في الحد من انتشار الأوبئة بشكل عام».