من أوائل منابت الحضارة السورية، سميت بـ"الحصن" نسبة إلى قلعتها، وأطلق عليها مدينة النواعير لانفرادها عن بقية مدن العالم بنواعيرها، ودعيت بأبي الفداء نسبة لملكها وعالمها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 تشرين الأول 2014، الباحث والموثق التاريخي "محمد حسان العظم" أحد أبناء مدينة "حماة"، إذ قال: «تعد "حماة" وحوض العاصي من المناطق التي سكنها البشر منذ ما يقارب 600 ألف سنة، وهي من أوائل منابت الحضارات البشرية، تتربع على ضفاف العاصي مذ وجد هذا النهر فتعطرت بأريج أزهاره وتوضأت بمائه الطاهر لتمدّ يد العطاء شمالاً إلى مدينة "حلب"، وجنوباً إلى مدينة ابن الوليد "حمص"، وشرقاً إلى أعماق البادية وعاصمتها "تدمر"، وغرباً إلى عروس الساحل "اللاذقية"، وقد امتزج هذا الجمال بروح إنسانية، وعاطفة صادقة، ونفسٍ مرهفة الإحساس، وتذوّق حلوٍ لطعم الجمال الحموي، فارتسمت الابتسامة اللطيفة على شفاه شعراء "حماة"، وعزفت على الأوتار قصائد وأغنيات تلوّنت بلون الزهور، ففاح عبقها ليعطر برائحته العالم كلّه، أنشدوا فأجادوا الإنشاد مع موسيقا النواعير، فأخذت تتمايل هنا وهناك، وشرعت تهمس في الآذان، لتطرب النفس وترقص الأبدان».

أنّ "حماة" بالفتح بلفظ حماة المرأة، وهي أمّ زوجها، وحماة أيضاً: عصبة الساق (كما ورد اسم حماة في التوراة باسم حمت الكبرى تمييزاً لها من حمت الصغرى في "كيليكيا". وذلك نسبة إلى حماة من أبناء كنعان الذي يُنسب بناؤها إليه)

ويتابع: «يقال إنّ اسمها مأخوذ من اسم أول ملك آرامي لها كان يدعى "حماة"، أو من اسم "حام" المدفون فيها؛ ففي "حماة" اليوم مسجد يقال له مسجد النبي حام، ويعتقد أن "حام" نبي وأنه مدفون جوار المسجد، أما الكتب القديمة وما سجل على الأنصاب فتبين أن "حماة" تعني الحصن أو القلعة، وفي اللغات الشرقية يسمى الحصن "حامات"، وهناك من يقول إن "حماة" اسم جاء للمدينة من اسم أول ملك آرامي حكمها، ثم تبدل اسمها "ابيفانيا"؛ وذلك عام (301) قبل الميلاد نسبة إلى الملك السلوقي أنطوخيوس ابيفانس الرابع، هذا في القديم وفي العصر الحاضر تشتهر "حماة" باسمين آخرين هما: "مدينة أبي الفداء"؛ وأبو الفداء هو ملكها العالم المؤرخ المشهور وصاحب المختصر في أخبار البشر، و"مدينة النواعير"؛ والنواعير دوائر خشبية تدور على نهر العاصي وترفع المياه إلى الأعالي؛ وهي كثيرة في المدينة وضواحيها».

الباحث الأستاذ محمد حسان العظم

ويشير الباحث "أحمد عكيدي" في كتابه "حماة مدينة أبي الفداء" بالقول: تقع "حماة" شمال "سورية" تبعد شمالاً عن "دمشق" 210كم، وعن "حمص" 40كم، وتبعد جنوباً عن "حلب" 165كم، وعن "اللاذقية" شرقاً 150كم، وتتربع على ضفتي وادي العاصي الذي يشطرها إلى قسمين؛ يسمى الأول "الحاضر" ويقع شرقي العاصي وشماله، والثاني السوق ويقع غربي العاصي، وجنوبه، كما تتناثر بيوت المدينة على جانبي العاصي».

