عندما تقرر زيارة مدينة "سلمية" قادماً إليها من جهة الغرب فأول ما يطالعك ويستقبلك "الثانوية الزراعية" التي تقع مباشرة على بعد مئات الأمتار شرقاً من "جبل عين الزرقاء" وحديثاً أحيطت بسور من الحجر الأبيض زادها جمالاً فيما كان يحيط بها سياج من الأسلاك الشائكة فيما مضى من الزمن. وللعلم فقد بدأ الدم يتدفق في شريانها في العام 1910 بشكل رسمي ومازالت هذه العجوز متصابية تختال ضاحكة وكأنها ولدت البارحة.

موقع eSyria التقى بعض المهتمين بهذه المدرسة لنقدمها كمكان يستحق الوقوف عنده فمن هي الثانوية الزراعية؟

كان لقيام الشعب السوري ومقاومته للاحتلال الفرنسي السبب الرئيس في إصدار القرار بإغلاق أبواب هذه المدرسة في وجه الطلاب، كان ذلك في العام 1932

السيد "محمد مفضي سيفو" الممثل المقيم لشبكة الآغا خان للتنمية في سورية تحدث عن تاريخ المدرسة الزراعية فقال: «جاء تأسيس هذه الثانوية بقرار من "سمو الإمام الراحل سلطان محمد الآغا خان الثالث" في العام 1906، وافتتحت عام 1910، فكل الشكر والرحمة لروحه لما قدمه لهذه البلد المعطاء، حيث أولى العملية التعليمية الأهمية الكبيرة، وقدّر ضرورة نشرها والحض عليها في المدينة والقرى».

الثانوية الزراعية في سلمية

أما المهندس "سميح سيفو" مدير الثانوية الحالي فقام بوصف لمكاتب الإدارية الموجودة فيها فقال: «تعتبر هذه المدرسة والتي تقع على مساحة /650 دونما/ معلماً وصرحاً تعليمياً هاماً وعريقاً يفتخر به كل سوري، قديماً كانت الأبنية مبنية من الحجر البازلتي الأسود وهي معدة لتكون حظائر للحيوانات ومستودعاً للأعلاف، ويوجد في المدرسة بناء مخصص ليكون مسرحاً يتسع لـ500 شخص، أما المبنى الثالث وهو من طبقتين الأرضي منه مخصص للإدارة ولا تزال مشغولة بالموظفين، بينما الطابق العلوي عبارة عن مهجعاً للمدرسين والموظفين، ويوجد في المقابل منه مبنى استخدم قديماً كقاعات تدريس للطلاب، وهي اليوم تستخدم للإدارة ومستودعاً للكتب».

هذه أقسام المدرسة يوم بنيت، وقد طرأ عليها تعديلات في السنوات الأخيرة ليضاف إليها عدد من الأبنية، يذكرها لنا مدير الثانوية فيقول: «مع تزايد الوافدين إلى هذه المدرسة خاصة من خارج سلمية تم زيادة عدد المباني فبني سكناً للطلاب ومبنى للقاعات الدرسية، ومطعماً حديثاً توفر للطالب المقيم ما يرغب به من الوجبات طيلة فترة الإقامة».

تأسست عام 1910

ويتابع: «أصبحت المدرسة ونتيجة التوسع العمراني الهائل ضمن حدود المدينة، فكانت مساحتها يوم بنيت/1000 دونم/ فيما تبقى منها اليوم ما مساحته /650 دونما/ قسم منها مزروع بالأشجار الحراجية كالسرو والصنوبر بالإضافة إلى حقول مزروعة بالفستق الحلبي والزيتون، فيما آلت بقية المساحة إلى دوائر حكومية، وصالة رياضية، ومدينة للملاهي ومطعم الحديقة المستثمر من قبل مجلس المدينة، ومنذ ثلاث سنوات أحدث فيهاً مسرحاً مكشوفاً من جهتها الشرقي يقام عليه أنشطة فنية في الصيف، وفي طرقاتها يقام مهرجان التسوق السنوي».

