"الجندول" تم اعتماده في مطلع القرن العشرين بوصفه موقعاً مهماً وحيوياً وسط "الأكروبوليس Center de Ville" في مركز مدينة "سلمية".

"الجندول" كما يراه من ارتاده من الكتاب والشعراء، هو مكان لقضاء الوقت والتمتع بلقاء الأصدقاء، منهم الأستاذ "حيدر حيدر" الذي يصف الجندول بقوله: «أمّا الطابق الأول، فأنا لا أعهده إلا مقهىً شتوياً، موقعه تحت الطابق الثاني مباشرة، ومقهى صيفياً، وقد ظلت صالته الأرضية الواسعة، بالإضافة إلى حديقته الكبيرة، ذات الأشجار الباسقة، والظلال الوارفة، والإطلالة الجميلة، وموقع المقهى في وسط المدينة ساعد في شهرته، وذيوع صيته، فهو مقصد المقيم والعابر، وملجأ القاصي والداني عند شدة القيظ في النهار، وراحة المسافر والشاعر، عندما تداعب نسيمات المساء جبين كلّ يقظ وساهر بين ظهرانيه، وخاصة عندما يحرك هذا النسيم العليل رياحين حديقته وورودها، فيفوح شذاها بأجمل العطور، وأزكى الروائح، وتلامس النسمات الناعمة، واللطيفة، والرقيقة، أطراف أغصان أشجار الحور والصنوبر والتي سيّجت سور المقهى بسوار أخضر جميل».

تم ترميم مبنى "الجندول" مؤخراً من قبل "دائرة آثار حماة"، ولكن قبل ذلك كان قد استخدم من قبل وزارة الثقافة مركزاً في سلمية، واليوم توجد فيه شعبة آثار سلمية، إضافة إلى نادي الشبيبة للمعلوماتية، ومن الجهة الأخرى مركز رابطة "الضباط المحاربين القدماء"

موقع eSyria يسلط الضوء على هذا البناء الذي يعتبر معلماً سياحياً بحاجة للاستثمار الحقيقي. وفي يوم الإثنين 26 آذار 2012 التقينا السيد "علي كلّول" رئيس لجنة الآثار في جمعية العاديات يتحدث عن تاريخ بناء هذا المكان الذي أطلق عليه اسم "الجندول" يقول: «يعود تاريخه إلى عهد الانتداب الفرنسي على سورية، يقع في مركز مدينة "سلمية" وسط حديقة غناء إلى الغرب من الحمام الروماني الأثري، وإلى الجنوب قليلاً من قلعة سلمية المركزية، ويعتبر من الأبنية القليلة جداً المتبقية في "سلمية" من تلك المرحلة الزمنية، ينافسه في الجمال والقدم "مبنى الثانوية الزراعية" الذي ظهر في العام 1906 وبدأ العمل به عام 1910».

الباحث الأثري "أمين قداحة"

ويضيف: «تم ترميم مبنى "الجندول" مؤخراً من قبل "دائرة آثار حماة"، ولكن قبل ذلك كان قد استخدم من قبل وزارة الثقافة مركزاً في سلمية، واليوم توجد فيه شعبة آثار سلمية، إضافة إلى نادي الشبيبة للمعلوماتية، ومن الجهة الأخرى مركز رابطة "الضباط المحاربين القدماء"».

أما الباحث الأثري "أمين قداحة" فيتحدث عن "الجندول" من الناحية المعمارية، ويبدأ قائلاً: «يتألف البناء من طابقين، الطابق الأرضي بارتفاع 3.75م، له مدخل شمالي، عبر ممر يتخلله حديقة، موصلاً إلى الصالة الرئيسية للمبنى المقهى، وتبلغ مساحتها /154 م2/ وقد حُمل سقفها على عمودين طويلين ورفيعين جداً، تجاور تلك الصالة غرفتان داخليتان صغيرتان بنوافذها الكبيرة الجميلة، المشغولة على الطراز الفرنسي العمودي من ثلاث جهات، وقد بقيت هذه الصالة تشغل نفس الدور الذي أقيمت من أجله أي كمقهى شعبي حتى يومنا هذا».

الواجهة الشمالية للجندول

ويتابع: «أما الطابق الثاني فمدخله من جهة الشرق وهو مكون من موزع كبير تفتح عليه عشرة أبواب يفضي ثمانية منها إلى غرف كانت تشغل الفندق السالف الذكر، أما البابان الآخران فواحد في الجهة الغربية يفتح على شرفة صغيرة، والآخر هو باب الطابق الثاني الرئيسي في أقصى الجهة الشمالية من جهة الشرق، للطابق العلوي شرفتان واحدة في الجهة الشمالية فوق باب الصالة المقهى، والثانية تطل على الحديقة من جهة الغرب كما ذكرنا سابقاً، كما سُقف الطابق العلوي بالقرميد المائل /الجملوني/».

ويكمل: «ما يميز هذا البناء بشكل عام هو أنه يمزج بين أسلوبي العمارة الأوربية والمشرقية عموماً، فالأعمدة المركزية على زواياه عبارة عن زوايا تشابكية بين الحجارة البيضاء المتوسطة الحجم، حيث تشكل خليطاً نموذجياً للأعمدة المخفية، التي لا ترى داخل الجدران والزوايا وبين الأعمدة النافرة التي تشكل قطعاً حجرية أو إسمنتية واحدة».

"الجندول" في الصيف

ويختم بقوله: «يتميز هذا البناء بمحافظته على شكله الكامل وعلى طابعه المعماري الفرنسي بسقفه القرميدي وبنائه من الحجارة البيضاء أساساً، من هنا تم اعتماده مؤخراً موقعاً مهماً وحيوياً، فتم تصنيفه أثرياً في/29 كانون الثاني 2007/ تحت الرقم (38/ أ)، رغم أنه لم يتجاوز من العمر قرنه الأول، إلا أن السبب الموجب لذلك هو ما يمثله هذا البناء من طراز معماري بات فريداً في مدينة "سلمية"».

ويبقى هذا المكان شاهداً على تطور "سلمية" العمراني، ووحده ما زال يعيش سني شبابه رغم أن تاريخ ميلاده المئوي بات على الأبواب.