ويشير السيد "صهيب فوزي" أحد سكان مدينة "حماة" بالقول: «تمت تسمية أحياء مدينة "حماة" القديمة نسبة إلى موقعها، مثلاً: "حي المدينة" وهو قلب البلد ونواته، حي "غرب السكة"، حي "جنوب الملعب"، حي "جنوب الثكنة"، وثمة أحياء وافقت تسميتها تسميات رسمية، مثلاً: "حي الأميرية" وهي كل أرض كانت مملوكة للسلطنة العثمانية، "حي الحميدية": نسبة إلى أرض كانت فيما مضى من حصة السلطان العثماني عبد الحميد، وأحياء تمت تسميتها على اسم الباب الذي كان قائماً فيها، مثلاً: "حي باب النهر"، "حي باب القبلي"، "حي باب طرابلس"، "حي باب الجسر"، "حي باب البلد"، وأحياء تمت تسميتها بناء على مهنة سكان الحي؛ نذكر منها: "حي البارودية" حيث كان يُطحن البارود ثم يتمّ تصنيعه، "حي الفراية" وهو مكان صنع "الفروات"، "حي الدباغة" الذي كان سكانه يبيعون أدوات الدباغة والجلود المدبوغة والقماش المطبوع في جزيرة الطباعين قرب المأمورية، "حي البياض": مكان وجود الكلس الأبيض، وأخيراً، ثمة أحياء سميت نسبة للعائلة التي سكنت الحي، ومنها "حي الطوافرة"، "حي الكيلانية"، "حي البرازية"، أو نسبة للوالي أو لشخصية تاريخية، مثل "حي البرناوي، حي الشيخ عنبر، طلعة السبسبي"».

صورة جوية.

ويضيف "العكيدي" بالقول: «منذ مطلع القرن العشرين حتى يومنا هذا اكتسبت "حماة" اسماً جديداً اشتهرت به، وهو مدينة "أبي الفداء"، وتعود حكاية هذا الاسم إلى عام 1922م عندما أسس فيها النادي الأدبي الذي ضمَّ نخبة من أدباء حماة ومفكريها الذين هدفوا من إحيائهم لاسم أبي الفداء إلى إذكاء الروح الوطنية في مقاومة الفرنسيين، ونشر لواء العلم والثقافة لينهض المجتمع، وسعوا إلى تجديد مرقد أبي الفداء ملك "حماة" ومؤرخها المشهور الذي يعدّ ظاهرة ثقافية، وحضارية متميزة في التاريخ العربي، فكان من ملوك "حماة" الأيوبيين العظام، لا بل مثّل حينها الشخصية الثانية بعد صلاح الدين الأيوبي».

أورد "ياقوت الحموي" في معجم البلدان: «أنّ "حماة" بالفتح بلفظ حماة المرأة، وهي أمّ زوجها، وحماة أيضاً: عصبة الساق (كما ورد اسم حماة في التوراة باسم حمت الكبرى تمييزاً لها من حمت الصغرى في "كيليكيا". وذلك نسبة إلى حماة من أبناء كنعان الذي يُنسب بناؤها إليه)».

في حين يذهب "أنغولت" بالقول: «إن تسميتها أتت من اسم أول ملك آرامي لها يدعى "حماة"، أما حمات أو حماث في اللغة الآرامية فهي بمعنى واحد، لأن مخرج التاء والثاء واحد، واختصت "حماة" في الأولى، واختصت "حمص" (حمث) في الثانية، إذ كان يطلق عليها اسم صوبة "حماة"، وحماة من الاسم الآرامي من حصنٍ وقلعةٍ، و"حماة" من "حمث" السريانية أو "حَمّ" العربية، وتعني كلتاهما سَخَنَ أي صار حاراً».

وبقيت "حماة" محطة لكل زائر وعابر، فقال أحدهم:

"كم من قبائل حطّت فيك عابرةً... وأنت خالدةٌ في مدرج الزّمنِ

حتى إذا جاءَكِ الإسلامُ مؤتلقاً... عانقتهِ كعناقِ الروح للبدنِ".

