من يقصد شارع "الدباغة" في "حماة" فإنه سيرى شارعاً آخر يتفرع عن الأول، يشبه في مظهره زقاقاً صغيراً يفضي إلى حي ٍ كان يعتبر في ذاكرة "حماة" من أحياء المدينة العريقة، هو حي "الباشورة".

يقع "حي الباشورة" في "حماة" القديمة، بالقرب من القلعة التي تحده شمالاً، في حين يحده من الغرب حي الدباغة، وسوق الطويل جنوباً، أما ساحة العاصي فتحده شرقاً.

المياه كانت تنقل لهذا الحي من ناعورة المأمورية والجسرية وأقنية أخرى، ويشار هنا إلى أن صحن الدار في بعض بيوت الباشورة تخلو من بركة ماء وذلك بسبب ارتفاع الحارة وكان يراعى أن يحفر فيها بئر ماء احتياطي، فكان يملأ البئر بالماء خلال فترة معينة بالسنة، لمواجهة شح مياه النهر في فترات عجز النواعير عن الدوران وتعطل منظومة نقل الماء في أقنية "الصاعد والنازل" والقنوات

المهندس "سعيد زين الدين"، أحد المهتمين بدراسة الأماكن التاريخية، تحدث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 21/4/2013 عن الحي بالقول: «حي "الباشورة" هو من أحياءِ حماة القديمة من القسم الأول منها من محلة باب الجسر مثله كحي الجراجمة أو حي دار الغنم أو باب القبلي، والتي نشأت نتيجة لتزايد عدد ساكني قلعةُ حماة التي تعتبر النواة الأولى للسكن في المدينة، وحاجتهم لمساكن إضافية، ولهذا توجهوا نحو المناطق المجاورة للقلعة فسكنوا فيها.

لقطة تاريخية للحي

كان عبارة عن تلَّة تشبه تلَّة "العريصة" الدباغة المجاورة له، فتلة الباشورة وتلة العريصة "الدباغة" كانتا تلَّتين متلاصقتين اسمها تل"صفرون" وكانت تلة الباشورة تتصل بالقلعة، إلا أن أحد الفاتحين للمدينة قام بفصل هذه التله عن القلعة وفتح طريقاً بينهما وعندها أطلق اسم حي الباشورة على مساكن تلك التلة».

إذا كان الطابع المعماري للأماكن يعتبر انعكاساً صادقاً للبيئة الحضارية، على حد قول "زين الدين" «فالنسيج العمراني لبيوت حي الباشوره القديمة كان في طابعه المعماري انعكاساً صادقاً لطبيعة المنطقة الاجتماعية والثقافية والحضارية، حيث تتلاصق المباني فيما بينها، ليوحي منظرها الخارجي بطابعٍ البساطة والتقشف.

جانب من شوارع المدينة

تتميز أبنية الباشورة بالمتانة والقوة وسماكة الجدران والاعتماد على الحجر الذي كان ينقل على الدواب كمادة للبناء واستخدامه بمقاييس مختلفة وبتناوب اللون الأبيض والأسود.

في حين يتجلى الفن العربي الإسلامي في أبهى مناظره في هندسة هذه البيوت الداخلية، حيث تحقق هندسة البيت العربي الإسلامي فمن صحن الدار والبيوت مواجهة للشمس في بنائها الى المطبخ فبيت المونة في منخفض عن أرض الدار، إلى العلّية التي تصعد إليها بدرج، أما فيما يتعلق بالزخرفة والزينة فنجد الأطاريف المقرنصة والأقواس».

الاقواس الاثرية

ويضيف "زين الدين" «المياه كانت تنقل لهذا الحي من ناعورة المأمورية والجسرية وأقنية أخرى، ويشار هنا إلى أن صحن الدار في بعض بيوت الباشورة تخلو من بركة ماء وذلك بسبب ارتفاع الحارة وكان يراعى أن يحفر فيها بئر ماء احتياطي، فكان يملأ البئر بالماء خلال فترة معينة بالسنة، لمواجهة شح مياه النهر في فترات عجز النواعير عن الدوران وتعطل منظومة نقل الماء في أقنية "الصاعد والنازل" والقنوات».

يعتبر حي الباشورة من أحياء حماة العريقة الموغلة في التاريخ وقد سكنته عائلات عريقة، وتعتبر بعض هذه العائلات امتداداً لسكان حي الكيلانية، والملاحظ بأن حي الباشورة توَّضع في منطقة جميلة من المدينة حيث تطل بيوته الشرقية على سحر مناظر الطبيعة على جانبي العاصي ونواعيرها من "المأمورية والجسرية" إلى نواعير "الكيلانية والصهيونية والجعبرية" ثم على ضفة العاصي الأخرى حيث حي الكيلانية.

نتيجة للتطور العمراني والاجتماعي هجرَ أكثر سكان الحي دورهم للنظام الاجتماعي الجديد، فبيعت معظم منازل الباشورة إلى المتعهدين والمستثمرين، الذين ازالوا جزءاً من الحي لإقامة المنشأة السكنة الحديثة وشق الطرق.

السيد" "منعم برازي" ذكر أن حي "الباشورة" من الأحياء العريقة التي تعد امتدادا للأحياء التي اشتهرت بها "حماة"، فطريقة بنائه ورصف بيوته تستحضر الأصالة.