الأستاذ "باكير باكير" يذكر في دراسة له حول هذه المدرسة يقول فيها: «هي أول مدرسة زراعية في بلاد الشام، والوطن العربي، كانت قبلة للدارسين من سورية والأقطار العربية المجاورة وكذلك الإفريقية، فتخرج منها الكثير ممن ساهموا في تدعيم النهضة الزراعية وتبوأ البعض منهم مواقع هامة في بلدانهم».

من خريجي الدفعات الأولى

وخلال قرن مضى دخلت هذه المدرسة بمراحل عدة يذكرها بقوله: «استمرت الدراسة فيها منذ العام 1910 وحتى صدور قراراً بإغلاقها، في العام 1932، ثم أحدث فيها صف لدار المعلمين الريفية واستمرت حتى العام 1937، في العام 1947 أصبحت مدرسة متوسطة زراعية حتى تم إلغاء المدارس المتوسطة في العام 1959، وتخرجت آخر دفعة تحمل الإعدادية الزراعية عام 1960، وما زالت هذه المدرسة تخرج الفنيين الزراعيين، توقف العمل بنظام التعليم الداخلي فيها عام 1993».

ولاتساع مساحتها يعتقد البعض أنها قادرة على أن ترتفع إلى مستوى معهد عالي للزراعة، ويتابع: «ويمكن أن تتحول إلى كلية في هذه الخصوص، ولقد طرح هذا الموضوع مراراً في مجلس الشعب، وعلى وزارة التعليم العالي وما زلنا ننتظر الرد الإيجابي لاسيما وأن موقعها وسط سورية يؤهلها لأن تقوم بدور فعّال في مجال التدريس الجامعي، وأعتقد أن هذا سيعيد إلى المدرسة دورها المحلي والإقليمي في تنمية الإنتاج الزراعي وتطويره».

ومن الذين جاؤوا هذه المدرسة بصفة مدير اللبناني "وصفي زكريا" الذين تسلم إدارة الثانوية الزراعية بين عامي 1918 -1923 ذكر السبب الذي أدى إلى إغلاقها فقال: «كان لقيام الشعب السوري ومقاومته للاحتلال الفرنسي السبب الرئيس في إصدار القرار بإغلاق أبواب هذه المدرسة في وجه الطلاب، كان ذلك في العام 1932».

في ذاكرة المدرسة أسماء درست فيها وتخرجت وأسست وأصبحت فيما بعد ذات شأن على كافة الصعد ومنهم:

ــ السيد "أديب الشيشكلي" رئيس جمهورية أسبق.

ــ السيد "أحمد قبلان" وزير زراعة سابق.

ــ الدكتور "حامد كيال" عميد كلية الزراعة سابقاً.

ــ الشاعر الكبير "محمد الماغوط".

ــ المهندس "إبراهيم عباس" مدير عام مؤسسة حوض الفرات وعضو مجلس الشعب السوري سابقاً.

ــ الشاعر "أحمد الجندي".

ــ اللواء "سليم مرتضى".

ــ من لبنان "وصفي زكريا" مدير سابق للثانوية المذكورة.

ــ من "غزة" السيد "مجدي عبد القادر الشوا". ومن "عكا" السيد "أحمد صالح الشبل".

ــ من "طرابلس" السيد "صادق عارف شبلي"، والسيد "محمد علي عزيز نوران" من مدينة "حيفا". و"مصطفى حامد رعد" من "النبطية".

ومن الأحداث الهامة في تاريخ هذه المدرسة احتضانها لحدث هام يعتز به أهالي "سلمية"، هو اللقاء بسمو الأمير "كريم شاه الحسيني- الآغا خان الرابع" إمام الطائفة الإسلامية الإسماعيلية في العالم وذلك عامي 2001 و2007.