إن العرب في الجاهلية عرفوا "حماة"، وذكروها في بعض أشعارهم، فها هو "امرؤ القيس" يعرِّج عليها وعلى "شيزر" حين قصد إمبراطور الروم طالباً المعونة من أجل الثأر لدم أبيه:

"بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا

فقلت له: لا تبكِ عينك إنّما... نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا

تَقطَّع أسباب اللّبانةِ والهوى... عشيةَ جاوزنا حماةَ فشيزرا".

ويشير الباحث راشد الكيلاني في كتابه "حماة تاريخ وحضارة" بالقول: «لا يزال أهل "حماة" محافظين على عاداتهم وتقاليدهم منذ القدم، إلا أن الحداثة أخذت ما أخذت من هذه العادات، فقد كانت العائلة تعيش في بيت واحد بفناء مكشوف تظلله عريشة العنب وتفوح في أرجائه روائح الورد والياسمين، كما أن معظم هذه البيوت تفوح في حدائقها الأشجار المثمرة كالحمضيات و"الإكيدنيا" وغيرها، كما يقوم الناس بشراء مؤونتهم من القمح كل عام وينقونه من الشوائب، ومن ثم يسلقونه لصنع البرغل ويقومون بتخزينه لاستخدامه عند الحاجة، كما كان تحضير العجين يتم في البيت ويخبز على "التنور" الموجود في أحد أركان المنزل، وكانت معظم العائلات في "حماة" تقوم بهذه الأعمال، وقلة منها تشتري الخبز جاهزاً، كما كان في كل منطقة "مضافة" يستقبلون فيها أصدقاءهم ومعارفهم ويتبادل فيها الرجال الأحاديث والآراء، ويبحثون ما يدور من أحداث وقضايا، أما النساء فلكل واحدة منهن يوم خاص تستقبل فيه صديقاتها، وكانت هذه الاستقبالات صاخبة تشبه الأعراس وتقوم كل واحدة بتقديم أحسن ما عندها من فنون الرقص والعزف والغناء».

ويضيف: والأعياد في "حماة" لها طعم خاص؛ حيث ينهض الناس صبيحة عيد الأضحى والفطر باكراً، فيذهب الرجال إلى المساجد لتأدية الصلاة، وتذهب النساء إلى المدافن لزيارة القبور، وفي عيد المولد النبوي تقرأ قصة المولد في المساجد وتقام الزينات في البيوت والأحياء ويعلق السجاد والآيات القرآنية ضمن "براوز" جميلة على أعمدة خشبية وتنار المصابيح في معظم الأحياء، وتوزع صرر الملبس على الحاضرين، ولا ننسى مراسم الزواج وجهاز العروس الذي يتبارون في إظهار ما ينفق على تجهيز العروس، ويعملون على كشف ذلك للملأ والمباركة بعد العرس، ومباركة المولود؛ فعندما يكون المولود ذكراً تعلن "الداية" النبأ بصوت عال لتتقاضى أجراً مضاعفاً».

قال مؤرخها أبو الفداء في "تقويم البلدان" عنها: «"حماة" من الإقليم الرابع من الشام بين حمص وقنسرين بفتح الحاء المهملة والميم، وألف وهاء في الآخر و"حماة" مدينة أولية، وهي من أنزه البلاد الشامية، والعاصي يستدير على عاليها من شرقيها وشماليها، ولها قلعة حسنة البناء مرتفعة وفي داخلها أريَحيَّةٌ على الماء، وبها نواعير دون غيرها من بلاد الشام».

يوجد في "حماة" اليوم عدد من الأبنية الأثرية المهمة من قصور ومساجد وكنائس وأسواق وحمامات، يقول عنها الشاعر "وليد قنباز":

"أنّى مشيتَ فللقصور طلاقةٌ... أو أين سِرتَ فللمساجد نورُ

وبكلّ مئذنة نداءٌ خالدٌ... يسمو به التهليل والتكبيرُ".